العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ

الاحتلال الأميركي في العراق يستخدم تكتيك الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين

سياسة هدم البيوت وترويع أسر المقاومين العراقيين

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يقارن خبراء ومحللون تكتيك تصعيد القصف والاعتداءات العسكرية المكثفة التي تنفذها قوات الاحتلال الأميركي في العراق هذه الأيام بالتكتيك الذي تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة من عمليات القمع والقتل وتدمير ونسف منازل الفدائيين الفلسطينيين، فقوات الاحتلال الأميركي تقوم بتدمير ونسف بيوت تزعم أنها تعود إلى عناصر في المقاومة العراقية مخلية هذه البيوت من النساء والأطفال ومن ثم تدميرها بالأسلحة الثقيلة.

وقد تم تدمير أكثر من عشرين منزلا على الأقل في تكريت كجزء من العملية العسكرية المسماة «الإعصار الحلزوني 2» التي قال قائد كتيبة المشاة الأولى في فرقة المشاة الرابعة، العقيد الأميركي جيمس هيكي إنها قد انتهت يوم الأربعاء. وقال أعضاء أسرة أحد المنازل في بلدة الهويدة إن قوات الاحتلال الأميركي أعطتهم مهلة خمس دقائق لإخلاء المنزل قبل أن يبدأ الجنود بإطلاق النار.

وعزا هيكي تدمير المنازل إلى أن مقاتلي المقاومة العراقية عاشوا فيها واجتمعوا وأن تدمير المنازل سيجبرهم على إيجاد أماكن أخرى للاجتماع وقال «إننا سنزيد من حرارة الهجمات ضدهم ونعقد مجال ميادينهم القتالية ودحرهم إلى الصحراء، وهناك سيكونون مكشوفين وسنهاجمهم».

وامتنع الناطق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان عن التعليق بصورة محددة عما إذا كان قرار تدمير المنازل جزءا من استراتيجية شاملة أقرها البيت الأبيض، محيلا الأسئلة بهذا الشأن إلى وزارة الدفاع (البنتاغون)، لكنه امتدح جهود قوات الاحتلال الأميركي للتعامل بشدة مع الثوار العراقيين.

وقد أحال المسئولون في البنتاغون بدورهم الأسئلة إلى القيادة المركزية الأميركية في تامبا بولاية فلوريدا التي قرر قائدها الجنرال جون أبي زيد نقل مقر قيادته في تامبا إلى قاعدة السيلية في قطر. ونقلت الصحافة الأميركية عن عراقيين غاضبين من بلدة الهويدة قولهم ان تكتيك هدم المنازل سيولد المزيد من المقاتلين وربما يثير انتفاضة مماثلة لانتفاضة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال جمال شهاب «إنه عمل يقوم به شارون وإن ما يحدث في العراق هو مماثل تماما لما يحدث في فلسطين». وقالت زوجة المزارع العراقي عمر خليل الذي دمرت قوات الاحتلال الأميركي منزله في الهويدة بدعوى أن ابنه واحد من المشتبه فيهم في إسقاط طائرة البلاك هوك يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قالت وهي تنوح قرب حطام منزلها «ليس لي ولد وليس لي زوج وليس لي بيت، فسأصبح متسولة».

وقالت كافية خليل إن المسئولين العسكريين الأميركيين زاروا أولا المنزل قبل يومين من تدميره وطلبوا من زوجها تسليم ابنها، فرفض ومن ثم بعد حوالي الساعة العاشرة ليلة الأحد الماضي عاد جنود الاحتلال الأميركي و«بدأوا يطلقون النار علينا وقالوا: انهضوا، اخرجوا، وأحضروا سيارة نقل كبيرة لنا وكان الجو باردا وشعرنا وكأننا نموت. وبعد خمس دقائق بدأوا يطلقون النار ولم يكن لدينا وقت لأخذ أي شيء سوى بطانيات، وأحضروا دبابات وطائرات مروحية وبدأوا بقصف المنزل».

وبعد وقف إطلاق النار تم إطلاق سراح النساء والأطفال وتركوا في المكان لكي يواصلوا البحث في الركام لإنقاذ ما بقي من الأشياء القليلة، كما حول القصف الأميركي منزلين مجاورين إلى أنقاض وحمل ولد صغير ما بقي من قطع تلفزيون العائلة. وفي الساحة الخلفية لأحد البيوت شوهدت بقرة وقد نفقت وفتحت معدتها برصاصة كبيرة وعجلها الذي لم يكن قد ولد وقد بدا للعيان، وكان كلب يترنح يمشي متثاقلا وقطعة من شظية تظهر من جسمه وقد ظهرت على الأرض أغلفة القذائف وجمعها الأولاد وعرضوها على الصحافيين.

ومما يذكر أن ممارسات جنود الاحتلال الإسرائيلي في تدمير منازل الأسر الفلسطينية التي لها أبناء يقومون بعمليات فدائية قد أدت إلى إدانات واسعة النطاق من منظمات حقوق الإنسان والحكومات الأخرى بما في ذلك انتقادات شديدة من الولايات المتحدة. وقال تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حال حقوق الإنسان في العام 2002 أن مثل هذه السياسات «تركت مئات الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بهجمات إرهابية مشردين بلا منازل».

وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي انتقد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر الكيان الصهيوني لقيام قوات احتلاله بتدمير مبنى من سبعة طوابق في غزة خلال غارة جوية على مشتبهين من حماس. وقال مسئول في وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم الإفصاح عن هويته يوم الاثنين الماضي ردا على سؤال عن تكتيك قوات الاحتلال الأميركي في العراق المشابه لتكتيك قوات الاحتلال الإسرائيلي «إن هذا التكتيك لم يقر في واشنطن» مضيفا «إنني لا أستطيع الانتظار لأرى عرض الجزيرة لهذا العمل».

وقال مسئولون عسكريون أميركيون ان التكتيك الأميركي الجديد تم تبنيه خلال سلسلة اجتماعات عقدها الجنرال أبي زيد مع القائد الميداني لقوات الاحتلال الأميركي في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز. وقال الجنرال المتقاعد بيل ناش «لو كان وراء تبني هذا التكتيك أحد غير الجنرال أبي زيد لشعرت بالقلق، لكن أبي زيد يفهم المنطقة، ويفهم طبيعة العدو وأصدقاؤه هناك أفضل من أي شخص». ويذكر أن أبي زيد من أصل لبناني ويتحدث العربية بطلاقة.

وقد استخدمت قوات الاحتلال الأميركي في هجماتها مستوى عاليا من التنسيق والأسلحة المتطورة، فالعمليات الليلية التي استهدفت بغداد وغيرها من المدن صواريخ ونيران مدفعية موجهة بالليزر.

غير أن منتقدين للتكتيك الأميركي الجديد تساءلوا عما إذا كان استخدام قوة نيران هائلة ضد أهداف معزولة وجيوب صغيرة للمقاومة من شأنها أن توقف عمليات المقاومة أو تحيد المواطنين العراقيين العاديين الذين يريدون عودة الحياة الطبيعية. فقد أعرب الجنرال المتقاعد من سلاح مشاة البحرية (المارينز) بول فان ريبر عن شكه في أن تصعيد القصف سيردع رجال المقاومة العراقية وقال «ربما يكون للقصف بشكل مبدئي تأثير سيكولوجي، ولكن التاريخ يعلمنا أن التأثير هو محدود، فالناس يتعلمون كيفية التعايش مع القصف».

وتظهر استطلاعات الرأي بما فيها استطلاع سري أجرته وزارة الخارجية الأميركية تظهر أن معظم العراقيين يعتبرون القوات الأميركية محتلين وليسوا محررين، وقد ساهمت هذه الحقيقة في تقييم قاتم لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عن الوضع في العراق أقره بريمر. وأشار تقرير الـ «سي آي إيه» إلى أن الحرب على العراق تمر بمرحلة تحول فإن العراقيين يفتقدون الثقة بقوات الاحتلال الأميركي وبمجلس الحكم الذي عينه بريمر.

وهذا يدل على أن قائد قوات الاحتلال الأميركية الميداني الجنرال ريكاردو سانشيز ومسئولين في سلطة الاحتلال بمن فيهم بريمر يكونون متفائلين بصورة مبالغ فيها عندما يتحدثون علنا عن الوضع في العراق بينما الحقيقة هي أن الوضع يسير في الاتجاه المعاكس وأن توسيع نطاق العنف والعدوان العسكري الأميركي وزيادة الإصابات في صفوف المدنيين العراقيين يمكن أن يحدث تطورا كارثيا.

وقال إيفان إيلاند، الخبير العسكري السابق في معهد كاتو بأن حكومة بوش وضعت نفسها في زاوية وليس أمامها الآن خيارات جيدة وأن البديل البغيض بالنسبة إلى الولايات المتحدة ولبوش سياسيا هو سحب القوات الأميركية وتسليم العراق إلى العراقيين وتقبل الانتقاد والسير قدما.

وفي النهاية فإن الصدقية الأميركية ستكون أكبر بموجب هذا السيناريو مما لو تركت حكومة بوش كومة أكياس جثث القتلى تتراكم وظلت تنتظر حتى عام الانتخابات قبل أن تسحب القوات من العراق.

غير أن المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية باتريك بيوكانان قال إن بوش ووزارة حربه قد يكون لديهم استراتيجية أخرى في أذهانهم مغايرة للانسحاب، وهي أن بوش يعتزم تخفيض قوات الاحتلال الأميركي في العراق إلى نحو 90 ألف جندي مدعومين بقوة جوية أميركية أي بقوة تعادل 15 مرة القوة الأميركية المتحركة في أفغانستان.

وستقوم هذه القوة بمعارك في حرب جديدة ضد رجال المقاومة وتكون أقل اهتماما بكسب تأييد العراقيين في ما يعرف بـ «المثلث السني» من اهتمامها بقتل مقاتلي حرب العصابات، وإن عملية المطرقة الحديد هي تدريب عملي لهذه الحرب الجديدة». موضحا بأن «استخدام قاذفات القنابل قرب تكريت والطائرات المسلحة حول بغداد ربما يكون مقدمات للحرب القادمة».

وقال بيوكانن إنه من واقع خبرته فإنه يعتقد أنه لما كان الفوز بفترة رئاسية ثانية مطروحا وكذلك مكانة بوش في التاريخ فإن بوش قد يضع أسهمه فيما يعتقد أنه لم يخضعه للفشل أبدا وهي قوة نيران القوات الأميركية، لذلك فإن بيوكانان يعتقد أن حكومة بوش قد لا تكون متجهة نحو الخروج من العراق وإنما متجهة إلى الدخول في حرب ثالثة هي أطول حرب عربية أميركية خلال 12 عاما

العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً