العدد 451 - الأحد 30 نوفمبر 2003م الموافق 05 شوال 1424هـ

المستهلك بين القروض الشخصية والبطاقات الائتمانية

ظاهرة القروض في البحرين

هناك قول يتم تداوله على نطاق واسع في المجتمع البحريني مفاده أنه «اذا لم تكن مقترض فأنت غير بحريني»، وانطلاقا من هذه المقولة شرعت في البحث والتقصي عما نستطيع مجازا ان نطلق عليه «ظاهرة» القروض الشخصية في البحرين. وهنا سنحاول تسليط الضوء على التغيرات التي شهدتها القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة إلى القطاع الخاص في البحرين عموما، والقروض الشخصية خصوصا، خلال أكثر من 20 عاما، من ناحية. ودور البطاقات الائتمانية باعتبارها جزءا من مجموع القروض المقدمة إلى قطاع الافراد، من ناحية أخرى.

وفي مقالات أخرى مقبلة، سنقوم بعقد مقارنة بين البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، وسنحدد العناصر الداخلة في تقدير اسعار الفائدة على القروض التي تعتبر عالية اذا ما قورنت بأسعار الفائدة على الودائع، مستعرضين بعض الحلول العملية مثل استخدام مثلث «حماية المستهلك» الذي طورناه خلال السنوات الخمس الاخيرة، طارحين خطوات تطبيقية لعمل موازنة للأسرة، ومستفيدين من التجارب الاقليمية ومن توصيات المنظمات المالية العالمية بخصوص وضع الضوابط للظاهرة لتفادي اي جوانب سلبية لها، انطلاقا من حماية المستهلك.

أولا: التغير في حجم

القروض الشخصية

في البحرين من منظور تاريخي

وهنا يمكننا تحليل ظاهرة القروض من خلال منظورين، المنظور الاول، عام وطويل المدى. والمنظور الثاني، مجزأ على فترات قصيرة المدى.

فمن حيث المنظور الاول طويل المدى، فإننا لو نظرنا الى ظاهرة القروض الشخصية في البحرين من خلال منظور زمني طويل المدى فاق الـ 20 عاما، اي الفترة من سنة 1982 حتى سبتمبر/ أيلول 2003، لاستطعنا ان نستنتج ان النمو في أعداد القروض الشخصية خلال هذه الفترة كما عكسته البيانات المتوافرة التي وضحت ان هناك تغيرات مدعمة بأرقام تستحق الدراسة. فمن الملاحظ ان مجموع التسهيلات الائتمانية والقروض التي تقدمها المصارف التجارية في البحرين عموما سارت في الاتجاه الصعودي متأثرة بشكل مباشر بصعود وتيرة القروض الممنوحة للافراد، وبذلك زادت على ما نسبته 548 في المئة، وبقيمة نمو بلغت 663 مليون دينار بحريني، وذلك من 121 مليون في العام 1982 الى 784 مليون مع الفصل الثالث من العام 2003. أي ما يعادل أكثر من ستة أضعاف ونصف النسبة على ما كانت عليه خلال السنوات الماضية. في الوقت الذي لم يرتفع فيه اجمالي القروض المقدمة إلى كل القطاعات الاقتصادية في القطاع الخاص في مملكة البحرين إلا بـ 210 في المئة فقط.

وتشير هذه البيانات إلى ان معدلات الزيادة في القروض الشخصية فاقت الارتفاع في مجموع القروض لجميع انشطة القطاع الخاص، وهي معدلات تفوق نسبة النمو الاقتصادي والسكاني في البلاد بأكثر من مرتين ونصف المرة تقريبا (المهدي، «منتدى الوسط عن حماية المستهلك» 31/5/2003). اي ان زيادة عدد السكان مرة واحدة تقابلها زيادة في نسبة الاقتراض بنحو خمس مرات، وهذا يكشف وجود خلل في عملية الاقراض للمستهلكين، وخصوصا أن زيادة الاقتراض باتت أكثر من نسبة النمو الاقتصادي في البلاد، فالقروض الشخصية تستهلك أكثر من 27 في المئة في المتوسط من الناتج المحلي خلال العام الواحد. ويرجع ذلك إلى ضعف الدخل والقوة الشرائية وتدني الأجور والبطالة.

أما من حيث المنظور الثاني، وهو المجزأ على فترات قصيرة المدى، وذلك من خلال تتبع التغيرات التي مرت بها القروض الشخصية في البحرين خلال الفترة التاريخية موضع الدراسة - 1982 حتى سبتمبر 2003 - التي يمكن النظر إليها عبر التغيرات التي مرت بها التسهيلات التي تقدمها المصارف التجارية إلى الافراد من خلال ثلاث فترات زمنية ظهرت التطورات اثناءها بشكل جلي ممكن متابعته وتحليل أسباب التغيرات فيه. وهذه الفترات الزمنية هي: الفترة الزمنية الاولى الممتدة من 1982 حتى 1990، والفترة الزمنية الثانية التي تغطي السنوات من 1991 حتى 1999، والفترة الزمنية الثالثة للاعوام من 2000 حتى 2003.

شهدت الفترة الزمنية الاولى من فترات التغير في القروض الممنوحة للافراد في البحرين نموا في معدل هذه القروض بنحو 50 في المئة، وذلك من 121 مليون دينار في 1982 الى 182 مليون دينار في 1990 بزيادة قدرها 61 مليونا. في الوقت نفسه الذي ارتفع اجمالي القروض والتسهيلات الائتمانية التي قدمتها المصارف التجارية الى القطاع الخاص - قطاعات مثل التجارة والصناعة - بوتيرة ابطأ بكثير، إذ لم تتعد الزيادة 12 في المئة فقط، ما يؤكد نتائج دراساتنا السابقة من ان غالبية النمو في مجموع القروض هذه مردها يذهب الى قطاع القروض الشخصية.

الفترة الزمنية الثانية الممتدة من 1991 الى 1999، سجلت ارتفاعات أكبر بكثير من مثيلاتها في الفترة الزمنية الأولى المشار اليها سالفا، إذ بلغ النمو في اجمالي القروض 127 في المئة، لكن النمو في القروض المقدمة إلى الافراد شارف على 177 في المئة بارتفاع زاد بـ 50 نقطة مئوية على مجموع القروض. ومن الملاحظ ان فترة التسعينات كانت الأسرع والأكبر نموا من حيث التسهيلات المقدمة إلى الاشخاص، وبمتوسط سنوي بلغ نحو 20 في المئة، مقارنة بمتوسط سنوي لم يتعد حوالي 5,5 في المئة لفترة الثمانينات، وهذا يدل على تدهور الدخل الفردي للأسر البحرينية ذات الدخل المحدود، الذي بدا واضحا خلال دراسة ميدانية قمت بها لبعض المناطق في البلاد، إذ وجدت أن مستوى دخل 60 في المئة من المواطنين في قرى المنطقة الوسطى - مثلا - لا يتعدى 200 دينار(المهدي، مسح ميداني للمؤشرات الاقتصادية في المنطقة الوسطى في البحرين، يونيو/حزيران 1999)، فما الذي نتوقعه من شخص راتبه 150 دينارا أو 200 دينار وأمامه كل احتياجات الحياة غير الاقتراض الشخصي، كما ان تشجيع المصارف التجارية الناس على الاقتراض وغير ذلك من الاسباب كاستشراء النمط الاستهلاكي بين شريحة من الناس والاسراف والتبذير وحب المظاهر والتقليد لدى شريحة أخرى، من اهم عوامل ارتفاع نسبة الاقتراض الشخصي في البحرين. ويبدو ان الاتجاه الصعودي في ظاهرة طلب الناس على القروض وسهولة الحصول عليها، سيستمر إلى اجل غير مسمى، إذ سجلت السنوات الثلاث الاولى من العقد الجاري معدلات نمو فاقت ما حصل في تسع سنين في عقد الثمانينات، إذ بلغ نمو القروض المقدمة إلى الافراد 57 في المئة للفترة من 2000 حتى الفصل الثالث من العام 2003 مقارنة بنحو 50 في المئة للسنوات من 1982 إلى 1990. وهنا نحتاج الى وقفة لمراجعة هذه الظاهرة لكي لا تتفاقم نتائجها وتصل الى مرحلة لا يمكننا ايقافها فيها. ولعل تجارب بعض الدول الخليجية الشقيقة والقواعد التي وضعتها المؤسسات الدولية العالمية خير معين.

وخلاصة، ورجوعا إلى إحصاءات الاقتراض، يقال إن النمو الكبير الذي شهدته القروض الشخصية خلال الفترة موضع البحث، راجع إلى نسبة الزيادة السكانية، إلا أن الاحصاءات تشير إلى أن زيادة عدد السكان مرة واحدة تقابلها زيادة في نسبة الاقتراض بست مرات، وهذا يكشف وجود خلل في عملية الاقراض للمستهلكين، وخصوصا أن زيادة الاقتراض باتت أكثر من نسبة النمو الاقتصادي في البلاد، فالقروض الشخصية تستهلك أكثر من 27 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي خلال العام الواحد، أما في اليابان فتجد العملية عكسية إذ يمثل الادخار ربع الناتج القومي ما يساعد الدولة على الاستفادة منه في العام التالي.

ثانيا: الأفراد بين النقد

والبطاقات الائتمانية

كشف تقرير رسمي (سبتمبر 2003) أن البحرينيين يتجهون الى استخدام بطاقات الدفع على حساب التعامل النقدي. وأوضح تقرير أعدته ادارة البحوث الاقتصادية في مؤسسة نقد البحرين نموا في استخدام البطاقات. وبيّن أن 18 في المئة من اجمالي عدد السكان يستخدمون بطاقات الائتمان، وغالبيتهم يستخدمونها أداة دين وليس وسيلة دفع. وأظهرت نتائج المسح أن مجموع عدد حاملي البطاقات الائتمانية في مملكة البحرين زاد بنسبة 5 في المئة ليبلغ نحو 117 ألف شخص في نهاية سنة 2002 مقابل نحو 111 ألفا في نهاية العام 2001، وذلك من خلال عدد حسابات لبطاقات ائتمانية وصل الى 82418 حسابا في نهاية العام 2002 مقابل 819000 حساب في نهاية العام 2001، مسجلا بذلك ارتفاعا بنسبة 0,6 في المئة. وبلغ رصيد حسابات هذه البطاقات الائتمانية 53,9 مليون دينار في نهاية العام 2002 أي ما يعادل 145 مليون دولار أميركي، مقابل 49 مليون دينار، اي ما يعادل 132 مليون دولار أميركي في نهاية العام 2001، مرتفعا بنسبة 10 في المئة.

ويمثل مجموع الرصيد القائم للبطاقات الائتمانية 7,9 في المئة من إجمالي القروض الشخصية المقدمة من المصارف التجارية و1,7 في المئة من إجمالي الودائع. ويقدر متوسط الرصيد المستحق لكل حساب بحوالي 650 دينارا. أما إجمالي الرصيد المتراكم فقد استحوذ على نصيب الأسد اذ بلغ 86 في المئة من مجموع الرصيد القائم بحيث بلغ 46,4 مليون دينار في نهاية العام 2002، مقابل 40,6 مليون دينار في نهاية العام 2001. وبلغ الرصيد من المبالغ المستحقة التي امتنع أصحابها عن السداد لمدة ثلاثة شهور 5,8 مليون دينار في نهاية العام 2002 مقابل 5 ملايين دينار في نهاية العام 2001. وشكل هذا الرصيد 10,8 في المئة من إجمالي الرصيد القائم للبطاقات الائتمانية في نهاية العام 2002

العدد 451 - الأحد 30 نوفمبر 2003م الموافق 05 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً