العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ

«صدام» لا يُعرّف... وخيارنا إما الجنرال الأميركي مباشرة أو مجلس الحكم

نائب رئيس لجنة إعداد آلية لصياغة الدستور العراقي محمد رضا الغريفي لـ «الوسط» (1-2):

المنامة - حسين خلف، خليل عبدالرسول 

07 نوفمبر 2003

«الشعب شعبنا... بسنته وأكراده وتركمانه ومسيحيه ومسلميه وصابئيه، فهؤلاء كلهم اخوتنا في الوطن... نشم الهواء معا ونشرب الماء معا وما يصيب الوطن يصيبنا... ونحن ليست لدينا عقدة من الماضي، فقد تجاوزنا كل الماضي بما فيه من المقابر الجماعية»، هكذا تحدث إلينا نائب رئيس لجنة إعداد آلية لصياغة الدستور العراقي وأستاذ العلوم الإسلامية بالنجف الأشرف السيد محمد رضا الغريفي مخفيا جروحه العميقة التي خلفها نظام صدام حسين البائد، وما أن ارتشفنا شيئا من هذه الجروح حتى حثنا على التوقف عن الحديث بشأنها.

«الوسط» التقت الغريفي، وكان لها هذا الحوار معه:

بداية، نرجو أن تحدثنا عن الارتباط التاريخي لعائلة الغريفي في العراق والبحرين.

- لقد كانت علاقة أجدادنا بالبحرين شديدة جدا، وقد كانوا من العلماء والزعماء المرموقين هنا في البحرين، وحينها كان الجدل دائرا بين ما يسمون بـ«الإخباريين» وما يسمون بـ«الأصوليين»، وقد قيل عن جدنا السيد حسين الغريفي (رحمه الله) انه كان من العلماء الأفذاذ الكبار الذين لا يشق لهم غبار، فكان لا يحب صناعة الجدل، وإنما يستند إلى ما عنده من علم في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة وما لديه من ذكاء خارق.

وكان أحد العلماء ممن يحبون صناعة الجدل والمغالطات، يجادل بعض العلماء في بيت جدنا السيد حسين الغريفي، وكان معروفا في ظاهره بإجادته للجدل وغلبته في الحوار، غير أنه جاء مرة أخرى للسيد وقال له «إنما غلبتك من باب الجدل ولكن الحق معك أنت».

لقد كان الناس يأتمرون بأمر العلماء من أجدادنا وينتهون بنهيهم، إذ كان هؤلاء العلماء في مقدمة من دافع عن البحرين، وقد كان لأحد أجدادنا قصيدة مشهورة بعد أن انكسر في أحد المعارك وعاد بالجيش مرة أخرى وأخرج الغزاة من الأرض، وهو يقول «حمى حوزة البحرين جدي ووالدي... وقد آثروني بعدهم أطلب الوترا، فنحن بني الحمراء والبيض بيضنا... ألا فلتشهد الحمر والشقرا».

ولذلك فإن لعائلتنا وتد وأرض في البحرين، والحمد لله يوجد من بني عمومتنا هنا سماحة الحجة السيد علوي الغريفي (أطال الله في عمره) وله مكانته العلمية... وكذلك سماحة الحجة السيد عبدالله الغريفي، وهما ظلان يفيضان ويسألان عن أرحامهما خارج البحرين، وقد زار السيد علوي النجف الأشرف قبل ثلاثين عاما واجتمع بالسيد الوالد (رحمه الله)، وكذلك السيد عبدالله.

من هو صدام حسين؟

إثر تجربتكم في ظل النظام السابق في العراق، كيف تعرف لنا «صدام حسين»؟ من هو؟

- يقول أحد العلماء المسلمين: «لو جاءت الأمم بمجرميها، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم به»، وأقول: «لو جاءت الكرة الأرضية بمجرميها، منذ قيام الخليقة وحتى قيام الساعة، وجئناهم بهذا الرجل لغلبناهم به».

أنت لا تستطيع أن تتصور ماهية هذا الرجل، ولا حتى أن تتخيله، فلو أنك أغمضت عينيك وتخيلت كل ما في الكرة الأرضية من إجرام ومظالم، وتأملت كل الطغاة الذين حكموا شعوبهم، وكل الحروب التي أبيد بها البشر، فإنك تجد لصدام فيها القدح المعلى.

ولا يستطيع إنسان - مهما أوتي من بلاغة وفصاحة وعلم وسعة أفق - أن يعرف لك من هو صدام، لأنه شخص لا يُعرف، وإذا عُرّف فإن تعريفه عند العقلاء يشبه الخيال، فالذي عاش التجربة هو الذي يفهم من هو صدام، أما نحن حين نقول لك من هو فإنما نقرب لك الصورة فقط.

أما هل باستطاعتي أن أصف لك ما لاقيناه منه، وما تلاقينا به معه، فإن كل عائلة عراقية من أقصى الشمال إلى الجنوب لاقت ضيما من ضيمه، وبؤسا من بؤسه، وجرما من إجرامه، فأنا لا أستطيع أن أصور لك كل هذا، بل انني أقول لك بالمختصر المفيد - وأقسم لك على هذا - بأنني قرأت تاريخ الطغاة في العالم منذ السبعينات، إذ كنت أذهب إلى المكتبة المركزية الوطنية في بغداد وأتعمد قراءة تاريخ الطغاة، فوالله ما وجدت طاغية من طواغيت العالم إلا وصدام قد فاقه وكان له القدح المعلى منه.

ماذا عن تجربتكم في ظل هذا النظام؟

- إنك تفتح عليا الجروح، فقد كانت تجربتنا ليل يأتي ونهار ينقضي، وأنت في كل لحظة تنتظر ليأتي من يقتلك.

وأنا شخصيا منذ العام 1980م وحتى العام 1990م لم أكن موجودا في الحياة! فعشر سنوات لم يكن فيها ليلي ليلا ولا نهاري نهار، فكيف لي أن أختصر لك عشر سنوات من الخوف والرعب والشلل الذهني التام، كنت حينها أحصي سيارات الشارع، وإذا رأينا سيارة غير تلك السيارات المعتادة في الشارع شككنا في أنها «سيارة أمن» جاءت لمراقبتنا، حتى أننا عرفنا طرقات الباب (هذه طرقة أختي... هذه طرقة أمي... هذه طرقة فلان)، فإذا اختلفت الطرقات على الباب حدث استنفار داخل الدار، وحتى الطفل الصغير يأتي ليقول لي (بابا دقة غريبة على الباب).

تسلسل تاريخي... الدولة العثمانية والاستعمار

الآن، كيف هو وضعكم في العراق... الحوزة والعلماء والشيعة الذين عاشوا التهميش في ظل النظام السابق، وما التغيرات التي طرأت على الوضع في ظل وجود لتمثيل لكم في مجلس الحكم ولجنة صياغة مقترح الدستور؟

- حينما نرجع للبدايات التاريخية لوجود الشيعة في العراق، نجد أننا لسنا مغيبين عن السطلة فيما سمي بـ«العهد الوطني» فحسب، إنما كنا مغيبين طوال أربع مئة عام خلال حكم الدولة العثمانية، إذ لم نكن نقبل كضباط في الدولة العثمانية على رغم أننا من رعاياها، وكنا لا نقبل في المدارس والأوقاف والتعليم، ومغيبين عن كل المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأي أمر يتصل بجهاز الحكم، وبالأحرى كنا مواطنين من الدرجة الرابعة أو الخامسة، مع أننا نخدم في الجيش التركي والعراق كان ولاية من ولايات الدولة العثمانية.

ومع كل هذا، حين نزل الإنجليز العراق، أفتى علمانا بالمدافعة عن الدولة العثمانية، مع أننا كنا مضطهدين من قبلها، حتى أننا كنا نمارس شعائرنا في السراديب ولم يكن يسمح لنا برفع الأذان ولم يكن أحد يتجرأ ليقول «أنا شيعي»، غير أن الإنجليز حين نزلوا في البصرة خرجنا إلى الجهاد دفاعا عن الدولة العثمانية لأنها كانت تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أي دفاعا عن بيضة الإسلام.

وللتاريخ أقول لك: كان المجاهدون ومنهم السيد مهدي الحيدري عمره 84 عاما، خرج من الكاظمية (منطقة الكرخ) متوجها إلى البصرة، والسيد محمد سعيد الحبوبي خرج من النجف ومعه السيد محسن الحكيم والسيد حسين الحلي، وجدي لأبي السيد جواد، وذهبوا إلى «الشعيبة» وعسكروا هناك، وقد خرج لهم القبائل والعشائر، فجاء القائد العثماني إلى السيد مهدي الحيدري، فوجده ذلك الشيخ الوقور والشيبة تتهدد على صدره، وآثار السجود بين عينيه، فقال له: ماذا تريدون سيدنا؟ فرد عليه: لا نريد منكم شيئا سوى أن تتعاونوا معنا ونتعاون معكم في صد الخطر الغربي عن العراق، ولو كان عندنا أموال لأعطيناكم هذه الأموال، فما كان للقائد العثماني إلا وقام القهقرة إلى الوراء وأدى التحية العسكرية للسيد الحيدري.

وأنا لا أتحدث لك من مصادر بل أتحدث لك عن شهود عيان، وبعد ذلك طرح القائد التركي في تلك المعركة، فنقل إلى بغداد، وكان هناك من ينتظرون أخبار ما يجري، وحينما التقوا بالقائد التركي فامتعض منهم وقال لهم: هلا كنتم كهذا الشيخ ذي الثمانين عاما وتدافعون عن بيضة الإسلام؟ فأنتم قد استفدتم من الدولة العثمانية وهو لم يستفد منا شيئا... وأدار بوجهه عنهم ولم يتكلم معهم.

مرحلة «الحكم الوطني»

وبعد ذلك جاء «الحكم الوطني» (1920م)، بعد أن سالت منا الدماء وقاومنا الإنجليز بفتاوى الفقهاء، وجئنا بالملك فيصل من الحجاز بعد أن طرده الفرنسيون من سورية، لأنه من صلب رسول الله (ص) ونسبه صحيح، فبدأت العجلة تعود علينا من جديد، ليصبح الشيعي كناسا وزبالا وعامل مجاري وشخصية غير مرغوب فيها، ولم تكن البعثات الأكاديمية ولا القبول في المعاهد العالية ولا المناصب العليا تشمل الشيعي، بل أكثر منها بعد أن كنا في الأربعينات والخمسينات والستينات عمل صدام حسين والبعث العراقي ليميتنا فكريا بعد أن أماتنا اجتماعيا.

الجنوبي العراقي يتمتع بعقل واسع وانفتاح عقلي كبير وذكار منقطع النظير، ومع هذا فإن منهم من يخرج الأول على كليته، فإذا لم يكن بعثيا فإنه يبعد، وقد وصل الأمر بنا أننا نمتلك بعض السيطرة المالية على السوق، غير أن صدام وحزب البعث عملوا على تجردينا منها أيضا.

وفي الثمانينات، بعد أن كنا نسيطر على الفكر العراقي والسوق المالي، أصبحنا مجهولين في فكرنا وفي مبادئنا وعقائدنا، حتى عمل البعثيون على حرف فكرنا الديني بإدخال المخابرات والأمن والاستخبارات في الحوزة وارتدائهم العمائم.

ومن جملة المؤمرات التي مارسها البعث علينا في التسعينات خرج علينا بما يسمى بـ«المرجعية العربية»، ومعناها أن يأتي أي شخص لا ينتمي إلى غير القومية العربية - حتى لو لم يكن يفهم شيئا في الفقه والأصول - يدفعه ليقلد في القواعد الشعبية.

واختصارا، فإنه منذ العام 1921م إلى العام 1968م، مورست ضدنا سياسة التفرقة العلمية والعسكرية والسلطوية، إذ لم يكن منا رئيس للوزراء غير صالح جبر والسيد محمد جبر كوزارة انتقالية، وأما في العهد الجمهوري فلم يكن منا رئيس وزراء إلا لمدة تسعة أشهر (1958-1968) وهو الدكتور ناجي طالب.

مجمل القول، ومنذ أربعة وثمانين عاما وحتى اليوم، مورست ضدنا كل سياسات الاضطهاد مما فاق ما هو موجود في الدولة العثمانية، فلم نقبل في العسكرية ولا التعليم، بل انه ومنذ 35 عاما فإن أي بناء جديد حين يقدم كمسجد للشيعة يرفض، ولذلك تجد أن أحياء بغداد والأحياء التي نشأت في الجنوب والتي نشأت بعد العام 1968م لا تجد فيها مساجد ولا حسينيات للشيعة.

ففقد مورست ضدنا الطائفية السياسية والدينية والثقافية والفكرية، حتى أنها حاولت سلخنا من عقائدنا، وذلك بعدم السماح بطباعة أي كتاب يذكر التاريخ الشيعي، وأي كتاب أو مقال يفكر التفكير الشيعي تحت ذريعة قانون «سلامة الفكر العربي القومي»، بل حتى رسائل الماجستير والدكتوراه التي تحدثت عن الشيخ المفيد والطوسي والحلي رفضت، حتى أن أحد المناقشين قال لأحد الشيعة والذي قدم رسالة الماجستير: سأنقص درجتك لأنك لم تلتزم بقانون «السلامة الفكرية».

بعد العام 1990

أما بعد العام 1990، فقد تحولت المؤامرة إلى كيفية نسيان الشيعة لعقائدهم، وكيفية إماتة الشيعة، وقد عقد مؤتمر برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم يبحث عن كيفية سلخ الشيعة عن مبادئهم وعقائدهم.

وفي هذا الإطار كان هنالك تجهيل متعمد للشيعة، ولذلك حين انفتحنا في الآونة الأخيرة على القاعدة الشعبية، وجدنا أننا ننفتح على قاعدة لا تفهم إلا علي والحسين وعلي بن الحسين، وبصعوبة قد تستطيع أن تعد الأئمة، وهذا ما حدا ببعض الغريرين والأوباش أن يبرزوا ويتزعموا الساحة.

والآن بغض النظر عن كل الأمور التي حدثت، إن العراق عراقنا والشعب شعبنا بسنته وأكراده وتركمانه ومسيحيه ومسلميه وصابئيه، فهؤلاء كلهم اخوتنا في الوطن... نشم الهواء معا ونشرب الماء معا وما يصيب الوطن يصيبنا، ونحن ليست لدينا عقدة من الماضي، فقد تجاوزنا كل الماضي بما فيه من المقابر الجماعية، ونحن لم نتهم أي طائفة بأي اتهام، أو انهم قد عملوا على دعم صدام أو إيجاد ثغرات وطعنات من خلف ظهورنا، بل اننا انفتحنا عليهم واستقبلنا وفودهم التي جاءت النجف وعانقناهم وقبلناهم بين أعينهم وحرمنا الاعتداء عليهم.

حتى أن بعض من غوغاء الشيعة وجهلتهم سيطروا على مسجد لإخواننا السنة بمنطقة الحلة، فأفتى السيد السيستاني (حفظه الله) بإرجاع المسجد إلى إمام الجماعة السني وإذا لم يستطع ذلك في هذه الظروف يحمى هذا الإمام ويجرى له راتب من قبل وكيل السيد حتى يتم فتح وزارة الأوقاف ويصرف له راتبه.

فقد أفتى السيد السيستاني بحرمة تغيير سمات المسجدية، أي تحويل أي مسجد سني إلى شيعي أو العكس، بل ان الصلاة فيه باطلة.

أماا التمثيل في مجلس الحكم الحالي ففيه نوع من رجوع الشيء إلى نصابه، على أننا لا نؤمن بالطائفية، ولا نؤمن بالتفرقة، ولكن مجريات الأمور وطبائعها تقول إننا الأكثرية وأن نكون في مقدمة الركب، وليست هي نقيصة في حق أحد ولا اعتداء على حق أحد، ولو ترجمناها إلى معان أخرى لقلنا أنه من حق الثائر الذي ضحى والدماء التي جرت من أي فئة من الفئات توجد شرعية بأن يكون لها ممثل في مجلس الحكم.

وإن لم تكن شرعية تمثيلنا في مجلس الحكم لأننا الأكثرية، فإن شرعية وجودنا في الساحة العراق هي من شرعية الدماء التي سالت منا.

العلاقة بالاحتلال والأميركان

بعد هذا السرد التاريخي، كيف تبين لنا طريقة تعاملكم في الاحتلال، فمن الواضح أنه احتلال لبلد إسلامي فيه الكثير من المقدسات، خصوصا تعامل الفقهاء مع الاحتلال الأجنبي؟

- لهذا الأمر أمران، الأول: هل كنا نستطيع أن نمنع الولايات المتحدة الأميركية من الدخول إلى أراضينا؟ وهل نعيد الكرة مرة أخرى في المقاومة كما كنا في العام 1917م؟ وهل الظرف الدولي والساحة الدولية تهيئ لنا مقاومة الولايات المتحدة الأميركية؟ ومن الذي أدخلها إلى أرضنا؟ وهل نحن المسئولون عن دخول أميركا إلى أرضنا؟ وللأسف الشديد هناك من الفضائيات من يروج لقول إن الشيعة هم من جاء بالأميركان، فهذا افتراء على الحق، فلسنا في حكم حتى نقول لأميركا تفضلي، ثم لو أن أحدا في كل العالم ومهما بلغت دالته على الولايات المتحدة أن تذهب إلى رئيس الولايات المتحدة أو وزير دفاعه وتقول له: تفضل واحتل بلادي، فهل يجيبه الرئيس الأميركي لسواد عينيه أو رقة به أو عطفا عليه أو تخليصا له من هم وغم أو إزالة لكابوسه؟

إن الولايات المتحدة الأميركية اليوم هي زعيمة العالم من دون منازع، ومن أبى هذا القول فإما أنه مجنون وإما أنه لا يفهم، فهي لديها مصالح في كل الكرة الأرضية، فهل إذا قال الشيعة لأميركا تعالي واغزي بلادنا، فهل أميركا ساذجة إلى هذا الحد وستقول نعم أهلا وسهلا سآتي لأحتل بلادكم.

أميركا لها مصالح في كل بلدان العالم، وأما عن مصالحها في العراق فلديا تحليل لا أود التطرق له الآن لأنه سابق لأوانه، فالولايات المتحدة ومنذ مجيء بوش إلى الحكم تعمل على احتلال العراق، فسواء قال لها الشيعة أم لم يقولوا لها، وأمروها أو أأتمروا بها، فإن دخول أميركا العراق لم يكن لقول قاله الشيعة.

ولنفترض جدلا، أن بعضا من الشيعة ذهبوا إلى الولايات المتحدة وقالوا لها بغزو العراق، فقد قال القول ذاته بعض من السنة وبعض من المسيحيين وبعض من الصابئة وبعض من الأكراد (بل كلهم)، وبعض من التركمان، فهل من العقل والضمير والوجدان أن تتحمل طائفة من الطوائف مجيء الولايات المتحدة أن بعضا من أفرادها قالوا للولايات المتحدة ذلك؟

ولنفترض هذا القول ونغض الطرف عن الطوائف الأخرى في العراق، ولسنا من عاش 35 عاما تحت ساطور ومطرقة وسندان صدام؟ أوليس هذا عين الباطل الذي يتحدثون به؟

ثم اننا لو قاومنا أميركا بكل ما لدينا فهل نستطيع منعها من دخول العراق؟ أو ليست فرنسا دولة عظمى؟ فهل منعت فرنسا أميركا من دخول العراق على رغم أن شيراك صعد إلى السماء ونزل إلى الأرض من أجل ألا تتأثر مصالحه في العراق؟ وهل ألمانيا القوة الكبيرة والضخمة والاقتصادية استطاعت أن تمنع الولايات المتحدة من ذلك؟ وهل المظاهرات المليونية التي شهدتها أوروبا والعالم استطاعت أن تمنع جورج بوش الابن أن يعطل غزو العراق؟ بل سمعته يقول للعالم (لقد أديتم واجبكم، وزوحمتم كثيرا، وعبرتم عن وجهة نظركم، وأهلا وسهلا بكم، ولكن اجلسوا ونحن من سيغزو العراق).

حرمة تقوية الأميركان

أما الأمر الثاني: فهو عن علاقتنا بالاحتلال، فيجب - أولا - أن نفصل علاقة القيادات الشعبية التي نؤمن بها والتي إذا قالت للشارع الشيعي قم يقوم وإذا قالت له اجلس فيجلس، فقياداتنا المرجعية متمثلة في السيد السيستاني والشيخ اسحق فياض والسيد سعيد الحكيم، هذه هي القيادات الشرعية التي تمثل حجة فيما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى.

لقد أفتى السيد السيستاني بأنه (يحرم على كل مسلم أن يقوم بأي عمل يقوي الأميركان في العراق)، ولذلك فإن الأميركان يطرحون مناقصات لتقوية أمورهم وأرباحها بمئات الدنانير، فاستفتت رأس الأموال الشيعية في الدخول في هذه المناقصات والمشروعات، إلا أن السيد السيستاني (أطال الله في عمره) منعهم من الاستثمار.

ومن توجيهات السيد السيستاني أيضا هو (إذا سلم عليكم الأميركي فلا تردوا عليه السلام، وإذا وجدتموه وجها لوجه فلا تسلموا عليه)، كما قال (علموا أولادكم وبناتكم وأطفالكم وكباركم وشيوخكم، إذا شاهدتم الأميركي في أي مكان، فقولوا له بالإنجليزية: متى تخرج من بلادنا فنحن لا نريدك)، فهذه هي علاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية.

التمثيل بمجلس الحكم

ولكن الشيعة ممثلين في مجلس الحكم، والمراجع لم يعلنوا المعارضة لهذا الأمر...

- من يقول انهم لم يعلنوا المعارضة؟ هم ساكتون عن هذا الأمر، فليس كل من يتصل بشخص من أجل تسهيل أموره يعتبر عميلا له أو مسيسا بسياسته.

إن واقع الحال اليوم هو إما أن يحكمنا الجنرال الأميركي وتحكمنا «الجزمة» الأميركية وتحكمنا العين الزرقاء والشعر الأشقر مباشرة ونستقبلهم في بيوتنا، فهم محتلون وموجودون في بلادنا، وأما أن يتصدى مجموعة من شعبنا ليحكمونا وندع الأميركان في الخفاء.

فأيهما أحسن، أن يأتي الرجل الأميركي إلى داري على أنه رئيس للبلدية، أم أذهب إلى الأميركي وأنا أقف في الطابور ليوقع لي معاملتي، أن أذهب إلى الأميركي في الجوازات ليوقع على جوازي أم أذهب إلى العراقي ليوقع على جوازي و يخلص معاملتي؟ أن أجعل العين الزرقاء والشعر الأشقر يأمرني (روح ولك وتعال ولك!) أم أضع شخصا عراقيا مسلما مثلي على أقل التقادير وللافتراض الجدلي هو وحده التي ستقول له أميركا (روح ولك وتعال ولك)، لكن الولايات المتحدة لم تقل كذلك لأحد منهم حتى الآن.

إنني لا أقول إن الأميركان أناس من دون ضمير ومن دون وجدان... فهم منهم السراق والمجرمون ومن يعمل على الإفساد في العراق، غير أن الحق يقال انهم لم يتدخلوا بعد في الشأن الداخلي لما هو شأن داخلي

العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً