العدد 2661 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ

لنتعلم من تجربة «لاهوت التحرير»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في الشهر الماضي فاز «خوسيه موخيكا» في الانتخابات الرئاسية في«أوروغواي» محافظا بذلك على حكم «يسار الوسط» لفترة رئاسية أخرى تستمر خمس سنوات. المهم في الأمر أن «موخيكا» كان قد شارك في تأسيس جماعة متشددة في ستينيات القرن الماضي يطلق عليها اسم «توبامارو»، وهي من الاتجاه الكاثوليكي الذي يطلق عليه «لاهوت التحرير» في أميركا الجنوبية.

هذا الاتجاه اعتبرته الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان خارجا عن مبادئ المسيحية؛ لأنه آمن بالعنف، ولأنه تحالف مع الفوضويين والماركسيين وشارك في عمليات عنف وقتل وخطف وتفجيرات عبثية. ورئيس أوروغواي الجديد كان قد أدين بقتل شرطي في العام 1971، واعتقل في الحبس الانفرادي لمدة طويلة (نحو 15 عاما).

هذا الاتجاه المسيحي - اليساري آمن بأن على رجال الدين أن يساعدوا الفقراء وأن لا يتركوا الساحة فقط للماركسيين، وذلك لأن المسيح (ع) وقف دائما مع المستضعفين، وبرروا جميع النشاطات السياسية والعنيفة والعبثية التي قاموا بها.

ولكن في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تخلوا عن أساليب العنف والفوضى ودخلوا العملية السياسية، وأصبحوا جزءا منها، إلى أن وصلوا حاليا إلى أعلى ما يمكن الوصول إليه من خلال الانتخابات المعمول بها في منطقتهم.

هذا «اليسار المسيحي» المتطرف دخل في صراع مع الكنيسة وانتهى الأمر إلى التصادم مع المنطلقات الدينية (الكاثوليكية)، حتى أن البابا بنديكت السادس عشر قال مؤخرا في خطاب موجه إلى أساقفة البرازيل إن عواقب «لاهوت التحرير» لاتزال مرئية؛ لأنها قامت على «مبادئ خادعة» ودعت إلى التمرد والانقسام والاختلاف والجريمة والفوضى التي مازالت آثارها ملموسة لحد الآن.

تجربة «لاهوت التحرير» في أميركا الجنوبية ربما نحتاج إلى دراستها كثيرا؛ لأن لدينا في بلداننا حركات تتخذ منطلقات دينية، وقد تبرر أساليب تؤدي إلى نهايات «عدمية»، والمشكلة المستعصية هي أن حالة العنف التي تتورط بها هذه الحركات تصبح من دون هدف (لأنها تتجه نحو العدمية)، فهي قد تبدأ من «لا شيء» وتنتهي إلى «لا شيء»، والمطالب التي ترفعها عمومية، وقد تكون مختلقة. فإذا، مثلا، لم يكن هناك معتقلون سياسيون يمكن المطالبة بإطلاق سراحهم، فإنه بالإمكان اختلاق حوادث تؤدي الى اعتقال أشخاص، وعليه «ينخلق» هدف مادي مباشر وهو المطالبة بالافراج عن المعتقلين (الذين لم يكونوا معتقلين من قبل).

الحركات المنطلقة بسبب آلام مجتمعية قد تتشنج وتميل نحو اتجاه ما، وثم تنتهي في اتجاه آخر، وقد ترفع شعارا كبيرا، والواقع أن المطلوب شيء متواضع ... ثم إن هناك القدرة على «المحاججة» التي تنتجها حالة الدوران في حلقات مفرغة، والمحصلة العملية قد تكون مزيدا من الآلام للفئات المفترض إنقاذها من ألم واقعها المرير.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2661 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:36 ص

      شوفوا حل للحرائق المستمرة في الديه جدحفص والسنابس

      والمصيبه من يقوم بعمل الحرائق والفوضى والعفسه كلها أطفال صغار في سن الابتدائي وأكيد من ورائهم كبار ولكن يقفون خلف الكواليس.. الشوارع تبهدلت من المصادمات اليومية وتلوث الجو من الدخان والغازات ألا يستطيع أحد منع هؤلاء الصبية الصغار ووقفهم وأخذ عود الثقاب والكيروسين من أيديهم هذه هي الأساليب الهمجيه التي تؤدي الى العدميه والى انعدام الحس والتفاهات والى زائر (10) لم يكن الدكتور في يوم من الأيام سواء هنا أو في مدينة الضباب عدمياً بالعكس هو من يحمل الأفكار التنويرية وسعة الأفق . ام محمود

    • زائر 11 | 5:47 ص

      هناك

      في مدينة الضباب كنت عدميا مغرقا في العدمية, هدى الله الجميع.

    • زائر 10 | 5:25 ص

      الحرية

      دكتور ابغيك تذكر لي حركة معارضة عربية أو جماعة مثلها مثل الجماعة اللي ذكرتها ... السبب واضح شلون تبغي من بلد يمنع الاعتصامات السلمية والمسيرات ويقمع ويعتقل ويهدد الناس في اعراضها تصير فيه جماعة مثل اللي ذكرتها ... والله احنا كل نقول عن روحنا طيبين ونقابل السوء بالاحسان لكن على العكس احنا حمقى ... حكومات مثل هذي ماتستحق التواجد بيننا.

    • زائر 9 | 3:12 ص

      اتفق معك... محرقية

      دائما تضع يدك على ا لجرح الدامي لتخفيف الآلآم ..واكثر من ذلك انك تقترح الحلول التي ممكن من خلالها الخلاص أو حتى الحد من المشكلة...وهذه الأمور لا تخرج إلا من إنسان عاقل وحكيم ذو خبرة.... الله يزيد من أمثالك

    • زائر 8 | 1:03 ص

      شكرا لك يا دكتور

      شكرا لك يا دكتور على مقالاتك الت تنور لنا الافكار، ولو زين الذين يحرقون قرانا وشوارعنا يلتفتون الى انهم يضرونا اكثر من مايضرون الحكومة

    • زائر 7 | 12:55 ص

      اتفق معاك على هالكلام

      - الحركات المنطلقة بسبب آلام مجتمعية قد تتشنج وتميل نحو اتجاه ما، وثم تنتهي في اتجاه آخر، وقد ترفع شعارا كبيرا، والواقع أن المطلوب شيء متواضع ... ثم إن هناك القدرة على «المحاججة» التي تنتجها حالة الدوران في حلقات مفرغة، والمحصلة العملية قد تكون مزيدا من الآلام للفئات المفترض إنقاذها من ألم واقعها المرير--- شوف التعطيل اللي يصير لينا بسبب حراق التواير هالايام

    • زائر 6 | 12:52 ص

      المقصود ان التخريب والحرق مضر للناس

      المقصود ليس ما فهمهه زائر 2، فالدكتور ليس ضد المنطلقات الدينية، ولكنه ضد الذين يحرقون ويخربون باسم الدفاع عن الناس وهم يضرون انفسهم والناس بدلا من مساعدتهم وهم يحاججون ويدورون في دوامة

    • زائر 5 | 12:45 ص

      رد

      دكتور اعتقد قرات للفاضله ام بسام اعمدتها السابقة ( سور 1 .. سور 2 ) نبقي ردك ولك جزيل الشكر

    • زائر 3 | 12:40 ص

      الى زائر 2

      يمكن فهمت غلط المقال وسؤالك يعني ما ادركت مغزى مقال الدكتور لانه يقول ان بعض الحركة الحالية عندنا تتخذ من المبررات الدينية منطلق لها ولكنها تقوم بنشاطات مضرة للناس بدلا من منفعتهم وهم يكررون مبررات دينية ولايعون المضرة التي يتسببونها للناس بسبب اعمالهم وتصريحاتهم وان عليهم التفكير باساليب غير

    • زائر 2 | 12:21 ص

      سبحان الله يا دكتور

      تقول يا دكتور: ((تجربة «لاهوت التحرير» في أميركا الجنوبية ربما نحتاج إلى دراستها كثيرا؛ لأن لدينا في بلداننا حركات تتخذ منطلقات دينية، وقد تبرر أساليب تؤدي إلى نهايات «عدمية»، والمشكلة المستعصية هي أن حالة العنف التي تتورط بها هذه الحركات تصبح من دون هدف ،))؟ طيب وعندما كنت في المعارضة في لندن الم تكن تنطلق من منطلقات دينية؟؟ ام ماذا؟؟ هل كنت تخادع الناس الذين كانوا يثقون فيك على اساس انك معارض اسلامي وتمثل حركة معارضة اسلامية؟؟

    • ابو مـحـمـود | 11:20 م

      لا فض فوك

      بس لو كان التصريح اكثر لاستفاد منه البعض
      ربما البعض لا يستوعب هذا الدرس.
      المهم انه ممكن التغيير للافضل والاسلم
      سلمت ويسلم البلد

    • زائر 1 | 10:03 م

      الاعتقالات في البحرين

      الاعتقالات في البحرين بدأت بسبب احياء عيد الشهداء، وبسبب مظاهرات العاطلين والسبب الرئيسي هو اعتداء قوات الشغب على المسالمين. هل يقصد الكتب ان علينا السكوت عن حقنا حتى لايتم اعتقالنا؟ شعب البحرين مد يده للحاكم، ولكن للاسف تم نقض العهد. اتمنى ان تنشر الوسط ردي هذا فهي دائما لاتنشر صراحة ما اكتب.

اقرأ ايضاً