العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ

رأي قانوني حول حرمة انتهاك الحريات العامة والمال العام (1)

أحمد سلمان النصوح comments [at] alwasatnews.com

في وقت ليس ببعيد من الآن وتحديدا بتاريخ 26 أبريل/ نيسان 2008م سبق وكتبنا حول محكمة الجزاء الدولية (ICC) الموجودة في العاصمة الإيطالية روما والتي انبثقت بعد مؤتمر روما بتاريخ 17 يوليو/ تموز 1998م، وحينها أعطينا الرأي القانوني حولها وقلنا إن تلك المحكمة سيكون لها شأن عظيم على الساحة الدولية على صعيد تثبيت مبادئ حقوق الإنسان في داخل كل دولة على حدة.

اتضح هذا الرأي جليا في الآونة الأخيرة عبر قيام العناصر السرية لتلك المحكمة بمحاولة اختطاف وزير دولة إفريقية عند محاولته زيارة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية حتى أنه قيل أن دولة ثالثة لم يعلن عنها قبلت استلامه حال دخول طائرته في مجالها الجوي لكن تلك المحاولة لم يكتب لها النجاح أو لم تتم بعد أن افتضح أمرها الوزير المعني وحكومته قبل تنفيذها مما أهله أي (الوزير) أن يرجع عن خطة السفر تلك ويرجع أدراجه عائدا لمقر عمله في جمهوريته الإفريقية.

هذا الوزير بحسب ما يقال متهم من قبلها أي (محكمة الجزاء الدولية) بالمشاركة في الفضائع وجرائم الإبادة الجماعية التي حصلت في إقليم دارفور السوداني وقد أذيع الخبر على جميع القنوات الفضائية العربية والأجنبية بتاريخ 7 يونيو/ حزيران 2008 وأعتقد أن العمل الذي نفذته تلك المحكمة عبر عملائها السريين بحق ذلك الوزير الإفريقي سوف يكون له أثر كبير في نفوس الكثير ممن يعتقدون أو يتوهمون أنهم فوق القانون في دولهم، أو أن جرائمهم قد نسيت علما بأن الجرائم الجنائية لا تتقادم.

نذكر في السياق نفسه زيارة مدعي عام محكمة الجزاء الدولية إلى جمهورية كينيا واجتماعه برئيس الجمهورية مرآي كيباكي ورئيس الوزراء راليا أود ينقا، حيث طالبهما بتقديم المتسببين في مقتل أكثر من (1300) شخص خلال حملتهم الانتخابية في العام 2007 إلى محكمة، خصوصا وإن جمهورية كينيا من الدول الموقعة على ميثاق إنشاء تلك المحكمة.

نتمنى هنا أن يكون التطبيق ليس انتقائيا، حيث فلتت دول كثيرة من هكذا إجراء دولي في السابق مثل «إسرائيل» وقادتها مثالا حتى بعد صدور تقرير القاضي الجنوب إفريقي اليهودي الديانة (ريتشارج جولدستون) حول الفضائع التي اقترفت في قطاع غزة في الحرب التي شنتها الدولة الصهيونية على ذلك القطاع الفقير والمحاصر، كما نعتقد أن إذاعة ذلك الخبر كان مقصودا من قبل تلك المحكمة (ICC) بهدف إيصال رسالة واضحة للمعنيين من المستبدين والمتغطرسين حول العالم مفادها أن دور تلك المحكمة سيتعاظم ويشمل كل العالم بمختلف دوله وأقاليمه المستقلة أو تلك التي لا تزال ترزح تحت الاستعمار بمختلف أشكاله مثل فلسطين المحتلة.

إن هذه المحكمة يمكن توظيف أو تجيير قوانينها محليا وإقليميا وعربيا أو الاستفادة ولو بشكل نسبي من بعض مخرجاتها لتطوير الوضع الحقوقي المتدني في معظم الدول النامية والفقيرة وهي كثيرة في عالم اليوم وهذه القائمة تضم الكثير من الدول العربية، حتى تستطيع هذه الدول المتخلفة في المجال القانوني والحقوقي من توفير بعض من مداخيلها وميزانياتها عبر تغيير اهتمامها من صرف معظم مداخيلها وميزانياتها على الأمن في المقام الأول إلى التركيز بدلا من ذلك على التطوير التعليمي والثقافي والاجتماعي والصحي وتطوير بناها التحتية، والعمل على تحسين العلاقة بين الحكام والمحكومين بشكل عقدي ودستوري، وتغيير نمط حياتها من دول ريعية إلى دول راعية وخلاقة.

إن تغيير نمط الدول بشكل قانوني يساعدها مستقبلا على تقليل المصروفات الوطنية من ميزانيتها التي هي في الأساس ضعيفة ومعظمها مساعدات من الدول الغنية، وبالتالي اللحاق بركب الدول المتقدمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان على المستوى الفردي والجماعي والشعبي وفقا لدساتيره الوطنية التي أنشأها بنفسه أو تراضى عليها مرحليا لتسيير شئونه الداخلية. إن الدساتير في دول العالم الثالث تحديدا كانت دائما عرضة للتلاعب فيها من قبل الكثير من قادة هذه الدول من وقت لآخر من دون سند أو مسوغ قانوني أو عرف دستوري دولي مقبول أو استناد على الأعراف والقوانين العالمية، وإن ذكر حادثة الوزير الإفريقي لم يأت لبحث قانونية ذلك الإجراء من عدمه ولا حتى مصيره أو حتى مناقشة ما يمكن أن تقوم به تلك المحكمة (icc) ونائبها العام الأرجنتيني الجنسية (لويس أوكامبو) بل جاء ذكره في سياق تذكير العامة بأهمية تلك المحكمة على المسرح الدولي في المستقبل وإن المحكمة سواء كانت داخلية أو دولية هي مصير كل من يقترف جرائم بحق الناس مهما كان عددهم أو ديانتهم أو لغتهم، وإنه لم يعد من الممكن السكوت على جرائم الدول المتخلفة من دون عقابها أو حتى مساءلتها عن تلك الجرائم التي اقترفتها وتقترفها داخل حدودها.

وبالحديث عن جرائم الدول، يجرنا الحديث اليوم عن جرائم أخرى قد تمسّ الشأن الشخصي، المحلي، الإقليمي والدولي، ألا وهو موضوع المال العام الذي يساهم الجميع في تكوينه وصرفه بطرق مشروعة وفقا للقانون القائم في كل دولة على حدة.

قبل الحديث عن الموضوع لنسأل: ما هو المال العام، وكيف يتكون، ومن أين يأتي، ومَنْ المخوّل بجمعه، أو صرفه، ومن المخوّل بمراقبة صرفه، وكيف يتم اختلاسه، وما هي عقوبة المختلس للمال العام في القوانين البحرينية؟

كل هذه الأسئلة نطرحها أولا لنحاول فهمها، ومن ثم الإجابة عليها ببعض التحليل الموضوعي والقانوني المحايد، ونبصره حولها وكيف له وهو أي الرأي العام المتشكل من مجموع المواطنين البسطاء المنهكين من ضغط العمل والإلتزامات العائلية والقروض والديون ومتطلبات الحياة اليومية أن لا يقع تحت إغراءات المال والحاجة الماسّة إليه في أن يقدم على ما لا يحمد عقباه عليه، وعلى من يعول أسرة، وتلطيخ سمعته في موقع عمله أو في منطقة سكنه ويتم بعدها جرجرته لمراكز الشرطة والنيابة العامة والمحاكم لاحقا، وسنحاول الإجابة عليها بقليل من التحليل المحايد وفقا للقوانين المحلية، والقوانين الدولية، وسنتطرق إلى بعض الأمثلة على كيفية سرقة المال العام عبر طرق واضحة وأخرى ملتوية محليا وعالميا.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "

العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً