بدت خمس عشرة سنة من الجهد الدولي لمكافحة التغير المناخي كالحة أمس الأول بعد ان قالت روسيا إنها لن تصادق على بروتوكول كيوتو، المعاهدة العالمية بشأن الاحتباس الحراري.
وتعتبر المصادقة الروسية ضرورية لفاعلية المعاهدة. إذ قال المستشار الاقتصادي الأول للرئيس بوتين، اندري ايلاريونوف في إعلان مفاجئ في موسكو ان روسيا ترفض توقيع الاتفاق، لأن القيام بذلك يهدد النمو الاقتصادي للدولة.
ويعني القرار سقوط الآلية التي بنيت بنضال بواسطة آلاف المسئولين من أكثر من 150 دولة خلال عقد ونصف العقد، كمحاولة من العالم للتعامل مع أعظم مهدد له.
ويتبنأ علماء الأمم المتحدة الآن بأن متوسط درجات الحرارة العالمية ربما ترتفع بنحو 6 درجات مئوية بنهاية القرن محدثة عدم استقرار مناخي شامل ينتج عنه عواصف عنيفة وارتفاع مستويات البحر. وفي مناطق واسعة من العالم، ربما تصبح الزراعة مستحيلة وتصبح أجزاء أخرى غير آهله بالسكان بسبب الفيضان، الأعاصير، ازدياد الأوبئة او اختفاء اليابسة. يحدث هذا بينما عدد سكان المعمورة يرتفع الى نحو 10 بلايين نسمة او أكثر.
ومن السخرية ان يتزامن إعلان ايلاريونوف مع نشر الأمم المتحدة لتقرير يشير الى ان التزلج سيصبح مستحيلا حالا في كثير من المنتجعات الشتوية الأوروبية بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي الى اختفاء الجليد. وعلى رغم ان الدبلوماسيين حاولوا توضيح ابعاد الإعلان الروسي، فإن طبيعته المطلقة هي علامة واضجة ان موسكو ترى كثيرا من المعوقات في المعاهدة للحد من انبعاثات غازات البيوت الزجاجية، وخصوصا ثاني اكسيد الكربون من المركبات والمولدات الكهربائية التي تسبب تسخين الغلاف الجوي.
ومنذ ان تم الاتفاق على المعاهدة في ديسمبر/كانون الأول 1997، صادقت عليها حوالي 120 دولة من بينها بريطانيا، ولكن ظل مصيرها معلقا بالموقف الروسي وذلك منذ ان سحب جورج بوش الولايات المتحدة من المعاهدة في مارس/آذار 2001، مدعيا ايضا انها تهدد المنافسة الاقتصادية. ولكي تأخذ المعاهدة فاعليتها يجب ان تصادق عليها دول مسئولة عن 55 في المئة او أكثر من انبعاثات غاز البيوت الزجاجية للدول الصناعية في العام 1990. وفي ظل غياب الولايات المتحدة، أكبر باعث للغازات عالميا بنسبة 25 في المئة من جملة الانبعاثات، فإن ذلك لا يمكن تحقيقه من دون المساهمة الروسية المقدرة بنحو 17 في المئة.
في البداية، كانت مصادقة روسيا متوقعة بكل ثقة، ولكن خلال الثمانية عشر شهرا الماضية أثار الوزراء الروس مخاوف متزايدة من خلال سلسلة تصريحات متضاربة عن المعاهدة. ويتوقع ان يكون هناك قرار بشأنها خلال الربيع المقبل بعد الانتخابات الروسية.
وهناك تكهنات خلال الأشهر القليلة الماضية ان الأميركيين ضغطوا على الروس للانسحاب من كيوتو. ويعني الانسحاب الأميركي من المعاهدة فقدان أكبر أهم عوامل الجذب في كيوتو للروس فرصة بيع الولايات المتحدة - ببلايين الدولارات - فائض انبعاثاتهم الضخمة من غازات البيوت الزجاجية، المتسببة بواسطة انهيار الصناعة الثقيلة الروسية في التسعينات.
(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»
العدد 456 - الجمعة 05 ديسمبر 2003م الموافق 10 شوال 1424هـ