العدد 409 - الأحد 19 أكتوبر 2003م الموافق 22 شعبان 1424هـ

تصريحات بويكين ضد العرب والمسلمين تثير الحقد والكراهية

الصحف العربية:

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

لاقت اهتمام المعلقين العرب مواقف رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في كلمته في افتتاح قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، التي قال فيها «إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة وان الأوروبيين أبادوا ستة ملايين يهودي»، معتبرا أن الدول الغربية منحازة وتعتمد معايير مزدوجة في الرد على الانتقادات التي تمس اليهود وتلك الموجهة إلى المسلمين، وان ما عرضه حقائق تاريخية. وهو وإن واجه حملة إسرائيلية أميركية أوروبية تتهمه بمعاداة السامية، لاقى في المقابل، دعما وتضامنا من قادة الدول الإسلامية، وخصصت الصحيفة الأميركية «نيويورك تايمز»، افتتاحيتها، للتطرق إلى خطاب محمد، وما تبعه من تأييد الزعماء المشاركين في القمة الإسلامية في ماليزيا.

وعرضت مقاطع من الخطاب المثير للجدل، ولا سيما تلك التي يقول فيها محمد، ان الأوروبيين أبادوا ستة ملايين يهودي من أصل 12 مليونا، لكن اليهود اليوم يديرون العالم بالوكالة ويجعلون الآخرين يقاتلون ويموتون بدلا منهم ولأجلهم. وانهم اخترعوا الاشتراكية والشيوعية وحقوق الإنسان والديمقراطية كي يبدو اضطهادهم أمرا خاطئا ويتمتعون بذلك بمساواة في الحقوق مع الآخرين. بعد ذلك لفتت إلى التأييد الذي حصل عليه الخطاب ولاسيما من وزير الخارجية اليمني الذي وافق على الخطاب بالكامل ووزير الخارجية المصرية الذي وصف الخطاب بأنه تقييم حكيم جدا وحتى الرئيس الأفغاني حامد قرضاي الذي اعتبر ان الخطاب صحيح جدا. علّقت الصحيفة الأميركية على ذلك بالقول ان العنصر المحزن في الموضوع هو العجز الذي يشعر به ممثلو 1,3 مليار مسلم في العالم، موضحة ان وزير الخارجية الماليزية صرّح، من أجل احتواء الموضوع، بأن المسلمين يشعرون بأنهم مهمّشون بسبب حربي العراق وأفغانستان لذلك فعلى العالم أن يفهم سبب شكواهم من القوة التي تتمتع بها أقلية كاليهود. وفي هذا السياق شددت الصحيفة الأميركية على عدم الخلط بين التعاطف مع المسلمين وقبول العنصرية. لكن «نيويورك تايمز»، ختمت افتتاحيتها بالغمز من قناة الوضع المزري لمعظم الشعوب المسلمة، إذ لفتت إلى ان معظم المسلمين في العالم يعاملون بازدراء من جانب زعمائهم الذين يجتمعون في قمة ماليزيا العاجزة والعقيمة على حد تعبير «نيويورك تايمز»، بدلا من أن يقدموا إلى شعوبهم أكثر ما هم بحاجة إليه، أي حقوق الإنسان والتعليم والديمقراطية.

لكن وبخلاف الدعم الذي لاقاه محمد من قادة الدول الإسلامية، وجه بعض الكتاب العرب الانتقادات أيضا إلى مواقف رئيس الوزراء الماليزي، فالكلام الناري لمهاتير محمد الذي انتقد محقا، انقسامات المسلمين، وتقاعسهم، بحسب رئيس تحرير «السفير اللبنانية» جوزيف سماحة، لكن الحديث عن ملايين من اليهود يحكمون العالم بالوكالة هو نوع من «اللاسامية المقلوبة»، لا سامية العاجز الحاسد، وهي تختلف عن لا سامية عرفها الغرب صدرت عن موقع قوة وأدت إلى المحرقة. فمهاتير، وصل إلى ذروة التفاهة في تعداد اختراعات اليهود: الاشتراكية، الشيوعية، حقوق الإنسان، الديمقراطية. إذ ان هذا الهذيان يدل في رأي سماحة، على علاقة عصابية بالحداثة والعالم المعاصر. أما حازم صاغية في «الحياة»، فرأى ساخرا انه يُستحسن الابتعاد عن مهاتير محمد، رئيس ماليزيا «الناجح»، وعن الوعي الذي يشيعه لأنه خاطئ وسيئ ومُضر ومتعصب ومتخلف وعديم الحساسية في وقت واحد. مشددا على ان ما وصفها بأنها «عملية مهاتير» يمكن أن تسيء إلى العرب، ما لم يبادروا إلى التنصل منها، أكثر من إساءة «عملية غزة». في إشارة إلى حادث التفجير الأخير الذي أودى بثلاثة أميركيين في غزة. فيما أبدى معلقون آخرون امتعاضهم من الحملة الغربية والإسرائيلية وخصوصا الأميركية لأن هؤلاء لاحظوا فيما لاحظوا ان ناطقا من ناطقي الخارجية الأميركية اعتبر كلمة مهاتير «مهينة» لكنه أغفل أن ينطق بأي رأي في ما تفوه به مسئول جديد في «البنتاغون» هو الجنرال وليام بويكين، الذي أدلى بتصريحات في كنائس وتجمعات مسيحية مختلفة نقلتها صحف أميركية وبثتها محطات تلفزيونية في شرائط مسجلة، وفيها تساءل: «لماذا يكرهوننا؟ الجواب هو لأننا أمة مسيحية. انهم يكرهوننا لأننا أمة مؤمنين».

وبعدما تذكر مقاتلا صوماليا مسلما أبلغه ان القوات الأميركية لن تعتقله لان الله يحميه، قال بويكين: «تعرفون ما اعرف. ان إلهي أكبر من إلهه. أعرف ان إلهي هو إله حقيقي، وإلهه صنم». فرأى عبدالوهاب بدرخان في «الحياة اللندنية»، ان من يضع عسكريا أخرق مثل ويليام بويكين في مسئولية كهذه، لا بد أن يكون برنامجه إحياء «الإرهاب» وليس القضاء عليه، وإذكاء الكره لا تبديده. وبذلك لا نكون أمام مسألة «عداء للسامية» وإنما أمام عداء مبرمج للإسلام والمسلمين. ولاحظ ان أي ذكر لليهود أصبح معاداة للسامية، وأي ذكر للإسلام إشارة إلى «الإرهاب». مؤكدا ان القمة الإسلامية في ماليزيا لم تعرف انها ستواجه هذه المعادلة المفتعلة بعد الكلمة الصريحة التي ألقاها مهاتير محمد ورجح أيضا أن الذين أثارتهم فجاجة مهاتير محمد، سواء في الولايات المتحدة أو «إسرائيل» أو غيرهما في الغرب، يجدون في صراحة ولي العهد السعودي الاعتدال الذي ينشدونه إذا كانوا يبحثون عن نقطة التقاء مع الإسلام والمسلمين. إذ ان دعوته إلى مراجعة ثلاثية، فكرية واقتصادية وسياسية، تذهب في اتجاه استيعاب دروس «المحنة الإرهابية». مشددا على ان الفارق كبير بين مكافحة «الإرهاب» فعلا، وبين استخدام «الإرهاب» وتوظيفه. ورأى بدرخان، انه حان الوقت لإتاحة الفرصة أمام الدول الإسلامية لمعالجة مشكلاتها بدل دفعها إلى تخريب ذاتي لا يثمر لاحقا سوى المزيد من «الإرهاب». فالضغوط الأميركية في مسألة «الإرهاب» تبدو نسخة مطابقة للتوجيهات الشارونية بتدمير القوى الأمنية للسلطة الفلسطينية ومطالبة هذه السلطة وقواها المدمرة بـ «تفكيك الارهاب». وأكد بدرخان، أن أكبر فشل حققته الحرب الأميركية على «الإرهاب» كان زواجها مع حرب شارون من أجل إدامة الاحتلال الإسرائيلي لمجمل الأراضي الفلسطينية. وهناك فشل آخر أمامها إذا ظلت تفهم زوال «الإرهاب» بقبول «إسرائيل» كما هي بوحشيتها وجرائمها وإرهابها وطموحها إلى التحكم في «الشرق الأوسط» دولا وشعوبا.

ورأت سحر بعاصيري في «النهار» البيروتية، ان تصريحات بويكين لا تقل سوءا وإثارة للحقد والكراهية عن تصريحات معادية للسامية. وتساءلت عن المقياس القادر على إدانة الموقفين بدل اعتبار واحد معاديا للسامية والآخر حرية تعبير؟ وحري بالذين يدافعون عن «حرية تعبير» شخص مثل بويكين وعن مبادئ التسامح والحوار، توحيد القواعد على أساس الاحترام. فربما عندها يتمكن الباحثون عن جواب لسؤال «لماذا يكرهوننا؟» أن يمسكوا بطرف الخيط.

لكن هناك أيضا من دافع بقوة عن «قنابل مهاتير محمد» كما وصفها عبد الباري عطوان في «القدس العربي» (الفلسطينية) إذ لاحظ ان رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد يتعرض لهجمة إرهابية شرسة بسبب ما ورد في كلمته أمام القمة الإسلامية في بلاده عن سيطرة اليهود على القرار الدولي وتوظيفه لإشعال حروب ضد المسلمين. وأكد عطوان، ان أميركا بزعامة بوش أصبحت مكروهة، بل الأكثر كرها في العالمين العربي والإسلامي بسبب انحيازها المخجل للعدوان الإسرائيلي وتحولها إلى عصا إسرائيلية غليظة لتركيع العرب والمسلمين، وفرض طروحات شارون عليهم بالقوة. مشددا على ان مهاتير محمد لم يكن معاديا للسامية، ولن يكون. معتبرا ان القادة الأوروبيين الذين انتقدوا مهاتير وتصريحاته لا يملكون الشجاعة الكافية لإدانة العنصرية الإسرائيلية، والجدار الأمني الذي يقيمه شارون. وزاد عطوان، ان رئيس الوزراء الماليزي أثبت انه أشجع من الغالبية الساحقة من الزعماء العرب المشاركين في القمة الإسلامية، فشكر مهاتير على شجاعته ورجولته. وقال انه وضع إصبعه على جرح كل عربي ومسلم، وكان بشجاعته هذه أكثر حرصا على اليهود من بعض اليهود أنفسهم، ومن قادة الدولة العبرية الذين أساءوا وما زالوا لهذه الديانة السماوية. لكنه اعتبر ان أخطر ما في الهجمة الإرهابية الحالية ضد رئيس الوزراء الماليزي هو تكريسها مبدأ خطيرا وهو ان أي انتقاد لأي يهودي بسبب سياسته لا دينه، هو جريمة كبرى، وكأن هؤلاء فوق النقد. مرجحا أن يكون خطأ مهاتير في وقوعه في مصيدة التعميم. وختم بالقول انه ليكن واضحا لمن يتهافتون على فرصة لاتهام العرب والمسلمين بمعاداة السامية، ان القيم الإسلامية والعربية الأصيلة تمنع العرب من كراهية أي شخص بسبب معتقداته الدينية أو السياسية. مشددا ان سبب كراهية تلك الفئة الصهيونية هو سياساتها التي تهدم البيوت وتقتل الأطفال.. وليس كونها يهودية أو مسيحية!

من جهته رئيس تحرير السياسة (الكويتية) أحمد الجار الله، الذي أورد من كلمة مهاتير محمد، الجزء الذي يسلط الضوء على الضعف والوهن الذي يصيب المسلمين. انطلق منه ليشن حملة على العرب المتخصصين في الهزائم. وطرح الجار الله، سؤالا كبيرا: لماذا التفكير الواقعي محرم على العرب، ولماذا التنكر للحقائق الدولية واجب الالتزام، وبالتالي لماذا يختلف العرب من دون سائر الأمم ويختصون بتلقي الهزائم والانكسارات؟ ورأى ان الجواب كان يتضمن كلام مهاتير محمد. فبالتأكيد سيخرج عليه من أسماهم بـ «الغاضبين». واعتبر ان في كلام رئيس وزراء ماليزيا الكثير ما يوحي بأن هناك فعلا أناسا أساءوا إلى الإسلام وأساؤوا إلى العرب. وهؤلاء تحديدا هم المتعنترون أصحاب الكلام الكبير الذي يعجزون عن تنفيذ مضامينه ويجلبون شعوبهم إليه ليحرقوها به ويقعون دائما أسرى شعاراتهم الطنانة الرنانة فلا يستطيعون تجاوزها إلى الواقع وضرورات التعامل به فيضحون لأجل جمودهم بغيرهم من الناس ويأخذونهم إلى التضحية الكبرى. وأكد ان وجود الزعامات المسيئة للعرب والمسلمين في مراكز الحكم هو الذي أساء إلى الدين الإسلامي وإلى الشعوب العربية والإسلامية ولقضايا العرب. ولفت إلى قضية فلسطين التي توافرت لها أكثر من فرصة للحل بددها وأضاعها أبناء القضية أنفسهم. وأسف لأنه ما أن تلوح بوادر حل في الأفق حتى تقع عملية في قلب تل أبيب. وختم الجار الله، بالقول ان هؤلاء وغيرهم من الزعماء المتعنترين هم الذين قصدهم رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد بأنهم سيخرجون عليه بالانتقاد وهم المسئولون عن جعل العالم كله يقف ضدنا ويكرهنا ويصمنا «بالإرهاب» وبأبشع النعوت

العدد 409 - الأحد 19 أكتوبر 2003م الموافق 22 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً