العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

التصالح مع التاريخ

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل من أصعب الأمور التي تمر بها أي أمة من الأمم هي كيفية التعامل مع مادة «التاريخ»، وكيف يمكن قراءة التاريخ من أجل التصالح معه ومن أجل بناء مستقبل أفضل لايكرر أخطاء الماضي، وفي الوقت ذاته يتعلم منه.

ومن دون شك، فإن كل أمة لديها تاريخ مليء بالحوادث التي تزعج المرء عندما يقرأها في زمن مختلف، ذلك لأن المصطلحات قد لاتليق، أو تفاصيل الأحداث قد يتم اسقاطها على الواقع بشكل غير بناء. والمشكلة تتعقد عندما تطغى الحساسية في الواقع السياسي، وهذا قد يدفع الى الغضب أو الإحباط عندما يتم التعامل مع المادة التاريخية.

من دون شك فإننا بحاجة الى النوايا الحسنة عند تناول تاريخنا المليء بالأشواك، وأن تكون الغاية المرجوة هي الخروج من تلك الحال الشائكة الى حال التصالح مع وقائع التاريخ، بأن نفهمها بظروفها التي حدثت، ومن ثم نتجاوزها من دون أن تخلق عقدا نفسية لدى هذه الجهة أو تلك.

التصالح مع التاريخ يتطلب اعادة قراءته، وإعادة القراءة تختلف عن تشويه التاريخ، فهي تتطلب الجرأة العاقلة والمحبة لجميع مكونات المجتمع المعاصر. وهذا يفسر كيف تصالح الأميركان - مثلا - مع تاريخهم، وكيف أمكن لأميركي من أصول إفريقية أن يمارس دوره بصورة كاملة في الحياة العامة من دون عقد الماضي. ولو راجعنا كثيرا من الدول الأخرى سنجد الأمر ذاته، ففي بريطانيا ستجد مادة إلزامية تتعلق بقبول الطلاب في جامعات شهيرة، وهذه تنص على منع أي شخص ينتمي للمذهب المسيحي الكاثوليكي من دخول الجامعة... ويمكن ان تقرأ هذه المادة التي كتبت قبل اربعة قرون على أساس ظروف تلك الفترة التي شهدت قتلا وحرقا على أساس الإنتماء الديني هناك. وعندما تقرأ مثل هذه المادة حاليا فإنها لاتثير أية مشاعر أو حساسيات، لأنها من الماضي، ومن التاريخ، والمجتمع قد تصالح مع التاريخ منذ فترة غير قصيرة، ولذا فهي غير ذات أهمية وليست لها عواقب على الوضع المعاصر.

ربما إننا لازلنا لم نصل بعد الى مرحلة التصالح مع التاريخ، ولربما ان دخولنا الى مثل هذه المرحلة سيحتاج الى الكثير من بناء الثقة وتنقية الأجواء وإبعاد سوء النية، بحيث يمكن ان نختط مستقبلا مشتركا لجميع مكونات مجتمعنا، ويمكننا أن نورث بلدا مزدهرا بأهله، لايخشى الماضي، وإنما يتطلع بثقة واقتدار الى الأمام.

إن أسوأ قراءة للتاريخ هي القراءة الأيديولوجية التي تحاول قولبة ماحدث ضمن سياق صارم من الأفكار المقررة مسبقا، ولذا قد تقرأ قضايا مجتزأة من سياقها الزمني ومن بيئتها المحيطة بها لتظهر وكأنها «شخبطة مفككة» لاتنفع معها محاولات إضفاء مصطلحات أكاديمية عليها.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 9:18 ص

      فيكن التصالح هدفنا

      التصالح بلاشك من اهدافنا ونحن نقول بان البلد للجميع والدين لله ونتمنى من الاتجاه المعاكس يهدف ايضا للصلح ...

    • زائر 9 | 5:43 ص

      دكتورنا العزيزي

      اعتقد ان التصالح صعب جدا مع ناس لا ترضي وجودك اصلا وعقدتها التاريخية وجود طائفه شعية يعصون ربهم في اليوم مليون مره لكن عندما يصافح شعي كانه خرج عن الاسلام

    • زائر 8 | 5:33 ص

      أحسنت دكتور

      مقالة أفضل من رائعة ... رحم الله والديك

    • زائر 7 | 3:31 ص

      التصالح في مفهوم صلحاء الأمة والعارفين

      اسعد الله صباحك وعظم لكم الأجر اخي الدكتور مع زخات المطر يبدو موضوعكم اليوم وكأنه يذكرني بوالدكم رحمه الله عندما وقف في احد الإعتصامات و في احدى البلكونات المطلة على احدى ساحات بني جمرة ليخاطب الجموع وليوجه رسالة مناشدة الى الحكومة لينصح الجميع بما قد سيئول اليه الوضع السائد انا ذاك وفي حال استمراره الى التردي وهذا بطبيعة الحال سلوك راقي لا يسلكه الاّ الصلحاء والعارفين ولضيق مساحة الكتابة اقول لك أن التصالح لغة لا يعرفها الاّ من عشق الإمام علي(ع) والذي مدحه اعدائه قبل محبيه نتيجة الإيثار

    • زائر 6 | 3:30 ص

      فعلا موضوع في الصميم

      فُتحت دكاكين الايديولوجيا لكل من هب ودب ان يتاجر بها ويجرجرها حيثما تقتضي المصالح والسياسة وما التاريخ الا طريق اتخده الكثير لتمرير غايات وتعصبات ومحاولات يتيه فيها المتعصبون وكانهم مازالوا يعيشون في حفر التاريخ والانكى من ذلك يريدون معرفة تفاصيل دقيقة وصغيرة حتى يُحججون بها اهواءهم ...) اشكرك كثيرا استاذ على هذه الاضاءات

    • زائر 5 | 3:30 ص

      معقول؟؟

      هل هذا محمد بو امحمد نفسه اللذي كان يناكف قاسم حسين ؟؟ بصراحة أهنيك على هذا الطرح وهذه النقلة النوعية في التعليق ونتمتى ان نرى تعليقاتك هكذا تصب في الموضوع ونبتعد عن المناكفة وتصيد الاخطاء (سنه وشيعه وطنا ما نبيعه )

    • زائر 4 | 2:39 ص

      تتمه الى الزائر 2

      المغالطة الكبرى حين نربط الغياب الدراسي بحجة التقديس ، والحسين ضحي لأجل اهداف سامية وليس التقاعس عن العلم الذي وصى جده النبي المصطفى صلوات الله عليه وعلى اله الاطياب، يجب على المنابر الحسينة ان تحث الشباب على تقديس العلم والعمل لانه الحسين هو قدسية العلم والعمل

    • مواطن مستضعف | 2:34 ص

      غير ممكن!!

      كان من الأجدى يا دكتور لو كتبت عن "التغاضي عن بعض التأريخ", فما تدعو إلى تحقيقه الآن هو أشبه بالمستحيل!! حتى ظهور الحجة (عج).

    • زائر 3 | 1:22 ص

      يوم و بعد يوم تثبت بانك خرجت من ظهر عملاق

      اشكرك يا دكتور على الطرح الاكثر من رائع
      و اتمنى لو يتم ازاحة ما يسئ للتاريخ و اثبات الحقائق دون خوف من ردة الفعل

      مع تحياتي و تحيات اهل مدينة عيسى

    • زائر 2 | 1:16 ص

      محمد ابو احمد2

      اذا من يتحمل مسؤلية النقل الصحيح للتأريخ اولا اذا كنا نريد ان نتصالح معه واعتقد ان علينا اللجؤ اولا الى المستشرقين او اى طرف محايد ليعتمد تاريخ خالى من التزوير وطمس الحقائق بعدها تتم المصالحه وقبل ايام قليله دار نقاش حاد بينى وبين مجموعه من الزملاء حول مشكلة نقل تفاصيل استشهاد سيدنا حسين عليه السلام وكيف تم حجب تلك المعلومات عنا فقال لى احدهم بعد جدال كبير ( تلك امة قد خلت لها ماكسبت)

    • زائر 1 | 1:09 ص

      محمد ابو احمد

      المشكله دكتورنا العزيز ان هناك طمس واضح للتأريخ فقد اغفلت عنا حقائق يدمى لها القلب فى مصيبة ابى عبدالله الحسين عليه السلام ولم اكن شخصيا اعرف ماذا حل بسبط رسول الله الا عندما اشتد عودي وبدات ابحث فى كتب الطرف الاخر لتتضح حقائق تقشعر لها الابدان وهى حقيقه فقد قتل سيدنا الحسين وحملت رأسه الى دمشق فمن كان فى دمشق حينها هل هم الخوارج كما كانو يصورون لنا ام انه يزيد الاموى

اقرأ ايضاً