العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ

التفجيرات والمعاناة: عود على بدء

بغداد، البصرة - فيل ريفز، كيم سنجوبتا 

25 نوفمبر 2003

الطائرات الأميركية تقصف مواقع عراقية.انقطاع التيار عن المدينة... وطوابير طويلة أمام محطات التزود بالوقود. وكانت الحوادث الأخيرة بمثابة إضاءات عكسية للعاصمة العراقية المستاءة التي تفتقر الامان والاستقرار. ومع هبوط الليل تصيخ مدينة سمعها لأصوات إطلاق النيران والتفجيرات، وهي جزء ما يصفه الجيش الأميركي انه أقوى قصف مدفعي يتعرض له العراق الأوسط منذ أعلن الرئيس الأميركي انتهاء العمليات الحربية في مايو/ أيار الماضي.

وآخر حلقة من هذا القصف الأميركي للمقاومة، والتي جاءت لتقوية الروح المعنوية للجنود الأميركيين، لم تنحصر ببغداد. وكان هناك عدد من الهجمات على عدد من المدن العراقية الأخرى، بما فيها بعقوبة الواقعة على بعد 30 ميلا إلى الشمال الشرقي من بغداد، إذ قصفت الطائرات ومروحيات الأباتشي الاميركية المباني والأشجار والشوارع على امتداد طريق كثر عليه مهاجمة جنودها إلى درجة أطلق عليه هؤلاء اسما هزليا: «طريق القذائف»، بعد ان استخدم فيه المحاربون القذائف في عملياتهم. وقد ألقت الطائرات الأميركية قنابل زنة الواحدة منها 500 رطل، بينما امطرت الدبابات قذائف الـ 120 ملم، على مواقع الكمائن المشتبه فيها كما قال الجيش الاميركي.

ومرة أخرى كانت هناك طوابير طويلة من السيارات أمام محطات التزود بالوقود في بغداد، بعضها يمتد لأكثر من نصف ميل في احد هذه الطوابير كان ضابط سابق في الجيش العراقي، وهو يعمل الآن سائق سيارة أجرة ليكسب عيشه، قال انه واقف في الطابور منذ ساعة واحدة، ولم يقطع غير نصف الطابور.

وحالات النقص تعود إلى حالات الانقطاع الدائمة في الكهرباء في العاصمة بغداد، والتي تستمر أحيانا لمدة يومين. وقضية الكهرباء لها أهميتها طبعا، فالعراقيون يلقون باللوم على الأميركيين للفشل في توفير الأمن لهم، وبالخصوص خلال الاسابيع البائسة التي شهدت حوادث النهب والسلب بعد وصول الأميركيين والبريطانيين، ولكن الانقطاعات في الكهرباء يأتي العامل الثاني على رأس قائمتهم، ولاتزال تمثل مصدر خطر.

تقول ليلى نجم التي تعمل امينة مكتبة في وسط بغداد: «نحن لا نستطيع الطبخ، والليل شديد البرودة من دون نظام للتدفئة. والأطفال لا يستطيعون ان يقوموا بواجباتهم المدرسية في الظلام».

ومثل هذه الانتكاسات تعرقل جهود الاميركان للفوز بدعم وتأييد غالبية الرأي العام العراقي وعزل المقاومة العراقية الآخذة في التصاعد، والتي يعمل بعض أطرافها تحت اسم حرب جيش محمد. وهذه الجماعة يعتقد انها تضم بصورة أساسية خليطا من الموالين لصدام حسين وأفراد من الجيش العراقي المنحل، والعراقيين الناقمين على أساليب الإذلال أو الاصابات التي يسببها الجيش الأميركي، مع عناصر من الوطنيين ورجال الحركات الاسلامية.

ورغبة من الرئيس الأميركي جورج بوش في ربط غزوه للعراق بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، أدخل مقاتلي القاعدة الأجانب في قائمة أعدائه الذين يحاربهم في العراق. ولكن الجنرال تشارلز سواناك، مدير الفرقة 82 المحمولة جوا قال أخيرا ان قواته تقاتل غالبا المقاتلين العراقيين من النظام السابق.

وتقول السلطات العراقية ان سبب انقطاعات الكهرباء يعود إلى الأعطال الواقعة في خطوط الامداد العالية الجهد التي تمد بغداد بالكهرباء. وتأخذ الشائعة عن انقطاع الكهرباء أشكالا مختلفة، والتي تصل أحيانا إلى اتهام مباشر لسلطات الاحتلال، كمحاولة منها لمعاقبة المدينة لدعمها المقاومة المسلحة. حسن فتاح باشا، عراقي تلقى تعليما اميركيا عاد لينشر صحيفة اسبوعية جديدة باللغة الانجليزية (العراق اليوم)، يقول: «المشكلة الاساسية في هذا البلد ليست في ان لدينا أعداء، ولكن المشكلة هي ان لدينا أصدقاء... فالناس الذين يرسدون لنا أن ننجح ونحن نخسرهم بسبب اخطاء وقعت. من سحب العملية السياسية وجعل العراقيين يشعرون كمواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم... بينما هناك مشكلة في وسط وجنوب العراق، البصرة وضواحيها في الجنوب تعيش في سلام نسبي، مع بدايات مجتمع مديني، وتسامح مع المحتلين البريطانيين». وفي التقارير اليومية للصراع، أصبح الجيش البريطاني منسيا، ومع أخبار تسليط الاميركان نيران أسلحتهم القوية على المدن. وطلبت واشنطن مرتين من بريطانيا إرسال جنود آخرين إلى العراق إلا أن طلبها رفض. جندي بريطاني شاب قال: «انظر... اننا لسنا هنا لنحارب، وأظن ان ذلك انتهى. واليانكيون يخوضون الحرب مرة أخرى، ولكننا يجب ألا ننحدر إلى ذلك الطريق. انا متأسف جدا جدا للاطفال الذين قتلوا في الحرب، ولكن يجب ألا نتورط في ذلك».


طالب سعيد ينتحر بعد دخوله على الانترنت

صوفي جودتشايلد

عندما انتحر فيليب جرانمر قبل حوالي 3 أشهر، أسقط في يد عائلته التي وقفت حائرة بشأن السبب الذي دعاه إلى الانتحار. فالطالب البالغ من العمر 20 عاما لم يكن يعاني من أي مرض عقلي، وكان يضحك ويقول طرائف في اليوم الذي سبق إقدامه على الانتحار. ولكن تبين ان فيليب كان قد خطط لموته بصورة سرية قبل أشهر، وذلك بدخوله على غرف المحادثة على شبكة الانترنت والبحث في الشبكة عن موضوعات عن القيام بالانتحار.

وكتب أبوه روي بوفاي إلى وزارة الداخلية طالبا إجراء تحقيق عاجل عن غرف المحادثة الخاصة بالانتحار. وطلب مثول القائمين عليها أمام المحكمة.

ويقول الأب المدرس المتقاعد والكاهن في المستشفى: «ان شبكة الانترنت لعبت دورا في موت ابني فيليب. وهو لم يكن يعاني من شيء، ولم يكن يتعاطى أدوية أو يعاني من أي اكتئاب».

وليس هناك تنظيم رسمي لغرف المحادثة «الانتحارية». ويعتقد الخبراء انها خطيرة لانها قد تقود الشبان الأغرار إلى تشجيع بعضهم بعضا على وضع حدٍ لحياتهم.

وفي العام الماضي ألقى مايكل جودين (35 عاما) بنفسه إلى التهلكة بدخوله في اتفاق مميت مع زميله في غرفة المحادثة لويس جيلز الذي يكبره بعام واحد، وشنق نفسه في اليوم الذي كان يفترض فيه المثول امام المحكمة لمساعدة صديقه على الانتحار.

ووفقا للقوانين الحالية، كل من يساعد شخصا آخر على القيام بالانتحار يواجه عقوبة أقصاها السجن لمدة 14 عاما. وقالت الناطقة باسم وزارة الداخلية: «إذا كان لدى أي شخص دليل على موقع يشجع أحدا على الانتحار فنحن ندعوه إلى نقل ذلك إلى الشرطة». هذا وقد وضعت الحكومة من جانبها استراتيجية وطنية لمنع الانتحار.

وعموما تقديم المعلومات التي تساعد أشخاصا على قتل أنفسهم ليس عملا غير شرعي بالضرورة. وتذهب المؤسسات الخيرية التي تدعم عوائل ضحايا الانتحار إلى ضرورة إجراء مزيد من البحوث. يقول الناطق باسم إحدى هذه المؤسسات، جون بيترز: «قد تكون هناك حالات وظروف تشجع الناس على إنهاء حياتهم».

وفيما يذهب «الساماريتان» إلى ان هناك فوائد في تمكين الناس من تبادل الافكار الانتحارية مع الآخرين الذين يمكن أن يتعاطفوا معهم، توجد هناك «أماكن أفضل» للحصول على مثل هذا الدعم. وتقول المتحدثة باسمهم: «ليس هناك حالة واحدة على وجود شخص غير راغب في الانتحار كان يشجع الآخرين عليه. فذلك جزء من معتقد يرى ان العالم مزدحم جدا بالسكان».

ومن المستحيل معرفة من الذي يستخدم غرف المحادثة وهل الأشخاص المتحدثون هم فعلا من يدعون؟ وإذا شعر شخص ما بالضعف والتهالك فهناك اماكن أخرى أكثر إيجابية لزيارتها، مقابل هذه المواقع السلبية جدا.

وبعد موت فيليب علمت اسرته انه كان يزور مواقع انتحارية على الانترنت لأكثر من 8 أشهر. وجاء في مفكرته انه زارها قبل يومين من تاريخ وفاته في الثامن من سبتمبر/ايلول: «الشيء الوحيد الذي يجب ألا يحدث هو ان يقع خطأ في ذلك. وأنا لا أريد أن يتم إنقاذي». ويصر والده على ان الولد لم يكن يتعرض لاي ضغط نفسي، إذ كان يحصل على تقديرات بمعدل A- Level. ويقول: «انه كان طبيعيا في 9 أعشار حياته، ولكن مع ذلك الموقع تملكته هواجس الانتحار لأسباب لن نعلمها أبدا. وليس من المجتمع السليم في شيء أن يتسامح مع الارشادات التي تحض على الانتحار، فذلك أمر لا يمكن تجاهله».

ينشر المقالان بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية

العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً