العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ

الحدود اللبنانية الإسرائيلية واحتمال اندلاع الحرب الاقليمية

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

كيف يمكن توصيف الوضع على الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة؟ هدنة معلنة وثابتة على طول الخط الأزرق، فسحة مفتوحة لعمليات القصف المتبادل حول مزارع شبعا، طلعات يومية لطيران العدو الصهيوني فوق الأراضي اللبنانية مع مجابهة أرضية للدفاعات الجوية للمقاومة الإسلامية، يرافقها سقوط قذائف المضادات فوق المستوطنات في شمال الجليل، تنزل خسائر مادية وبشرية بالمستوطنين تعقبها تهديدات بحرب شديدة، تخف لهجتها مع تدخلات دولية تدعو إلى ضبط النفس والحفاظ على الهدوء، بما فيه هدنة الخط الأزرق. مفاوضات متعثرة بشأن الأسرى، تتواصل بين فترة وأخرى، وتصطدم بمعوقات تعود إلى رفض العدو الإفراج عن الأسرى من المجاهدين اللبنانيين والعرب الذين اختطفوا من منازلهم وقراهم كرهائن، لم يستطع القضاء إصدار الأحكام بحقهم لعدم وجود مسوغات قانونية معتبرة على الصعيد الدولي باعتبارهم رهائن الإرهاب الصهيوني الصريح.

ذلك هو التوصيف الظاهري لمجريات الحوادث على الجبهة اللبنانية مع العدو منذ اندحاره عن جنوب لبنان والبقاع الغربي بعد حرب تحرير ناجحة استمرت عقدين من السنين. ولكن هذا الوضع مرشح لمتغيرات مفاجئة في أية لحظة، وخصوصا بعد التطورات الاستخبارية للعدو التي بدأت نشاطا جديدا تمثل باغتيال علي صالح، الأمر الذي تطلب ردا فوريا وشديدا من المقاومة الإسلامية مرفقا بتحذير النشاط الإرهابي الجديد لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأن ممارسة عمليات ملاحقة واغتيال المجاهدين على الأرض اللبنانية لن يكون نزهة سهلة، وأن ما تمارسه هذه الأجهزة في فلسطين المحتلة وجد رده المناسب تحت شعار «خروقات مقابل خروقات» لخطة الطريق، يواجه في لبنان ردا أكثر شدة لاعتبارات تطال خصوصية الساحة اللبنانية، وضرورة منع العدو الصهيوني الذي خرج منها مهزوما من «بوابة فاطمة» من العودة إليها من نافذة الاغتيالات المدبرة من أجهزة العدو، التي لم تنف قيادته العسكرية مسئوليتها بل اختارت من أجلها قادة ميدانيين معروفين بخبرتهم وبسيرتهم العدوانية في ممارسة هذه الأعمال من إرهاب الدولة المنظم.

بعد الحرب على العراق والتطورات الميدانية والسياسية داخل فلسطين تحوّلت الجبهة اللبنانية إلى جزء من لعبة الحرب والسلم الإقليمية، بمعنى أن الأعمال الحربية على هذه الجبهة لم تعد محصورة في حدودها المكانية ولا في أبعادها السياسية المحلية، بل أصبحت جزءا من الوضع العام على الجبهة السورية اللبنانية في الحرب وعلى المسار السوري اللبناني في السلام. ويضاف إليها النشاط داخل الأراضي اللبنانية نفسها الأمر الذي ينطبق على مواجهة خطة العدو بملاحقة واغتيال كوادر المقاومة اللبنانية، كما حصل في الضاحية الجنوبية في بيروت. ولذلك فإن حسابات العدو في هذا المحل يلزم أن تجمع الأوضاع على الجبهة مع الأوضاع على الأراضي اللبنانية كافة. وكانت الدبلوماسية السورية قد وجهت رسالة ذات معنى إلى الإدارة الأميركية، مفادها أن على هذه الإدارة أن تساعد سورية على حفظ الأوضاع الهادئة في لبنان، وجاء ذلك كرد غير مباشر على تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي لسورية وتحميلها مسئولية الخسائر الناجمة عن تساقط قذائف المضادات الأرضية في المستوطنات بينما نشطت دبلوماسية العدو لكسب التأييد الأميركي والأوروبي لما تخطط له من عدوان شامل على لبنان وسورية الذي يعني بشكل صريح احتمال اندلاع حرب إقليمية كبرى في المنطقة.

هل يتحمل الوضع الدولي الراهن نشوب حرب إقليمية كبرى كما تخطط له حكومة العدو؟ وهل الوضع الراهن في المنطقة مرشح لمثل هذا الاحتمال؟

في تقريرات المراقبين السياسيين والعسكريين في لبنان ان حكومة شارون تلوّح بالعدوان ولكنها غير قادرة عليه، وإن كانت تعمل لتجميع التأييد الأميركي والأوروبي لمثل هذه الخطوة الخطيرة، إذا ما تطورت الأوضاع إلى حدوثها أي أن احتمال الحرب يقع في باب الإمكان، وباب الإمكان واسع إلى درجة لا يمكن معها إثباته أو نفيه في آن. بل تتساوى في حال الإمكان حسابات السلب والإيجاب، وهذا الأمر يضع المقاومة في لبنان وكذلك حسابات كل من الحكومتين السورية واللبنانية في لحظة استعداد وجهوزية تامة، مع حساب كل حركة سياسية وعسكرية بميزان الكيميائي. وهو ميزان عجيب لسكون العناصر فيه، وقدرتها السريعة على قبول التغيرات.

إنها الحال التي تقبع فيها النار تحت الرماد، أو التي يصح في وصفها ما يصح في وصف الحشد العسكري للقوة الذي يقول عنه الاستراتيجيون «إنه نصف الحرب». تكون فيه اليد على الزناد، ونصف الحرب ليس الحرب، كما أن نصف السلام ليس سلاما. والظاهر أن السياسة الأميركية في المنطقة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان تعمل على استقرار على نصف السلام فلا هي تذهب إلى الحرب الشاملة، ولا هي تذهب إلى السلام الكامل. وحتى يتم الخروج من هذه المنطقة الوسطى أو المنزلة بين المنزلتين يلزم الانتظار، والعين مفتوحة على العدو واليد قابضة على الزناد.

وفي انتظار المتغيرات. كل حديث عن الحرب وعن نفيها قابل للإصغاء، كما هو قابل لتبرير العقل. ويبدو أن السياسة الأميركية الراهنة ترغب في إدخال المنطقة العربية في عالم اللامعقول

العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً