العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ

جمعية أصدقاء البيئة... نجحت فيما فشل فيه الآخرون

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل من أروع صور العمل الوطني هو ما تجده في بعض الجمعيات الأهلية البعيدة عن الأضواء، ومثال على ذلك «جمعية أصدقاء البيئة». فمركزها في مدينة حمد يحتوي على مشروعات ابداعية يشترك فيها الصغير والكبير، الرجل والمرأة؛ لتصميم وتركيب مجسمات جميلة من المخلفات والنفايات. وتجد «سلحفاة» مصنوعة من مواد مخلفات، كما تجد لعبة جميلة مصنوعة من الكؤوس البلاستيكية التي يرميها الناس بعد استعمالها في شرب الماء. وتجد قطع الاخشاب التي جمعها أعضاء الجمعية من احدى حاويات القمامة وهي مطروحة على طاولة استعدادا لتحويلها إلى قطعة أثاث أو أي شيء آخر يبتكره أحد الأعضاء.

فوق هذا وذاك، فقد تمكنت الجمعية من اختراق التقسيم الطائفي، فلا وجود للمظاهر الموجودة في مختلف الجمعيات التي تصنف المواطن على اساس مذهبه اولا واتجاهه ثانيا قبل ان يستطيع ذلك المواطن دخول الجمعية التي تحمل اسم «الوطن» أو «الاسلام» ولكنها في الحقيقة تابعة لطائفة معينة أو فئة محددة من دون غيرها.

«أصدقاء البيئة» اخلصوا للبيئة وتخلصوا من شوائب التاريخ والعادات والتقاليد التي تكبل طاقات الوطن وتؤطرها في قوالب غير قابلة للتعامل مع العصر الحديث، ولذلك فإن وجودها يثقل الحركة العامة للمجتمع بدلا من قيادتها إلى الأمام.

تُرى ماذا يمنع جمعيات أهلية تحمل اسماء سياسية وحقوقية واجتماعية وثقافية من حذو ما قامت به جمعية أصدقاء البيئة؟

تتفحص اسم جمعيتين موجودتين في المكان نفسه وتحملان اسما عاما جدا لا يوحي بأي تفريق، ولكن ما إن تقترب قليلا واذا بالأمور تختلف كثيرا عن المسميات. فهذه الجمعية لهذه الفئة من تلك الطائفة، وتلك الجمعية للفئة الاخرى من الطائفة ذاتها. وهناك طبعا الجمعيات السياسية والحقوقية التي تستطيع الخروج من مذهبيتها وفئويتها، بل ان السائل عن هذه الأمور يعتبر «مغفلا»، لانه يعيش في غير الواقع!

«الواقع» طبعا يختلف عما يتم اعلانه رسميا، وهي ازمة حقيقية تكبل الطاقات. ففي بعض الاحيان تمنع هذه الجماعة او تلك الافراد المحسوبين عليها من الخروج منها او الانطلاق على اساس غير فئوي لان مثل هذا الامر يضر بـ «التعاضديات» المذهبية والفئوية والطبقية. والواقع هو ان «التعاضديات» اقوى بكثير من الافكار الجميلة التي يتحدث عنها الجميع، لان السياسة لها وجهان، وجه «اعلاني» يغلف الحركة التي تسير على أرض الواقع بغلاف مقبول للآخرين، ووجه «حقيقي» يحدد بالضبط كيف تسير الأمور داخل الجماعة، وكيف تتحرك الجماعة داخل المجتمع.

هذا الحال هو ما تجده لدى اكثر الجمعيات من مختلف الفئات، وبعضهم يصارحك القول، والبعض الآخر يعتبر اختلاف قوله عن عمله ما هو إلا امر طبيعي يسير عليه الجميع. بعد ذلك تبدأ الشكاوى من تمييز ضد تلك الفئة وتفضيل لفئات اخرى، وهو حديث صحيح في اكثر الاحيان ويمثل واقع الحال، ولكن المشكلة هي ان المشتكي يشتكي لانه ضحية وليس لانه ضد المبدأ من الاساس. اما الذي يقوم بالتمييز فهو يحافظ على ما يقوم به لانه يعتبره سر تفوقه على غيره من الفئات الاخرى، وان «لكل زمان دولة ورجال»، وبالتالي فإن ما يحدث يجب ان يحدث حتى ولو كان هناك خطاب رسمي صادر عن هذه الجهة او تلك يقول بشيء آخر يصلح للكتب والبيانات التي يتم اصدارها للعلاقات العامة.

في وسط كل هذه العتمة، تتحرك جمعية صغيرة بسكوت ولكن بعيدا عن الامراض التي تكبلنا وتعطل مسيرتنا باتجاه مجتمع اكثر عدلا ورحمة لبعضنا بعضا ولبيئتنا ولكل من كتب الله له ان يتعرف علينا اثناء حياتنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:38 ص

      ما أجمله من مقال مرت عليه أكثر من عشرة أعوام وتبقى البيئة وجمعية أصدقاء البيئة رمز لما يمكن أن يذكرنا بالوطن الواحد والحب الصافي والإصلاح من الداخل تحت قوانين الحب والخير والأخوة فهل نستطيع سماع صوت الخير و الامل؟

اقرأ ايضاً