العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ

طاقم «أحلام بوش» منخرط في الصراع الداخلي

معسكران يتنافسان على قيادة الإدارة

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

نقل عن الرئيس الأميركي جورج بوش قوله عشية فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2001 أنه يشعر بالفخر إزاء ما اسماه «طاقم الأحلام» الذي يضم نائبه ديك تشيني ووزير خارجيته كولن باول، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ومستشارته للأمن القومي كوندليزا رايس الذين وصفهم بـ «الأذكياء» الذين سيعوضون افتقاره للخبرة في الشئون الدولية. وقال بوش «إنني أنظر إلى الأربعة أنهم قادرون على إكمال بعضهم بعضا».

غير أن ثلاث سنوات من الحكم أظهرت العكس. فطاقم «الأحلام» الذي افتخر به بوش منخرط في الصراع الداخلي والطعن من الظهر والمناورة حول قضايا رئيسية في السياسة الخارجية تتعلق بكوريا الشمالية والعراق تحت الاحتلال الأميركي وسورية وإيران وكوبا. والنتيجة كانت ولاتزال شلل يربك أعضاء الكونغرس ويزعج أصدقاء أميركا وشركاءها المحتملين.

ونقلت صحيفة «نايت رايدرز» في تقرير لها عن مسئولين أميركيين وأجانب قولهم إن عرقلة السياسات الأميركية في المنطقة العربية - إذ تصعد «إسرائيل» من عدوانها على الفلسطينيين وتهدد سورية وإيجاد القلق في آسيا بسبب رفض إدارة بوش التعامل مباشرة مع كوريا الشمالية - أدى إلى امتعاض حلفاء أميركا وتسميم العلاقات مع بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأعاد دبلوماسي أميركي إلى الأذهان ما أسماه «الغضب الصيني» بشأن ما يعتبرونه رسائل متناقضة من إدارة بوش عن كوريا، إذ نسب إلى نظرائه الصينيين قولهم «إننا فعلا لا نكترث ما هي وجهات نظرك ولكن لتكن عندك فقط وجهة نظر».

وعلى رغم امتناع مسئولين في البيت الأبيض التعليق على ذلك، فإن مسئولا أميركيا كبيرا اعترف بأنه كانت هناك انقسامات حادة داخل طاقم بوش للسياسة الخارجية والأمن القومي، لكنه أصر على أنها كانت في الماضي. وقال «إن الكل يدرك أن هناك عددا من المهمات التي يتعين القيام بها، فنحن في العراق، فلابد أن يكون المسار بشكل صحيح، ونحن في عملية سلام الشرق الأوسط وينبغي أن يسير المسار بشكل صحيح، وإنني أعتقد أنه بشأن هذه القضايا هناك الكثير من وجهات النظر، ولكن الآن وخلال الأسابيع القليلة الماضية، هل نحن نقوم بمناقشة هذه الأمور بطريقة مفيدة ومتحضرة؟ الجواب: نعم».

وجرت المعارك بين أعضاء طاقم بوش للأمن القومي والسياسة الخارجية داخل الغرف المغلقة ولكنها تسربت إلى الدوائر السياسية في واشنطن في أعقاب تعيين رايس على رأس مجموعة العمل الخاصة بالعراق وأفغانستان. وهو أمر أثار غضب رامسفيلد اتخذ موقفا عدائيا تجاهها ملمحا إلى أنه لم يُستشر بشأنها وقال: إنه بتشكيل مجموعة استقرار العراق فإن الرئيس بوش يريد من مجلس الأمن القومي القيام بمهمة التنسيق بين الوكالات الحكومية المختلفة المنخرطة في إعادة إعمار العراق.

ويبدو أن طاقم بوش لم يستطع أن يتفق حتى عندما باشر مهمته من أجل الانسجام. وبعد أن تعب البيت الأبيض من التقارير السلبية للإعلام من العراق باشر حملة علاقات عامة قبل أسبوعين لإيجاد صورة إيجابية بشأن الجهود الرامية إلى إعادة إعمار العراق. وكانت النتيجة سلسلة من الخطابات التي ألقاها بوش وتشيني ورايس يبينون فيها موقف البيت الأبيض ولكنها اختلفت كثيرا جدا في اللهجة والهدف إلى درجة أن بعض أبرز الزعماء الجمهوريين في مجلس الشيوخ مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية ريتشارد لوغار كانوا ممتعضين. ودعا لوغار بوش إلى التصرف أكثر كرئيس. وقال لوغار «إنني غير متأكد من الشخص الذي يحدد ذلك أو ما إذا كان الناس يقولون فقط: إن علي أن أقول شيئا وها أنا أقوله». وأضاف «إن على بوش حقا أن يشير إلى صوت موحد وهو صوته إلى الشعب الأميركي وإلى الشعوب في الخارج. إنهم يحترمون الرئيس وتم تخفيف ذلك نوعا ما بهذه الأصوات الأخرى». ونقلت مصادر مطلعة عن لوغار قوله «على الرئيس أن يكون الرئيس، وهذا يعني أنه المسئول عن نائب الرئيس وعن أولئك الوزراء».

ويرى مسئولون أميركيون أن الصراع يضع من يسمون «المحافظين الجدد» بقيادة تشيني ورامسفيلد ضد من يسمون «البراغماتيين» بقيادة باول وهو خلاف يتغذى بخلاف رئيسي في النظرة إلى العالم. وقال مسئول كبير عمل مع إدارات جمهورية «إن الخلاف هذه المرة ليس حول التكتيكات، إنه لا يوجد حل وسط محتمل بين وجهات النظر المتعارضة عن كيفية تعامل هذه البلاد مع بقية العالم». فمعسكر تشيني-رامسفيلد ينظر إلى التهديد «الإرهابي» كما كان ينظر إلى الشيوعية أثناء «الحرب الباردة» بصفته شبكة عالمية من الأشرار وأن ارتباطاتهم ببعضهم حقيقية حتى وإن كانت غير مرئية. وهذا المعسكر يعارض التفاوض مع سورية وإيران وكوريا الشمالية التي يزعم هؤلاء أنها تدعم «الإرهاب».

والقلق الذي يسود الدوائر الجمهورية في الولايات المتحدة زاده استمرار الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال في العراق. وأعلن أحد أبرز شخصيات «المحافظين الجدد» ريتشارد بيرل في القدس المحتلة حين كان يحضر مؤتمرا لدعم الكيان الصهيوني أنه لدينا مشكلات مع السوريين الذين يواصلون دعم «الإرهاب» مضيفا أن «سورية ضعيفة جدا عسكريا» في إشارة إلى تشجيع العدوان العسكري عليها. وهو ما كان يقوله قبل عامين عن العراق. أما البراغماتيون الذين يشملون مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جورج تينيت وبعض كبار قادة القوات المسلحة فهم منحدرون أيديولوجيا من هنري كيسنجر، وإنهم يواصلون السعي من أجل الوفاق مع سورية وكوريا الشمالية معتقدين بأن مزيجا من العقوبات الدولية وسياسة العصا والجزرة يمكن أن تعدل من مواقف هذه الدول.

ويرى مسئولون أميركيون أن الانقسامات بين «المعسكرين» كانت خفيفة في بداية عمل إدارة بوش ولكنها اشتدت بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. وقال مسئول أميركي «إن ما حدث هو أن تشيني ورامسفيلد ذهبا في الأساس في حملة صليبية ضد الإرهاب بدءا بالعراق وواصل باول محاولة كبحهم، من دون نجاح تقريبا، إن تشيني دائما يهمس في أذن بوش: الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب. إنه يستحوذ عليه».

ويعلق العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ جوزيف بايدن بالقول «إنني أسمع المزيد من الشكاوى بشأن نفوذ تشيني في شئون السياسة الخارجية، فإذا نظرت إلى أفغانستان أصبحت خريطة الطريق كذلك إذا نظرت إلى العراق وإلى المعاملات الثنائية ومتعددة الأطراف مع الأوروبيين، فإنه عندما يبدو أن باول على وشك وصل الأمور ثانية يذهب تشيني إلى مؤسسة هيريتيج (اليمينية) ويعيد إعلان سياسة الهجمات الاستباقية». وقال بايدن «تماما كما فعلوا في العراق. فقد اتفقوا ضد الوسطيين والدوليين في هذه الإدارة (الذين يؤيدون سياسة الاعتدال والتعامل مع الأمم المتحدة) وإن المحافظين الجدد هم المسيطرون هذه الأيام».

وتتركز إحدى المعارك الداخلية بين المعسكرين على من سيقود العراق، إذ كانت القيادة المدنية لوزارة الدفاع (البنتاغون) لصالح تولية رجلها أحمد الجلبي، فيما لا يحظى بثقة وزارة الخارجية والـ «سي آي إيه» وكثير من كبار القادة العسكريين الميدانيين الذين يرون فيه شخصا انتهازيا غير موثوق به نظرا للمعلومات الاستخبارية عن برامج التسلح العراقي. وقال لوغار «إن الجلبي يبقى يتحرك دائما إلى الأمام وإلى الخلف (يقفز). وأعتقد أنه عمل شاذ إرسال الجلبي إلى العراق من وزارة الدفاع في وقت مبكر». وفيما يتعلق بكوريا الشمالية فإن معسكر تشيني -رامسفيلد هم الذين يشنون الحملة عليها، بينما أصر معسكر باول على ضرورة اللجوء إلى المفاوضات لدفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن برنامجها العسكري النووي، وأعلن باول أنه يمكن أن يكون هناك سبيل آخر غير ما طلبته كوريا الشمالية من معاهدة عدم اعتداء أميركية، لإعطائها ضمانا مكتوبا بأن الولايات المتحدة لن تهاجمها. ولكن هذه الفكرة ووجهت بمقاومة شديدة من المعسكر المتشدد. ويعتقد بايدن أن رفض «المحافظين الجدد» لأي تعهد من أي نوع بعدم اعتداء قد أضر بفرص حل أزمة كوريا الشمالية النووية. وقال «إن إدارة بوش عقدت الأمور بصورة سيئة إلى درجة أنه قد يكون من الصعب إصلاحها».

ويرى مراقبون أن الأمر الذي وجهه بوش إلى كبار مساعديه ومستشاريه الأسبوع الماضي بوقف تسريب تذمراتهم إلى وسائل الإعلام يعكس حال التعب التي يعيشها من جراء المشاحنات الداخلية وخروجها إلى العلن إذ دفعته إلى تأنيبهم من أجل التعاون

العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً