العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ

سبع رسائل خاصة وعاجلة

نعم لثقافة السلم والتعارض... نعم لأجندة الوطن

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

من الواضح لكل متتبع للحدث السياسي البحريني الداخلي، وجود أكثر من طرف فاعل في الحياة السياسية، يتحرك وفق أجندة خاصة وأخرى مشتركة ضمن إطار داخلي محصور في دائرة الوطن.

هذا التشخيص الأولي يقودنا إلى فرز لابد له أن يكون قهريا هذه المرة، وهو أن كل الإرهاصات السياسية في هذا البلد هي نتاج أبنائه وحراكهم الداخلي، وبالتالي فإن الفرز الآخر يقتضي أن يضع فواصل وكوابح سياسية على كل تفسير يُخرِجُ تفاعلات الوطن عن دائرتها التي تحتضن تياراته وأبنائه ضمن دائرة الاختلاف والتعارض، والفرز الثالث والأخير، هو إعادة تقييم المواقف السياسية والذاتية من قبل أصحابها، وإعادة تقييم الآخر لموقفه من مواقف وخيارات يحتضنها هذا الوطن.

بعد ذلك، يمكن الوصول إلى نتيجة نهائية مفادها أن الحكم على المواقف لا ينبغي أن يكون مجتزأ ولا خارجا عن إطار الوطن، ليكون بالإمكان مواصلة طريق الإصلاح السياسي وفق رؤية شمولية، لا ترى في المحطات غير المتفق عليها سبيلا للإسقاط الحاد على جهة بعينها، بغية تعميق مأزق الوطن في دائرة اختلافاته وتعارضاته الكثيرة.

وهنا يجب فهم إشكالية جدلية واسعة تتسع باتساع الوطن، ففهمها ضروري لتحييد أي انحراف عن أجندة الوطن، وهو أن استغلال السقطات ومحاولة تجييرها لضرب العمل السياسي العلني والأجندة المشروعة في دائرة التعارض، لن يلغي مأزق التعارض في مفهومه السرمدي والمتسع، ولا يمكن له أن يلغي مؤاخذات كل طرف على طرف آخر، وإنما سيقودنا في نهاية الأمر إلى بؤر مظلمة من الشك والريبة والتربص، لا يدَّعي أحد أن الوطن بحاجة لها في هذا الوقت العصيب.

يجب التأكيد هنا على ضرورة الاشتغال بالعمل السياسي وفق ضوابطه المشروعة التي تحكمه، وعدم الخشية من طرح الأجندة السياسية إذا ما راعت الضوابط، لأنها السبيل لفرز معطيات واعية، ليس بالضرورة أن يتفق عليها الجميع، لكنها ستخدم بالضرورة في تحييد ما لا نرغب فيه.

من هذا المنطلق، فإن ما حدث في ندوة التمييز الأخيرة التي نظمها مركز حقوق الإنسان في نادي العروبة، من خروج البعض على ضوابط العمل السياسي في مقاطع من الندوة، أمر لا يقبل به أي إنسان يحترم إرادته في اختيار النهج السياسي الذي يرغب أن يسلكه بعقلانية وشفافية ووضوح مع كل الأطراف، بما فيها الطرف الذي ينتمي إليه. ومع تأكيدنا على عدالة ما طرح من حقائق وأرقام بخصوص موضوع الندوة، والذي سلط الضوء على ممارسات تمييزية فاضحة وواضحة، وضوح الشمس في طالعة النهار وهو جهد يشكر عليه مركز حقوق الانسان المتميز والوطني، ولا يمكن التقليل من شأنه. وندعو الحكومة إلى عدم حرف مسار التقرير من خلال رغبة البعض في الادانة التمويهية التي تلتف على ما جاء في التقرير من حقائق، وانما نطالبها بأن تقف وقفة حساب مع نفسها تجاه هذا الملف الذي يأرق الوطن كل الوطن. الا أن النهج الذي اتبعه البعض غير النهج الذي عرفنا عليه رموزنا الأساسية، التي قادت الناس باقتدار في أوج حوادث التسعينات إلى المحطة السياسية الحالية، ورسخت مفهوم السلم الأهلي، مساحة توافق عليه بين الحكومة والمعارضة، وبردا وسلاما على الجميع على رغم ما في المشهد السياسي من ضراوة.

لقد سئل أحد الرموز ماذا تستهدفون من طرح الإشكالية الدستورية؟ هل تستهدفون استعداء أطراف في الحكم؟ فأجاب «لا نستهدف استعداء أحد، ولا نريد لأحد أن يستهدف أطرافا في الحكم، إنما نطالب بحقوقنا وفق الأساليب المشروعة»، وقال رمز آخر «سندفع من كرامتنا وهيبتنا ورمزيتنا لندفع بمشروع الإصلاح إلى أقصى درجات النجاح، فإن توقف المشروع عند بعض الأخطاء، فنحن لا نتحملها».

وهنا نضع بين يدي الجميع دعوة صادقة لا مفاصلة ولا مفاضلة فيها، بأننا نمتلك من الشجاعة ما نواجه به الشارع بأخطائه، وكذلك بعض الخطوط السياسية في أجندتهم الخاصة وغير المرغوبة، تماما كما نمتلك شجاعة مواجهة السلطة بأخطائها وممارساتها السلبية تجاه الكثير من القضايا، ومن ضمنها وليس آخرها التمييز، ونرى أن السلطة هي الأقدر على الحل من الناس لأنها الأقوى، ونسجل هذا الموقف لكي لا تتحول الإدانة التي ثُبِّت من خلال تقرير مركز حقوق الانسان إلى إدانةعليه، ولتكون فاصلا حقيقيا بين متخيل بعض الأقلام تجاه قضايانا المصيرية، وبين مقررات وطنية ثابتة، لا يساوم عليها أحد ممن لكلامهم محل في قلوب الناس، فهذه كلمة للجميع «لتكفوا عن الوطن».

يجب أن يفهم الجميع أن الخطاب السياسي السلمي ليس معزولا عن أثمانه الباهظة، ولا عن تضحيات أصحابه ومواقفهم الجريئة التي واجهوا بها الناس والحكومة، مع التأكيد أن الخطاب السلمي من الرسوخ بحيث يشمل دائرة أوسع من التأسيس القبْلي والبعْدي له، ويتجاوزه إلى السجية السياسية لشعب البحرين، الذي لا يستطيع القفز على معطياتها الداخلية من أريحية وطيبة، وهي سجية تحتاج إلى تطوير على مستوى المعرفة بالحقوق وأساليب المطالبة بها في دائرة ما تنتجه من طبائع بسيطة غير مركبة، لكي لا تكون سجية ساذجة يُذَّمُ أهلها، وهذا يتطلب منا طرح ثنائية السلم والتعارض، لإكمال المنظومة السياسية لشعب البحرين، وعدم العبث بمكوناته النفسية ومشاعره الأخَّاذة، وتجييرها لمصالح حزبية أو فئوية، فهذا الشعب لا يستحق ذلك.

من كل هذا الصخب المشحون بالهواجس والانفعالات، عند شَدِّ الحبل وإرخائه، عند تفلُّت الواقع وسكونه وحيرته، يمكن توجيه سبع رسائل خاصة وعاجلة لا تقبل التأجيل.

الرسائل السبع

الرسالة الأولى: إلى الجمهور، الذي ما فتئ مسرحا للتوازنات السياسية المفقودة، والمنزلقات التي يتورط بها الكثيرون، فيجرون وراءهم هذه الكتلة الحرجة من المشاعر والأحاسيس والانفعالات، بغية تحقيق مصالح شخصية لا تقدم ولا تؤخر في معالجة ما ينحشر في داخله من وجع مكتوم ومعبأ وقابل للانفجار، أيها الجمهور: لا ترمي بثقلك المنهك المتعب وراء كل هذه الأحلام النرجسية، وإنما ميز الخطابات ومحصها جيدا، فأمامك حشد من الخطابات بمقدار حشودك وحماسك، فلازم من لازموك وأنصفوك وحملوا عنك العبء والوجع وقت الشدة.

الرسالة الثانية: وهي موجهة إلى القيادات والرموز، ومفادها أن الوقت قد حان لضبط إيقاع الشارع وفق منظومة تضمن له حقوقه، وتحصنه من أية جهة تريد استغلاله والصعود على أكتافه، أو اللعب بمشاعره وأحاسيسه وآلامه التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، إذ يجب تحصينه من كل واقع انتهازي، أو من يريد تحقيق أجندة خاصة، وذلك بأن يكون الرموز في المقدمة لا المؤخرة، على ألا يكون هذا التقدم مشروطا بأجندة يصعب على الشارع فهمها، وإنما ينبغي مناغاته إلى درجة التدليل، وتلقيمه المقاصد والأهداف بما لا يخدش في همته ولا يحبط من عزيمته.

هناك فهم عند بعض الرجال المعتبرين، بأن «فلانا كفانا حمل هذا الملف»، هذا الفهم يقع ضمن منظومة إشكالات تعصف بالساحة، وتحرف بوصلتها السياسية واتجاهاتها، وما ينبغي وما لا ينبغي فعله، فإذا كان هذا الفهم ديدن الرجال الكبار، والشخصيات التي يعوِّلُ عليها الناس، فذلك لا يوحي بشيء من التقاعس فحسب، إلا أنه يوحي بأن القدرة على تشخيص الواقع السياسي غائبة، وأن الرغبة في توسط التجاذبات حفاظا على توازنات الشارع مفقودة، لأنها بمثابة التوريط، ما يجعل أي حكم صادر عنها في الوقائع السياسية والحوادث الاستراتيجية والضخمة والمصيرية هو في حكم التوريط المضاعف، لأن نظرية «فلان كفانا حمل هذا الملف» هي الحاكمة.

وهنا يجب الإشارة إلى بعد موضوعي، حبذا لو انتبهت له كل الأطراف، بما فيها الطرف الرسمي الذي يرصد الساحة، ويطلق أحكاما كلية تشمل كل العاملين في الساحة، وهو أن تراجع الكثير من الشخصيات المرموقة عن أداء مهماتها وواجبها تجاه الناس، سيجعل ممن لا يريد أن يفرِّط في مسئوليته مهما كانت الظروف، متحمِّلا لأعبائه وأعباء غيره، وعليه أن يقاتل في جميع الجبهات، ليدفع ضريبتها من سكونه واتزانه وموقعه الذي غادره ليشمل كل المواقع، وما أسخف القدر عند ذاك، حين يرمى أمثال هؤلاء بالتطرف.

الرسالة الثالثة: إلى الجمعيات السياسية، وهي رسالة خاصة ودقيقة جدا، ومفادها أن مغادرة التكتيكات البينية والغزل المشروخ أمر ضروري في هذا الوقت، فهذه الحميمية لا تجدي نفعا في إنقاذ الناس مما هم فيه، لقد حان الوقت بشكل لا يقبل التأجيل، أن يكون البناء الهرمي والبعد التنظيمي في إيقاعه الممتد إلى مساحات العمل السياسي، حاكما لحراك الجمعيات السياسية، فهو السبيل لإمضاء المقررات السياسية، ولن يخوِّل الناس الجمعيات على مجاهيل لا يعلمها إلا الله، ولن تكون لمقرراتهم أية قيمة فعلية ما لم تقنع السواد الأعظم بصوابيتها، بل ستسهم إذا ما استمرت في ضبابيتها في تشويش المواقف السياسية، وخلخلة التوازن النفسي عند الناس تجاه قضاياهم المصيرية، فلتكن لدى الجمعيات الجرأة الأدبية لمصارحة الناس بكل الخيارات السياسية التي تعصف بالعمل السياسي، لأنها جزء من التمهيد لإيجاد توازن نفسي وعاطفي في حركة الجمهور وتعاطفها مع الجمعيات.

الرسالة الرابعة: إلى أصحاب التوجهات المغايرة، ومفادها اننا نعلم بتشظي الساحة، وتقاسم فيئها بين الكثيرين، بعد أن كانت تحكم وفق مرجعيات سياسية متفق عليها، وبالتالي فأي اختراق لكم داخل الساحة بأجندة خاصة، سيسهم في تأزيم الوضع السياسي بما لا يخدم جميع الأطراف، ونحن ندرك أن الخيار السلمي قدرنا لإنجاز شيء، ونعرف لمن نحتكم في النهاية، إلا أن هذه دعوة خاصة إلى عدم المضاربة على الواقع السياسي، بما يفجِّره ويجعل منه صعب التحكُّم، فضريبة هذا التفجير سيدفعها غيركم.

الرسالة الخامسة: إلى أعضاء مجلس النواب تحديدا، أنتم الجزء الأكبر من الجدل السياسي الدائر في هذا البلد، وجزء من الصدقية وعدمها، وتورطكم في خطاب إسقاطي تعميمي لا يخدمكم في هذا الجدل، ولا يخدم تمثيلكم للناس، فعليكم أن تكونوا حياديين أكثر من غيركم، لأنكم تمثلون هذا الشعب كله، فهذا كلامكم لا كلامنا.

الرسالة السادسة: إلى الأقلام الصحافية التي استهوت أن تصطاد بخطابها الإسقاطي في مثل هذه الأجواء. ليكن رهانكم على الناس وأريحيتهم، ولا تضاربوا على آلامهم أكثر من غيركم، فهم لا يستحقون كل هذا منا، وإذا كانت لديكم جرأة أدبية تسعفكم في مثل هذه المواقف، لتوجيه الرأي العام باتجاه الأفضل والأحسن لهذا الوطن، فتوسطوا الناس ولا تكونوا في مواجهتهم أو على الطرف منهم، فهذه ليست رسالة الصحافة.

الرسالة السابعة: إلى الحكومة مع كل التقدير، هذا الوطن ينوء بهمومه وآلامه، وليس مدينة أفلاطون الفاضلة، هذا الوطن به شوارع غير مرصوفة، تضيق بأهلها كما يضيقون بها، ويستوحشون من سكناهم إذا رأوا الشوارع الغناء، هذا الوطن به غرفات مظلمة ليس بها إلا الأنين والوجع، به المستورون عن أعين الناس، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وهم ليسوا كذلك، هذا الوطن به نفحة من مشروع إصلاح هو الأمل لنا بعد زمان من الحيف، فخففوا عن الناس لا أقل ولا أكثر، عالجوا الحرمان والتمييز لا أقل ولا أكثر، فإذا كان مطلب رصف شارع من أهم أجندة الوطن، فماذا عن الأجندة الأخرى وعمن يحملونها؟ وأين يصنفون ضمن مساحات هذا الوطن؟ أليس وجع الناس إدانة لنا جميعا؟

في النهاية، يجب فهم هذه الحقيقة، أننا سنضرب ستارا غليظا بين هذا الوطن، وبين من يحمل العصا ليسومه في أمنه وقيمه وثوابته أيا كان حاملها، وسنضع الحواجز والموانع والفواصل السياسية، التي تحفظ لنا حق العيش بسلام، ولن نَذْهَلَ عن بصيرتنا وخياراتنا السياسية وثوابتنا في العمل السياسي السلمي والعلني، بل سنحتفظ بها ضمانة أساسية وحيدة، نواجه بها خيارات المجتمع والسلطة، فهي أساس التوازن في ظل التوازن المفقود

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً