العدد 419 - الأربعاء 29 أكتوبر 2003م الموافق 03 رمضان 1424هـ

المعارضة... بين المقاطعة والتحشيد

قراءة في مقالات «الوسط»

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حين أقدمت «الوسط» على فتح الملف الشائك، وهو مقاطعة الانتخابات وكيفية التعامل مع الآخر سواء من قبل المعارضة أو النظام السياسي والاجهزة التنفيذية وكذلك النتائج المترتبة على المقاطعة على المستويين الشعبي والرسمي، كان من المؤمل أن تفتح أبوابها لوجهات النظر المختلفة سواء التقت مع رأي «الوسط» أو لم لم تلتق معه. ما دفعني للكتابة في هذا الملف هو ما أثاره رئيس التحرير منصور الجمري وكذلك تقي الزيرة في يومي الثلثاء والأربعاء بتاريخ 14 و15 أكتوبر/ تشرين الأول 2003 عن موضوع التحشيد والمقاطعة، إذ تم تجاهل بعض الحقائق سواء عن قصد او غير قصد من أجل الانتصار لوجهة نظر معينة، وهو أمر يدعو إلى التأمل ويحتاج إلى وقفة متأنية تقيم الوضع بصورة موضوعية بعيدا عن التحشيد العاطفي الذي غالبا ما تكون نتائجه غير دقيقة.

وسأنطلق في الحوار من قاعدة «أن رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» وهي قاعدة تسمح بالسماع للرأي الآخر من دون الاستهانة برأيه مهما خالفني في الرأي، إذ إنني ومن خلال قراءتي لخطاب المعارضة لم أجد في أدبياتها ذلك الاعتقاد الموسوم بحسم الحوار لصالحها، وليس من المعقول أن يستخدم أي من الرموز كلمة التخوين أو يحاول اسقاط الآخرين فضلا عن توجيه الشتائم والسباب، التي تحدث عنها رئيس التحرير. في الوقت الذي عانت فيه المعارضة ومازالت تعاني من هذه الأساليب غير الحضارية، التي ظهرت على عدة محاور واتجهت عدة اتجاهات ولم تتوقف وتيرتها حتى الآن، وإن خفّت حدّتها في بعض الاتجاهات فإنها مستمرة في اتجاهات اخرى وأبطالها مازالوا يراوحون في مواقعهم المعروفة للجميع.

وإذا أردنا ان نرفع الستار عن بعض الحقائق التي لايزال صداها يتردد عند البعض تقرّبا بها ولو على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب فهو لبيان الحقيقة ليس إلا، وليس بودّي هنا أن انكأ الجروح أو أبحث في ملفات الماضي، إذ كنا نأمل أن ندخل مرحلة جديدة لنا حق التعبير فيها كما للآخرين سواء كنا في الخط المعارض أو المؤيد لتوجهات الأجهزة التنفيذية والسلطة السياسية، إلا اننا نرى ان الحنين إلى الماضي هو الأمر السائد، وليس على المرء سوى الرجوع لفترة التحشيد للمشاركة في الانتخابات ليرى بنفسه الاتهامات الواضحة بالخيانة والتآمر ضد التيار المقاطع في الوقت الذي أغلقت فيه الصحافة بما فيها «الوسط» في وجه المعارضة التي أرادت أن توصل صوتها بحرية من دون مضايقات. وهذا الكلام ليس للاستهلاك إذ كنت ممن أراد التعبير عن رأيه كمواطن فوجدت الابواب كلها مسدودة و قمت بإجراء اتصالات لمعرفة سبب عدم النشر فلم أجد أسبابا شافية، وكانت كل المواضيع التي ارسلها تلقى في سلة المهملات، وممن اتصلت بهم رئيس التحرير نفسه لأخبره بعدم النشر فلم أجد آذانا صاغية. وفي الجانب الآخر كانت المواضيع التي تتسم بالصبغة الطائفية وتتضمن السباب والشتائم تتصدر صفحات الصحف، هذا فضلا عن معاناتنا أبان فترة التسعينات إذ كانت توجه السباب والشتائم لنا ولأزواجنا وأمهاتنا، بل كانت الالفاظ البذيئة التي يخجل الانسان من ذكرها نسمعها بين لحظة وأخرى، هكذا كانت توزع الاتهامات ضدنا وقد سكتنا عنها ردحا من الزمن، إلا أننا لم نستطع السكوت ونرى الاساليب التي مورست ضدنا نتهم بها.

إننا الآن نعيش في ظل دولة أعيد فيها بعض الاعتبار للمواطن، وقد قبلنا بالواقع الجديد وتعايشنا معه، ولكن لا يعني هذا أن نعيش مسلوبي الإرادة والتفكير ونقبل بكل شيء من دون مناقشة أو اعتراض، إذ إنه ما لا يدرك جلّه لا يترك كله، وسنبقى نتعامل مع كل الانظمة والقوانين في البلد من منطق حرصنا على المصلحة العامة التي نحن احرص على تنفيذها إذا كانت في مصلحة المواطن، كقوانين البلديات والجمعيات والنقابات مع وجود بعض الملاحظات على بعض الأمور، ومن المصلحة للوطن الدفع باتجاه التغيير الايجابي في الدستور من أجل توسيع المشاركة الشعبية.

لذلك يلزم التذكير هنا بأن الناس لا تقرأ بعيون مغمضة بل بقلوب مفتوحة، وما يدعو للاستغراب أن الدكتور نفسه كان من أشدّ المعارضين للمجلس الإسلامي الاعلى حين ولادته، وخصوصا مع إجماع الفقهاء على عدم شرعيته، فما الذي تغير بين الأمس واليوم. وكيف ينتقد الدكتور مقاطعة أنشطته وهو يعلم تمام العلم أن الاشكال لايزال قائما؟

هل ينتهي المشروع الإصلاحي بقرار المقاطعة؟

أما بالنسبة إلى ورقة الأخ تقي الزيرة فاعتقد ان من حقه ان يقيّم التجربة بحسب وجهة نظره التي قد تكون صائبة وقد يجانبها الصواب. ولا اتفق معه على أن قرار المقاطعة كانت له تأثيراته السلبية على الحركة الوطنية والجمعيات السياسية نفسها اكثر من تأثيراته على مجلس النواب، ولا أدري إذا كان الأخ تقي يعتقد بأن المعارضة تملك العصا السحرية لمعالجة المشكلات الكبرى المتعلقة بالفساد الإداري والبطالة والتجنيس وتطوير النمو الاقتصادي، التي هي من صلب اهتمامات المجلس إذ أخذت تتفاقم في ظل وجود المجلس، ولنا ان نسأل عن جدوى دخول المجلس، مع غياب الإدارة الحقيقية في التعامل مع هذه القضايا الشائكة وعدم قدرة المجلس على معالجتها من خلال الآلية المحدودة لعمله، إذ يمكن تقييم التجربة ومدى نجاحها من عدمه إذا وجدت الشفافية من قبل الأجهزة التنفيذية في الكشف عن الحقائق، سواء المتعلقة بالتجنيس أو البطالة أو الاسكان.

يزعم الزيرة أن المعارضة دخلت في اشكاليات جديدة لم تكن في حسبانها إثر قرار المقاطعة إذ انها تدعم المشروع الاصلاحي ولكنها لا تعترف بأهم مؤسساته (المجلس الوطني) وترفض التعامل مع اعضائه المعينين أو نوابه المنتخبين، وكأنه يريد أن يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما، وهو تفكير ضيق يحشر الناس في زاوية حرجة، فإما القبول بالمشروع الاصلاحي برمّته من دون اعتراض أو ابداء ملاحظات على ما فيه من أخطاء أو رفض المشروع بالكامل، وهذا أمر غير منطقي وتفكير تجاوزه الزمن ولم يصدر إلا عن دولة وحيدة في العالم «من لم يكن معنا فهو علينا»، هذا فضلا عن اندفاعه غير المبرر للتذكير بالنتيجة المعلنة على صفحات الصحف للانتخابات النيابية وهو يعلم تمام العلم بالأساليب التي مورست أبّان فترة الانتخابات واحتساب نسبة التزكية بنسبة 100 في المئة واشاعة جو من التخويف.

وأعتقد جازما ان التفاعلات والتطورات الاقليمية التي تقودها اميركا وبريطانيا ليست في اتجاه «مشروع تحديث ودمقرطة الانظمة السياسية في المنطقة» بقدر ما هي في اتجاه ادماج الكيان الصهيوني الغاصب للقدس في الجسد العربي والاسلامي وتذويب الانشطة المعارضة له في المنطقة، وهذا ما يبدو جليا في الضغط على ايران وسورية والسودان ومحاولة تطويق منظمتي حماس والجهاد الاسلامي باعتبارهما منظمتين ارهابيتين بحسب الرؤية الأميركية البريطانية؛ لذلك فإن التغيير ينطلق من الداخل وبإرادة جميع الاطراف سواء النظام السياسي أو الشعب، ولن يكون للتفاعلات الخارجية صدى من دون ارادة حقيقية للاصلاح.

ولا يستطيع أحد أن يشكك في العملية الاصلاحية، إلا أنها تحتاج إلى عملية دفع من أجل السير بها قدما للأمام قبل أن تتوقف عجلتها وتتراجع للوراء وهو أمر لا يسر أحدا

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 419 - الأربعاء 29 أكتوبر 2003م الموافق 03 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً