العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ

«هدنة» شارون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انهيار الهدنة الفلسطينية - الإسرائيلية مسألة متوقعة. فمنذ قمة العقبة التي جرت بإشراف أميركي ظهرت الحكومة الإسرائيلية كطرف غير جدي في الموضوع، فهي اضطرت إلى توقيع «خريطة الطريق» بعد ان نالت ضمانات من إدارة البيت الأبيض تعد ارييل شارون بإحداث تعديلات جوهرية في بنود الخريطة ومراحلها. وحين ضغطت واشنطن على حكومة محمود عباس (أبومازن) وطالبته باتخاذ إجراءات ميدانية ضد المنظمات المعارضة، اشترطت تل ابيب وقف العمليات وسحب الأسلحة وتفكيك شبكتي «حماس» و«الجهاد»... حتى توافق على تنفيذ بعض بنود الخريطة. وحين توصلت الحكومة الفلسطينية، بواسطة مصرية، إلى عقد اتفاق هدنة لمدة ثلاثة أشهر مع المنظمات المعارضة لتسريع خطوات الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة اتجهت حكومة شارون مجددا للمناورة ووضع العراقيل السياسية والتذرع بها لوقف تنفيذ الخطوات.

«إسرائيل» في هذا المعنى لا تريد «خريطة الطريق» وغير مرتاحة للهدنة وغير موافقة على سياسة أميركية تعطي بعض الشيء للجانب الفلسطيني وتأخذ منه الكثير. فشارون يريد كل شيء لأنه يرى ان «إسرائيل» هي الطرف الأقوى في معادلة «الشرق الأوسط» بعد إخراج العراق من دائرة الصراع واستمرار التهديدات الأميركية لإيران وسورية وأحيانا السعودية. وشارون يرى ان حكومته تملك فرصة تاريخية لتحقيق سلسلة خطوات كانت تحلم بها «إسرائيل» وجاءت الآن مناسبة سياسية قد لا تتكرر في المستقبل.

شارون في هذا المنطق يريد الهجوم أو يفكر على الأقل في تحويل الاحتلال إلى أمر واقع يحظى بالتأييد الأميركي وينال شرعية دولية من الأمم المتحدة... بينما الوقائع تدفع به نحو التنازل عن مشروعه التوسعي أو التراجع عن خطوات اتخذها مستفيدا من المناخات الدولية والأجواء التي انتجتها عاصفة الحرب على العراق.

أميركا تعرف هذه المعادلة. وواشنطن كررت كلاميا ما يريد شارون فعله عمليا. فالرئيس الأميركي ونائبه ووزير دفاعه وحتى وزير خارجيته أجمعوا مرارا على القول إن هناك معادلة جديدة في «الشرق الأوسط» وعلى الدول العربية ان تفهم ماذا حصل في العراق وما هي جملة التغييرات التي أحدثتها الحرب؟... إلى آخر الكلام الواضح في مدلولاته الاستراتيجية وما يتطلبه من خطوات أمنية وسياسية تبدأ بتخلي الدول العربية عن حقوقها واسقاط الشعب الفلسطيني حقه التاريخي في عودته وبناء دولته المستقلة.

كل هذا الكلام قيل علنا وأوصلته واشنطن بقنواتها الخاصة أو عبر جولات المسئولين السياسيين أو الدبلوماسيين إلى العواصم العربية المعنية بموضوع الصراع العربي - الإسرائيلي. فالكلام ليس سرا. وسر الكلام هو ان شارون فهمه على طريقته وحاول ترجمته من خلال التصلب والتصعيد ورفض الاستجابة لكل ما طلبته منه واشنطن لتسهيل مهماتها الكبرى في دائرة أوسع بكثير من هواجس «إسرائيل» ومخاوفها.

انهيار الهدنة الفلسطينية - الإسرائيلية مسألة متوقعة فهي أساسا لا تريدها حكومة شارون وفعلت كل ما تستطيع ان تفعله أو تقدر عليه لابقاء التوتر قائما حتى تتذرع به لتأخير انسحابها أو تأجيل وعودها كسبا للوقت الذي تريده لتحقيق خطة استكمال بناء «الجدار الأمني».

الرئيس الأميركي وصف «الجدار» بالمشكلة إلا انه ليس المشكلة الوحيدة. فهناك المستوطنات، وهناك قضم الأراضي وهدم البيوت وقلع الأشجار وتغيير ملامح الأراضي المحتلة... وأخيرا وهذا هو الأهم عدم اقتناع شارون بجدوى المفاوضة والتفاوض على أرض يعتقد انها ملكه وانها حق تاريخي لـ «إسرائيل». فكيف يمكن ان يتنازل شارون عن ما يعتبره ملكية تاريخية للدولة العبرية، وكيف يمكن ان يتراجع في وقت يتحالف مع متطرفين وأكثر تطرفا منه يضغطون عليه لطرد الفلسطينيين من أرض «يهودا والسامرة».

هذا هو أصل المشكلة ومنطقها السياسي. فشارون أساسا غير مقتنع بالسلام فكيف يمكن اقناعه بالتنازل والتراجع لتسهيل مهمة تحقيق السلام؟

انهيار الهدنة الفلسطينية - الإسرائيلية مسألة متوقعة لأنها أصلا قامت على فرضيات خاطئة وتوقعات تخالف مجرى الوقائع الميدانية على الأرض. فشارون يشترط على عباس إعلان الحرب الأهلية على المعارضة الفلسطينية مقابل وعد غير مؤكد بالانسحاب. وبين الحرب الأهلية والوعد بالانسحاب يميل شارون دائما إلى تثبيت الاحتلال. والاحتلال هو سر انهيار الهدنة... والأمور الأخرى مجرد تفصيلات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً