العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

دول الخليج وأحلام يقظة الاقتصاد الرقمي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على امتداد السنوات الأولى من هذا القرن تزايدت الدعوات العربية المنادية بضرورة تأهيل اقتصاد هذه البلدان كي تنخرط في المساعي الاقتصادية العالمية المتجهة نحو الاقتصاد الرقمي. وقبل الدخول في متاهات جدية الدعوات - ناهيك عن المساعي - تقتضي الضرورة الاتفاق على ما هو المقصود بالاقتصاد الرقمي. تتفاوت التعريفات لهذا النمط من الاقتصاد: من البسيط الذي يطلق عليه اسم الاقتصاد المبني على المعرفة، الا أن هناك من يراه الاقتصاد الذي تحتل المعلومات مكان القلب فيه. ومن ثم فهو ذلك الاقتصاد الذي يستطيع أن يوصل المعلومة إلى من يحتاجها في الوقت المناسب والهيئة المناسبة وبالكلفة المناسبة. لكن هناك من يذهب إلى أعمق من ذلك قليلا مثل دون تابسكوت وديفيد تيكول - من أعمدة الاقتصاد الرقمي - ممن يرون الاقتصاد الرقمي على انه نسج وتشبيك ثلاثة أنماط من الموجودات المعرفية (knowledge assets) هي: الرأس مال البشري (ما يعرفه الناس)، ورأس مال الزبون (من الذي تعرفه)، والرأس مال الهيكلي (كيف بالوسع إدراج ما تعرفه في نظام الأعمال).

ولا يقف الأمر عند هذا الحد من التعقيد إذ يعرفه اقتصاديون مثل بيازولو على أنه ذلك الاقتصاد الذي يتزايد فيه حضور ووزن المعلومات في المخرجات النهائية والمدخلات الوسطى على حد سواء، وإذ يبيح التقدم في تقنية الحوسبة والاتصالات الولوج المباشر والسريع للمعلومات أينما وجدت.

باختصار شديد يمكن القول إن الاقتصاد الرقمي هو الاقتصاد المبني على القيمة المضافة المتولدة من معالجة المعلومة وتحويلها من مادة صماء إلى منتج أو خدمة ذات فائدة للمجتمع، أولا، وتتراكم إلى ثروة معرفية ثانيا، وتمتلك مقومات وإمكانات ديناميكية للتطور ثالثا.

الدعوات الخليجية في مطلع العام الماضي وخلال اللقاء الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة الشارقة في العام 2001 بالتعاون مع شركة «إي ماركت بلايسز» الشركة المتخصصة في مجالات تدشين المواقع الالكترونية للاعمال والاستثمارات وطالبت الغرفة في هذا الصدد بوضع آلية على الصعيد الاتحادي تمكن من وضع وتنفيذ استراتيجية على المستوى الاتحادي للسير نحو الاقتصاد الرقمي.

وقبل ذلك، وفي العام 2000 تبنت غرف التجارة والصناعة الخليجية عقد مؤتمر سنوي للأعمال الإلكترونية بالتنسيق مع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي التي أعربت عن استعدادها لتبني كل المقترحات التي ترفعها الغرف الخليجية، والتي طالبت في مؤتمرها الخليجي الأول في مايو/أيار (2000) بوضع قانون للتجارة الإلكترونية على مستوى دول الخليج.

وفي المؤتمر الخليجي الدولي الثاني للأعمال الإلكترونية الذي عقد في دبي (17 إلى 19 إبريل/نيسان 2001م) وحمل شعار «بوابة الاقتصاد الرقمي»، تركز الحوار بشأن إمكان قيام سوق إلكترونية خليجية مشتركة.

ركائز الاقتصاد الرقمي خليجيا

في حديثه أمام المؤتمرات الخليجية أكد الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة الخليجي محمد عبدالله الملا أن التحول إلى العصر الرقمي موضوع حيوي وحاسم لدول الخليج، ودعا إلى العمل في خطين متوازيين: الأول: ضرورة أن تأخذ دول الخليج ما يجري في العالم من تحولات اقتصادية بجدية أكبر، وأن تتعامل مع هذه التحولات بالفكر الاستراتيجي العالمي نفسه المعتمد على التكتل الاقتصادي، وأن تعمل دول المجلس سوية كتلة واحدة لإنجاز هذا التحول، باعتبار أن معطيات هذه الدول من تعداد سكاني وإمكانات بشرية لا تسمح لها بالعمل بشكل انفرادي.

الثاني: أن يعمل القطاعان العام والخاص في دول الخليج جنبا إلى جنب لدراسة موضوع التجارة الإلكترونية ووضع السياسات والأنظمة المتعلقة بها ومتابعة تطورها عالميا، ووضع الإطار المرجعي لدراسة متخصصة عن الموضوع.

الأوهام الخليجية في تصوره

عن أهلية دول الخليج للاقتصاد الرقمي، أكد فاروق حسن، مدير التسويق في كومترست، وهي وحدة بنى الأعمال الإلكترونية التابعة لشركة «اتصالات»، في كلمة ألقاها أمام مصرفيين ورجال أعمال محليين حضروا مؤتمرا للتجارة الإلكترونية في دبي في العام الماضي أن الشركات والمؤسسات لن تتمكن من العمل المجدي في الاقتصاد الرقمي إذا لم تتخذ والمصارف الرئيسية في المنطقة الإجراءات اللازمة لضمان معرفتها بهوية المستخدمين الذين يجرون المعاملات على الإنترنت لمواكبة عصر التجارة الإلكترونية. ودعا حسن إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة اليوم لتكون جاهز للغد».

وأضاف فاروق حسن قائلا: «لكي تنمو التجارة الإلكترونية وتزدهر، يجب أن تعرف كل الجهات التي تمارس التجارة الإلكترونية هوية الشخص الذي يجري المعاملة - هنا تستطيع الشركات أمثال كومترست تقديم المساعدة. بكونها جزءا من شركة الاتصالات العملاقة (اتصالات)، تستطيع كومترست ان تدفع بعلامة (اتصالات) في جميع أنحاء المنطقة».

وردد حسن في ذلك اللقاء أكثر من مرة «نحن نوفر الثقة للشركات. فإذا كنت تفتقر إلى الثقة في مجال الأعمال - ستفشل شركتك».

مقابل هذه الرؤية الواقعية العلمية نقرأ الكثير من التقارير التي تستقلها المؤسسات الرسمية لتأكيد ادعاءاتها باقتراب الدول الخليجية من الاقتصاد الرقمي مثل التقرير الصادر عن مركز دراسات الاقتصاد الرقمي والقائل إن عدد مشتركي الهاتف النقال في العالم العربي شهد ارتفاعا ملحوظا منذ بداية العام 2002، ووصل في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 237 مليون مشترك. وفيما بلغت نسبة النمو المتحققة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2002 نحو 435 في المئة، يتوقع أن تصل نسبة النمو للعام 2002 بأكمله إلى 52 في المئة، ليتجاوز إجمالي عدد المشتركين 24 مليون مشترك. وبهذا النمو يكون عدد مشتركي الهاتف النقال قد تجاوز عدد مشتركي الهاتف الثابت في العالم العربي، مع إمكان أن يصل الفرق بينهما إلى نحو مليون مشترك بحلول نهاية العام 2002.

تلك الجهات تقف هنا ولا تكمل الكشف عن قسم آخر من التقرير يحذر من «أن معدل انتشار الهاتف النقال في العالم العربي مايزال منخفضا، إذ لا يمثل مشتركو الهاتف النقال البالغ عددهم حوالي، 237 مليون، سوى 8 في المئة من إجمالي السكان، وذلك بالمقارنة مع معدل الانتشار على مستوى العالم الذي يبلغ في المتوسط نحو 17 في المئة. ويدعو التقرير ذاته إلى أنه من أجل أن «تلحق البلدان العربية ببقية البلدان خلال الثلاث سنوات المقبلة... (على الحكومات أن تتجه بشكل جدي) إلى تحرير أسواق الاتصالات وإدخال لاعبين جدد وتعزيز المنافسة».

وتتحاشى تلك الجهات الرسمية الاستماع إلى دراسات جادة قدمها بعض خبراء اقتصاد المعلومات الخليجيين مثل إحسان بوحليقة الذي أشار إلى التحديات التي تواجه دول الخليج من زاوية الفجوة الرقمية، باعتبارها من أبرز المعوقات التي يمكن أن تتسبب في صعوبة تحقيق السوق الإلكترونية، ومن ثم إمكان الانخراط في الاقتصاد الرقمي.

وحسبما جاء في دراسة بوحليقة، فإن الدول الصناعية الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة وكندا، تمتلك 75 في المئة من إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم في الوقت الذي لا تتجاوز هذه النسبة 1 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، كما تشير التقديرات إلى أن نسبة مستخدمي الإنترنت في العالم النامي ستبلغ 4 في المئة من إجمالي المستخدمين العالميين بحلول العام 2005، في الوقت الذي يبلغ فيه الاستخدام الجاري في أميركا للإنترنت نحو مئتي ضعف حجم الاستخدام في دول العالم النامي.

وتستخدم 15 في المئة من العائلات العربية الإنترنت مقابل 50 في المئة للعائلات في غرب أوروبا، ويقدر عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي حاليا بـ 3,54 ملايين مستخدم بزيادة 1,5 مليون شخص عن العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 5 ملايين مع نهاية العام الجاري (2001) ليتضاعف إلى ما بين 10 إلى 12 مليون مستخدم مع نهاية العام 2002، وسيتركز 49 في المئة من المستخدمين في منطقة الخليج التي تقدر نسبة استخدام الإنترنت فيها حاليا بـ 5,6 في المئة، ومن المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في دول الخليج إلى 6 ملايين مستخدم بحلول العام 2005.

نقف عند هذا الحد إذ لا داعي للإسترسال في دحض الإدعاءات التي تحاول أن تضخم من أرقام التبادل التجاري الإلكتروني العربي، أو تسعى إلى النفخ في مدى انتشار الحاسب في صفوف المواطنين الخليجيين ... إلخ من الاحصاءات والأرقام الخادعة. فكما ترى الأقلام الشجاعة والمسئولة أن مربط الفرس ليست التكنولوجيا بقدر ما هي السياسات والتشريعات التي تبني جور الثقة بين مختلف الجهات الضالعة في عمليات التجارة الإلكترونية وتوليد القيمة المضافة عبر الاستخدام الصحيح لتقنيات الاتصالات والمعلومات، وهذه هي حجر الأساس في التوجه نحو الاقتصاد الرقمي.

ونكتفي هنا بالحديث عن دول مجلس التعاون لأنها على رغم تخلفها، فإنها الأكثر تقدما مقارنة مع الدول العربية الأخرى على طريق الاقتصاد الرقمي

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً