العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ

«اللوبي اليهودي»... ومعناه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد تصويت الكونغرس على مشروع «قانون محاسبة سورية» بغالبية ساحقة لم تشهدها حتى اسوأ برلمانات العالم الثالث تضخمت نظرية المؤامرة وازداد الكلام عن سيطرة «اللوبي الصهيوني» على الإدارة الأميركية. هذا الحديث فيه الكثير من المبالغة وفيه الكثير من الجوانب الصحيحة. فاللوبي الصهيوني باعتراف كل المسئولين في الولايات المتحدة والعالم يتمتع بنفوذ قوي وتمويل وتنظيم لا مثيل له قياسا باللوبيات الاخرى وبالنسبة لحجم الكتلة الانتخابية اليهودية. فالصوت الانتخابي اليهودي لا يتمتع بأرجحية بل ان كل المجموعات الأخرى منها العربية والمسلمة تملك من الاعداد ما يزيد احيانا عن حجم الكتلة التصويتية الانتخابية لكنها غير منظمة وغير موحدة الأهداف والمصالح. حتى الكتلة اليهودية ليست موحدة في الانتخابات الأميركية فهناك من يميل منها الى الديمقراطي وهناك من يميل منها إلى الجمهوري. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة نال المرشح الديمقراطي آل غور من أصوات اليهود أكثر بكثير مما ناله المرشح الجمهوري جورج بوش... ومع ذلك لجأ بوش إلى انتهاج سياسة متطرفة ضد المسلمين والعرب وأيد «إسرائيل» الشارونية بأسلوب عنصري وعنجهي واستفزازي لا مثيل له في الإدارات الأميركية السابقة المعروفة تقليديا بدعم «تل ابيب» في السراء والضراء.

لابد اذا من وجود عناصر اخرى تضيف إلى قوة «اللوبي» الصهيوني عوامل قوة وفعالية لا تتوافر لغيره. فتلك القوة كامنة في الإدارة والتنظيم والتمويل والقدرة على الاختراق والتكيف. هذه العناصر الاضافية موجودة بهذه النسبة أو تلك في مختلف اللوبيات إلا ان الكتلة اليهودية نجحت في ترتيب سلسلة علاقات لا متناهية مع هيئات ومنظمات محلية تتحالف معها في نقاط معينة مقابل تجيير اصواتها للمرشح الذي تختاره الكتلة اليهودية. فالقدرة على الاختراق هي سمة أساسية من سمات الأنشطة الصهيونية إذ انها نجحت في ربط مصالحها العامة بمصالح محلية ضيقه تقول بها هذه الهيئة أو تلك المنظمة. حتى تلك الكنائس المحلية التي تنشط دعويا في ولايات محددة بدأت تنسق مع اللوبيات اليهودية ليس انطلاقا من مشاعر مناهضة للعرب والمسلمين وانما لأسباب مصلحية لها صلة بتفهم اللوبيات لمطالب وحاجات تلك الكنائس التي يبلغ تعدادها أكثر من 250 كنيسة وهيئة مسيحية.

اضافة الى قدرة الكتلة اليهودية على الاختراق هناك عوامل أخرى ابرزها القدرة على التكيف. فدائما الحركة الصهيونية تلجأ إلى تكييف اهدافها العامة والكبيرة وإعادة انتاجها في كل فترة زمنية بما يتناسب مع حاجات المرحلة والموجة السياسية.

الأمر نفسه لجأت إليه «إسرائيل» في علاقاتها الدولية فكل من يعادي العرب والمسلمين لاسباب مرحلية ومحددة تذهب إليه وتنسج معه أفضل العلاقات مستخدمة العداء المؤقت كوسيلة للتفاهم المشترك ضد العرب والمسلمين. وبسبب سياسة التكيّف نجحت «إسرائيل» في استغلال الكثير من المشكلات الخاصة التي تنشب عادة بين المسلمين والدول المجاورة أو بين المسلمين والمسلمين أو بين الدول العربية والدول المسلمة.

مثلا استغل ارييل شارون حرب البوسنة وكوسوفو لاحقا لينسج افضل العلاقات بين اللوبي اليهودي واللوبي الصربي في الكونغرس الأميركي.

وبسبب مشكلة الشيشان نجحت «إسرائيل» في نسج علاقات خاصة مع الرئيس السابق بوريس يلتسين في روسيا والكونغرس معا. وبسبب مشكلة باكستان مع الهند على مسألة كشمير طورت «إسرائيل» علاقات استراتيجية مع نيودلهي مستفيدة من مخاوف الأخير من البرنامج النووي - الصاروخي الباكستاني. وعلى المنوال نفسه نظمت «إسرائيل» تقليديا سلسلة صداقات مؤقتة اسهمت في احداث انقلابات استراتيجية على موازين القوى العسكرية العربية - الصهيونية. في الستينيات مثلا استغلت الخلاف العربي - الفرنسي على مسألة الجزائر فطورت علاقاتها مع باريس ونجحت في اقناع الاخيرة في مساعدة تل أبيب على بناء مفاعلها النووي في ديمونا وتزويد طيرانها بطائرات «ميراج» الفرنسية. وفي الثمانينات استغلت دعم الدول العربية والمسلمة لحركة التحرر ضد النظام العنصري في جنوب إفريقيا فطورت علاقاتها مع «العنصرية البيضاء» مستفيدة من التجارب النووية وحقول اليورانيوم في صحراء ناممبا فحصلت منها على مواد مخصبة لتصنيع قنابلها النووية.

الامر نفسه يتكرر مع الولايات المتحدة. فاللوبي اليهودي استفاد كثيرا من الازمات العربية - الأميركية العالقة من النفط إلى أفغانستان وصولا الى ما يسمى نظرية «مكافحة الارهاب» فالكتلة اليهودية «تعرف من أين تؤكل الكتف» وهي تستغل أية مشكلة عربية أو إفريقية أو آسيوية أو أوروبية أو أميركية للنفاذ منها والتكيف معها والاستفادة منها لعزل القضية الفلسطينية عن المحيط العربي - الاسلامي.

هذا ما فعلته مع تركيا حين اختلفت مع سورية بشأن المسألة الكردية إذ اقدمت على تطوير علاقاتها مع الكتلة العسكرية الحاكمة في انقرة. وهذا ايضا ما فعلته مع اريتريا بعد انفصالها عن اثيوبيا وخلافها مع نظام الخرطوم، وهذا ايضا ما تفعله الآن مع الكتلة السياسية الفرانكوفونية الحاكمة في موريتانيا... فكل ثغرة تحصل في أي مكان نجد ان «إسرائيل» أو اللوبي اليهودي يستغلانها لتمرير خطط أكبر بكثير من المشكلة التي تكون عادة موضعية وصغيرة ومحددة ومؤقتة.

وما حصل في الكونغرس الأميركي ضد سورية حديثا ما هو إلا نسخة طبق الاصل من ما سبق وتكرر مرارا في أكثر من مكان وزمان. فالقوة في النهاية ليست في العدد وانما في القدرة على التكيف وتحديد الاهداف والمواضبة على الاعداد والتنظيم والترتيب. فالمشكلة ليست في قوة اللوبي اليهودي وانما في ضعف العرب. وهذا ما يجب ان نعترف به أولا حتى نكتشف الطريق الصحيح للدفاع عن قضايانا العادلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً