العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ

«القتل العادل» وسيلة غير نبيلة لغاية نبيلة

روبرت دي نيرو وآل باتشينو في فيلم مشترك بعد 10 سنوات

قبل عشر سنوات اشترك روبرت دي نيرو وآل باتشينو في التمثيل في فيلم واحد للمرة الأولى. ولاقى الحدث اهتمام النقاد بسبب موقعهما الخاص في عالم السينما. إلا أن العمل الثنائي لم يلق النجاح المطلوب كذلك لم يكن دي نيرو وباتشينو على السوية الفنية المتوقعة منهما.

الفيلم الأول تناول قصة شرطي (باتشينو) وصراعه مع قائد عصابة (دي نيرو) وعلاقتهما التي تقوم على الاحترام المتبادل. فالشرطي كان يحترم اللص ويعجب بذكائه وإمكاناته وإخلاصه لعمله ما أدى إلى توليد تحديات متبادلة أدت إلى تطور الصراع بينهما وانتهى الأمر بمطاردة بوليسية على مدارج مطار مدني أودت بحياة اللص الشريف بطلق ناري وجهه إليه الشرطي المخلص.

بعد عشر سنوات على العمل الأول المشترك التقى الثنائي مجددا في فيلم آخر يتحدث عن شرطيين يعملان في فريق واحد ويكافحان الجريمة معا في نيويورك. العنصر الجديد في العمل الثنائي أن باتشينو أخذ دور الشرير (القاتل الخفي) ودي نيرو مثل دور الشرطي الشهم والمخلص.

سيناريو فيلم «القتل العادل» الذي يعرض في سينما السيف يتحدث عن صديقين يعملان في دائرة شرطة نيويورك. الأول (باتشينو) لاعب شطرنج ذكي وبارع في وضع الخطط وإدارة اللعبة والثاني (دي نيرو) لاعب بيسبول طيب القلب محترم ومخلص ويشكل لرفيقه ذاك المثال الأعلى. الصديقان يعملان في ملاحقة المجرمين وخصوصا تلك الزمرة التي تلجأ إلى أبشع الوسائل في القتل. إلا أن مشكلتهما دائما كانت مع القانون والإجراءات الروتينية وحق المجرم في الدفاع عن نفسه حتى لو كانت الأدلة كلها تشير إلى اقترافه الجرم.

الصراع مع القانون وضد القضاء يشكل مادة الفيلم الدرامية. الشرطيان يكافحان لإلقاء القبض عن المجرمين والقضاء يفرج عنهم بعد التحقيق والمحاكمة. وشكلت معضلة القانون أزمة نفسية للشرطي المخلص والمحترم فهو لم يكن يفهم المسألة وكان من الصعب عليه تقبلها إلا مرغما.

استمر التخبط بين القانون والحق العام يوتر أعصاب الشرطي وصديقه إلى أن وقع حادث قتل حين أقدم رجل على الاعتداء على طفلة (10 سنوات) وقتلها. ألقي القبض على المجرم إلا أن المحكمة أفرجت عنه بسبب عدم توافر الأدلة وشهادة أدلت بها صديقته (أم الطفلة) لأنها كانت معه وقت حصول الجريمة.

شكل الحادث المذكور نقطة تحول في ذهنية الشرطي المخلص والشريف إذ لم يستطع تحمل ما حصل ولم يكن يتصور أن المجرم سيخرج من التهمة من دون إدانة. وهكذا قرر بالتفاهم مع صديقه لاعب الشطرنج تدبير مؤامرة ضد القاتل بعد الإفراج عنه تقضي بإعادة اعتقاله انتقاما للطفلة وحماية لأطفال غيرها قد يتعرضون للاعتداء نفسه.

نقطة التحول هذه (مخالفة القانون لغايات شريفة ونبيلة) أدت إلى انهيار المثال الأعلى بالنسبة للشرطي الآخر. لاعب الشرطنج ساعد لاعب البيسبول على الثأر من قاتل الطفلة والإيقاع به وإدخاله مجددا السجن. إلا أن هذا الحادث البسيط والبريء شكل خطوة أولى باتجاه وقوع سلسلة من جرائم قتل ضد مجرمين سبق أن اعتقلوا وأفرج عنهم لعدم توافر الأدلة.

السلسلة أوقعت دائرة الشرطة في حيرة من أمرها. فالمجرم واحد. والأسلوب متشابه. والأسباب متطابقة. والأهداف مشتركة. وهذا يعني في نظر فريق مكافحة الجريمة أن كل الطرق تتجه نحو عنوان واحد. وبقي السؤال من هو؟

من القاتل الذي يشكل نقطة امتحان للمشاهد أيضا الذي لعب كاتب السيناريو على ذاركته وأوهمه بأن المجرم هو الشرطي (المثال الأعلى) الذي كره القانون وحقد على القضاء والمحامين واضطر إلى اللجوء إلى المخالفة لضمان الحق العام وحماية الشرفاء والأبرياء والمظلومين.

نهاية الفيلم كانت ذكية وشكلت نقطة تقنية أنقذت السيناريو من الانهيار والتفكك. فالمخرج اعتمد خطة الإيحاء للمشاهد بأن الشرطي المخلص هو من يقف وراء سلسلة قتل المجرمين بذريعة أن الغاية النبيلة تبرر الوسائل غير النبيلة، ولكن النهاية كشفت العكس وأكدت أن الشرطي الذكي (لاعب الشطرنج) والمعجب بالشرطي الشريف (مثاله الأعلى) هو الطرف المخطط والمنفذ لكل تلك الحلقات المتصلة والمتواصلة.

لكن كيف توصلت دائرة الشرطة إلى اكتشاف الحقيقة والتوصل إلى أدلة دامغة تؤكد أن الشرطي يقف وراء الجرائم وليس قاتلا كما بدا الأمر؟ الشرطي نفسه. فهذا اللاعب الذي استغل بداية براءة زميله وكاد يورطه ويلصق التهمة بمثاله الأعلى لكنه قرر أخيرا التضحية بنفسه وكشف الأوراق (حجارة الشطرنج) والسبب وراء هذا الدافع الانقلابي مجموعة عوامل أبرزها السأم والضجر وعدم القدرة على تحمل الاستمرار في عمل عجز المحققون عن تحديد الشخص الذي يقف وراء سلسلة حلقات «القتل العادل».

اللقطات الأخيرة من السيناريو لم تكن ذكية جدا حين حاول المخرج تقليد نهاية الفيلم الذي قام ببطولته الثنائي قبل 10 سنوات. فالنهاية متطابقة ومقلوبة إذ يقتل دي نيرو صديقه الشرطي في الفيلم الثاني بينما قتل باتشينو صديقه اللص في الفيلم الأول.

والتطابق بين النهايتين أضعف الفكرة وخصوصا حين حاول المخرج تكرار اللقطات ومقاربة الصورة والأصوات والأضواء للإيحاء بالتشابه وتذكير المشاهد بتلك اللحظات الأخيرة وانقلاب القاتل إلى مقتول والمقتول إلى قاتل

العدد 2337 - الأربعاء 28 يناير 2009م الموافق 01 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً