العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ

لا عقلانية الشوفينية الإيرانية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

اجتاحت النخب الايرانية قبل أيام «رعشة» قومية جديدة بالاهتمام والتأمل، سببها اعلان الناطق الرسمي باسم الخارجية الايرانية بأن بلاده تنتظر رد الجامعة العربية على طلب ايران الانضمام إليها كعضو مراقب.

والقضية تعود لاشهر خلت بل لسنوات عدة ظلت ايران خلالها تتذبذب في مطبخ صناعة القرار فيها مترددة ان كان من المناسب ان تتقدم بهذا الاتجاه أم لا؟!

لكن ايفاد وزير الخارجية كمال خرازي مبعوثا خاصا من قبلها إلى القاهرة قبل نحو اسبوعين حاملا رسالة الى أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، كانت الخطوة النوعية الاكثر اهمية والأولى من نوعها في تاريخ العلاقات العربية الايرانية على الصعيد الدبلوماسي، إذ حمل السفير محمد علي سبحاني والذي يشغل حاليا موقع المدير العام لدائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بعد نجاحه المميز في موقع سفير بلاده لدى كل من الاردن ولبنان، ما يمكن تسميته توجها عاما ايضا هو الاول من نوعه في تاريخ الدبلوماسية الايرانية يقضي بالتعامل مع الجامعة العربية كوحدة سياسية اقليمية وليس فقط مع الدول العربية قطرا قطرا وهو ما انفكت ايران تعلن رغبتها في تعزيز علاقاتها الثنائية معها.

وحتى نضع الخطوة الايرانية الجديدة في سياقها التاريخي الطبيعي وكذلك في موقعها الحقيقي لابد ان نشير ولو بسرعة خاطفة إلى أمرين:

اولا: سبق لايران ان عملت منذ انطلاقة ثورتها «وعودتها» إلى هويتها الاسلامية اذا جاز التعبير من حيث الكيانية السياسية للسلطة - كعضو مراقب بل وفاعل في اجتماعات جبهة الصمود والتصدي العربية التي ضمت في حينها بعض دول الطوق بالاضافة إلى ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي، وقد مثلها في احد اجتماعات القمة في وقتها رئيس الوزراء مير حسين موسوي.

ثانيا: سبق لايران ان طلبت حضور اجتماعات وزراء خارجية الجامعة في بيروت في اوج الانتفاضة الفلسطينية بطلب وتشجيع بعض الاعضاء وتم رفض طلبها او لنقل رغبتها العربية المنشأ.

لكن ما يعرفه كاتب هذه السطور والذي عاصر كل تجاذبات هذا الملف بمراحله الحلوة والمرة كافة يؤكد له امرين اظن ان من المفيد اطلاع الرأي العام العربي والايراني بشأنهما:

أولا: ان «عودة» ايران لاسلامها في العام 1979م أو «استعادة» اسلامها المخطوف من قبل نظام التغريب الثقافي والسياسي البائد يعني بالضرورة ان المجال الحيوي الدبلوماسي لاية حكومة ايرانية في ظل سقف الثورة الاسلامية لا يمكن ان يكون موفقا وناجحا في الدفاع عن الامن القومي للبلاد من دون تضامن ايراني عربي حقيقي وليس شكليا.

ثانيا: «ان استعادة» العرب لايران الاسلامية بعد ان كانت تشكل واحدا من الاضلاع الثلاثة لما كان يعرف بدول «الاطار» أو الحزام الحامية لـ «اسرائيل» يعني بالضرورة اضافة نوعية للأمن القومي العربي عنوانه دولة علماء الاسلام الايرانيين.

على اية حال «فالرعشة» القومية التي اثارها تصريح الناطق الرسمي باسم الخارجية قامت على خلفيتين فكريتين:

الاولى: تقول إن مثل هذه الخطوة تشكل انتهاكا للهوية الوطنية الايرانية وتعريضا خطيرا بالمكانة القومية لبلاد «امة عريقة مثل ايران» لا تنتمي الى الدائرة الاقليمية العربية لا استراتيجا ولا تكتيكيا!

الثانية: تقول إن الواقعية السياسية والبراغماتية في العمل الدبلوماسي تتطلب ان يتقدم صاحب المصلحة بالطلب من ايران للانضمام الى تكتل العرب الاقليمي خصوصا وان ايران كدولة ذات ثقل ومكانة استراتيجية نوعية ليست بحاجة ولا قادرة على الافادة ناهيك عن الاستفادة من مثل هذا الموقع أو هذه «الفرصة» المشكوك فيها أصلا ان تكون فرصة وبالتالي قد تتحول الى «تهديد» لمكانة الدولة التي هي اصلا في غنى عن مثل هذه «التهديدات» أو الفرص التي دفعت ثمنها غاليا بسبب ارتباطها بالعرب.

وبالتالي فان اصحاب هذا الرأي بمرتكزيه الأول والثاني ينادون بتوجيه ايران الى المراكز العالمية لاخذ موقعها الطبيعي واللائق بها هناك، ويقصدون تحديدا الولايات المتحدة الاميركية بالدرجة الأولى وأوروبا بالدرجة الثانية وان بقي من جهد فصوب آسيا «الأوروبية» أو المتأمركة.

وهؤلاء هم من يمثلون اما التيار القومي الشوفيني المعروف أو التيار القومي الليبرالي العلماني او في احسن احوالهم التيار القومي ذو الصيغة الدينية أو المسحة الدينية الخفيفة الظلال!

لكن السؤال الاساسي الذي يواجه هؤلاء مجتمعين هو: إلى أي حد ستكون ايران قادرة على الصمود معزولة عن جيرانها الدائمين في ظل اجتياح العولمة «المتوحشة» لحدود استقلاليات الدول و«أوطان» القوميات الاحادية الرؤية في الشكل والمضمون والانعزالية التوجه في الحركة والسكون؟!

ثمة من يرى ضرورة ملحة تلاحق مطبخ صناعة القرار الايراني كما النخب الايرانية مجتمعة وهو ما ينطبق على العرب مجتمعين ومنفردين، الا وهي التسلح بجرأة وشجاعة وشهامة اعادة تعريف الهوية الوطنية والقومية للاقطار بناء على الوعي الشعبي المتنامي من جهة والتحديات الاستراتجية الكبرى المحيطة بنا من كل جانب. وبكلمة اخرى السماح للاجيال الجديدة بكسر «التابو» القومي

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً