العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ

استدراج الشرق والغرب نحو المواجهة

تفجيرات اسطنبول

قد يتعاطف المرء مع القلق الشديد للحاخام الأكبر جوناثان ساكس من أن المعاداة لليهود (اللاسامية) في اوروبا في ازدياد. وطبقا للعيارات الواقعية المحضة بخصوص عدد الهجمات على المعابد والمدارس والمؤسسات اليهودية فإن ساكس قد يكون على صواب. ولكن عند الجمع بين الهجوم بالقنابل على المعبدين في اسطنبول مع عمل رسومات لتشويه المقابر في ألمانيا وبريطانيا والقاء القنابل الحارقة على مدرسة يهودية، في باريس هناك خطر من ان يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع بين الاسلام واليهودية وهو الأمر الذي يريده مرتكبو هذه الأعمال.

ويجادل ساكس في ان الهجوم على المعبد لا يمكن ان تكون له دلالة سياسية أو ان يكون موجها ضد «اسرائيل»، لان هذا الهجوم استهدف اماكن اجتماع دينية وليس مباني معينة لها ارتباط بـ «اسرائيل». ولكن هذا هو سوء فهم للهدف. فالهدف لم يكن بالدرجة الأولى الحاق الاذى بقطاع معين من المجتمع بل الهدف الحقيقي هو تقويض العملية السياسية واحداث رد فعل لضمان حدوث هوة بين المجتمعات.

والشيء المؤلم ان يقع هذا الاعتداء في اسطنبول لان الاتراك اثبتوا دون كل الدول انهم الأكثر تسامحا وحماية للديانات الأخرى. ويروى ان السلطان بايزيد الثاني - الذي كانت أمه يهودية - ارسل الاسطول العثماني إلى اسبانيا العام 1492 لاخذ اليهود والمسلمين الذين طردهم الملكان الكاثوليكيان فرديناند وايزابيلا. وفي القرن التاسع عشر وصل عدد اليهود في اسطنبول إلى حوالي 300,000، أي أكثر من 20 في المئة من عدد السكان.

ان معبد نيف شالوم الذي وقعت فيه غالبية الاصابات كان في وسط منطقة جالاتا إذ استقر هناك اللاجئون من اسبانيا لأول مرة. وقد تضاءل عددهم بشكل كبير منذ ذلك الحين.

ولربما يعزى هذا التضاؤل إلى التوترات الدينية. وتقلص عدد الجاليات اليهودية في العالم الاسلامي والتي يمتد تاريخها إلى قرون، إلى بضع مئات في شمال افريقيا وسورية وإيران. ولكن التناقص يرجع كذلك إلى الضغوط الاقتصادية والاغراءات المالية الكبيرة لاعادة الاستقرار في «اسرائيل».

ففي الهند لا يوجد سوى القليل من العائلات اليهودية التي تدعم واحدا من اجمل المعابد اليهودية في العالم في كوتشن. اما اليهود الآخرون الذين غادروا الهند فقد غادروها بمحض ارادتهم وليس للاسامية دخل في ذلك.

وتعتبر الجالية اليهودية المتبقية في اسطنبول - والتي يصل عددها إلى 27,000 - جالية كبيرة، وهي الأكبر في دولة معظم سكانها من المسلمين، وهذا هو سبب اختيارها هدفا لهجوم ارهابي هذه المرة.

ان سجل تركيا الماضي ليس هو الوحيد الذي تعرض الخطر، فلايزال بإمكانها (ومعها المغرب الذي حدث فيه أيضا هجوم دموي على معبد يهودي) ان تثبت ان وجود دولة اسلامية معتدلة أمر ممكن ويسير قدما في الواقع.

ووسط كل هذا الحديث عن الديمقراطية في «الشرق الأوسط» يوجد هنا شعب ديمقراطي، مع حكومة اسلامية مصممة على دخول الاتحاد الأوروبي، وتبدو مستعدة لاجراء التغييرات اللازمة في نظمها القضائية وحرية التعبير ومعاملة الأقليات التي تعيش على اراضيها.

إن الهجوم على المعبدين جاء ليوجه رسالة إلى الحكومة التركية هي: حثها على فرض اجراءات صارمة على المساجد كرد فعل، ومن ثم اثارة الغضب ضد سياساتها الموالية للغرب.

ان حقيقة كون الانتحاريين اتراكا وليسوا اجانب - كما كانت الحكومة تعتقد في بادئ الأمر - لا تغير الهدف. اننا نواجه على امتداد الكرة الارضية حملة متطورة نسبيا تستخدم بعض المتطرفين لتأجيج الصراع بين الشرق والغرب لان هؤلاء المتطرفين لا يريدون التعايش بل المواجهة.

وبهذا المفهوم لا فائدة من القول إن مفجري قنابل اسطنبول قد قتلوا عددا من المسلمين الاتراك أكثر من اليهود، وهو أمر غير ملائم. كما أن الأمر أكثر ضررا كما تفعل الحكومة الاسرائيلية التي تستخدم الهجمات دليلا على هجوم عام على الشعب اليهودي ما يبرر موقف «اسرائيل» كشعب يتعرض للهجوم له الحق في استخدام أي أسلحة في حوزته للدفاع عن نفسه. وهذا هو بدقة رد الفعل الذي يريد الإرهابيون رؤيته.

إن ساكس على حق تماما عندما يقول إنه يجب على الحكومات ان تفرض اجراءات صارمة على لغة الاهانة العرقية في العالم الاسلامي والغربي على حد سواء، ولكنه لا يعمل على مساعدة أي فرد مع ذلك في رجوعه إلى لغة الضحايا والاضطهاد، والتي تقوي الشعور باتساع الفجوة بين الثقافات، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى قادة يحاولون جاهدين خلق أرضية مركزية من التسامح والتعايش. ولربما حصل ردا فعل للهجمات المعادية لليهود التي شهدناها أخيرا. رد الفعل الأول كان في فرنسا إذ دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الفرنسي لمناقشة العنصرية، تبعه في ذلك اعلان التبرع بمساعدة بقيمة 4 ملايين جنيه للمناطق الفقيرة، مع تأكيد بشكل خاص المناطق الفقيرة المسلمة. اما رد الفعل الثاني فيمكن مشاهدته في الأراضي الفلسطينية المحتلة إذ يلجأ الاسرائيليون بصورة منتظمة إلى التوغلات وهدم المنازل في كل مرة ينفذ فيها عمل ارهابي.

وطبعا فان الموقفين مختلفان، ولكنهما أصبحا مرتبطين بعقلية المسلم، كما أن الاتهامات العامة، بمعاداة اليهود ستجعل هذين الموقفين أكثر اقترابا من بعضهما بعضا.


مأساة حديقة حيوانات بسبب المجاعة

روما - بيتر بوفام

عندما تفلس شركة ما، فمن الطبيعي ان يتم تعليق أنشطتها التجارية اليومية. ولكن ماذا يحدث عندما تكون الشركة المذكورة هي حديقة حيوانات؟

الأسود والدببة القطبية والثعابين وحيوان الشيهم الشائك (من القوارض) في حديقة حيوانات في نابولي أخذت تتعلم الاجابة عن ذلك السؤال عبر أشق الطرق. فأخذت هذه الحيوانات تتساقط ميتة أسبوعا بعد آخر، وبمعدل أكثر من حيوانين في الاسبوع الواحد.

وتمثل حدائق الحيوان مصدر كآبة وسوداوية للكثيرين من محبي الحيوانات، ولكن حديقة حيوانات نابولي البالغة من العمر 60 عاما تعتبر مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وتمتد الحديقة على مساحة 9 هكتارات داخل حديقة رائعة، وأقفلت أبوابها منذ أعلن افلاسها في 24 سبتمبر/أيلول الماضي. وفي وقت مبكر من هذا الاسبوع شنت الشرطة غارة للوقوف على ما يجري خلف تلك الأبواب الموصدة.

وكان من المتوقع ان تحتوي ثلاجات الحديقة على أطعمة الحيوانات التي تعيش فيها، وبدلا من ذلك وجد انها تقتات على جثث تلك الحيوانات النافقة: 60 في المئة منها، بما فيها الثعابين والصقور والبوم والشيهم والكلاب الصغيرة. وكذلك في الثلاجات كان هناك ذيل لأحد الأفيال، وهو الأثر الوحيد المتبقي من ذلك الحيوان الضخم، ولم يكن هناك من يملك إجابة عن وقت وسبب موته، إذ اختفت سجلات الحديقة بالكامل. وبالمثل اختفت 4 قرود بالاضافة إلى زرافة من الأقفاص.

واختفت 4 كلاب من قنن الدجاج حيث كانت تحبس كلاب الصيد الخطيرة، التي صادرها أفراد العصابات في المدينة وتم إيواؤها على حساب المدينة. وكان الأيّل الأسمر في قفصه ولكنه بلا حراك.

وكان الطبيب البيطري في الحديقة يصدر تطمينات كاذبة بأن كل شيء على ما يرام، بينما نفق 109 من حيوانات الحديقة في العامين الماضيين من مجموع 1600، التي بقيت على قيد الحياة ظلت تكافح مع تفاقم الازمة المالية وتدهور مستوى الرعاية الطبية والغذائية. وكشف عن مرض جميع القرود بسبب نقص الفيتامينات. بينما أصيب الفهد بالعمى بسبب إصابته بالماء الأسود، وذلك لعدم توافر المال اللازم لاجراء العملية. وقبل عامين عندما هددت شركة المياه بقطعها على أساس ان الفواتير لم تدفع منذ العام 1977، هدد مدير الحديقة جيوفاني دي سيمون بفتح الأقفاص وترك الحيوانات تمرح في الشوارع إذا لم تتم إعادة المياه. وفي مواجهة المجاعة الحالية يبدو أن السياسة المتبعة حاليا هي ترك الجميع يموت جوعا.

وفي وقت مبكر من هذا الشهر دخل الحراس الـ 17 إضرابا عن الطعام لمدة 3 أيام احتجاجا على عدم تلقي رواتبهم لمدة شهرين. المضربون فكوا في الاخير إضرابهم، ولكن الحيوانات مضت إلى حال سبيلها، فلم يكن هناك جزر للغزلان، ولا أسماك لعجول البحر.

ينشر المقالان بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية

العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً