العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ

الحفاظ على المسيرة ودعوة إلى مزيد من المشاركة

خطاب الملك بمناسبة العيد الوطني وعيد الجلوس ...

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

توقع عدد من المحللين السياسيين أن خطاب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي ألقاه بمناسبة العيد الوطني للبلاد هذا العام سيكون مغايرا عن خطاباته في المناسبات المماثلة إذ توقع الكثير منهم أن حوادث ما بين العيدين من 16 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي إلى 16 ديسمبر من هذا العام والتي بعضها أقلق الكثيرين بسبب الخروج عن آداب الحوار الواقعي والموضوعي إلى ما يشبه الصراع والمواجهة الساخنة وخصوصا خلال الندوات والمحاضرات التي أقامتها بعض الجمعيات السياسية وبعض مراكز حقوق الإنسان وما تبعها من استقالات لقياديين فيها واختلاف في الرأي في أسلوب الطرح بين مؤيد ورافض أدى إلى تداعيات أكبر حين انسحب حديثا عدد من الجمعيات من الائتلاف السداسي.

كل هذه وتلك جعلت بعض المحللين السياسيين يظنون أن خطاب الملك سيكون مغايرا في لهجته بحيث يأخذ لهجة تتسم بالخشونة الخالية من كلمات التلاطف والأبوة المعروفة عن جلالته معتمدين على الخلفيات التي سرّبها بعض المسئولين عن أن الملك يبدي إحساسه بالضيق لهذا الأسلوب من الخطاب الشعبي وهذه الاحتجاجات التي كثرت إلى درجة الإسراف، فإن كان بعضها ضروريا وملحا فالكثير منها كان استفزازيا لا مبرر له باستغلالهم مرحلة الحرية والشفافية.

وسط هذا التشاؤم لدى هؤلاء المحللين السياسيين جاء خطاب الملك كعادته ينم عن حب عميق لهذا الشعب ومعاهدة جديدة يؤكد فيها إصراره على الحفاظ على المسيرة الديمقراطية ودعوة واضحة لمزيد من المشاركة الشعبية من أجل تحقيق المصالح الوطنية وإيمانه العميق بإعلاء كلمة القانون فوق الجميع وأن الذين يحاولون استغلال مواقعهم وأسرهم للتطاول على القانون لن يكون في مقدورهم ذلك لأن مرحلة الانسياب قد ولت وانتهت، وبذلك خيّب جلالته بهذا الخطاب ظن أولئك المحللين الذين فشلوا في قراءة أفكار ونفسية ملك البحرين.

إن الخطاب لم يخيّب ظن المحللين المتشائمين فحسب بل جاء لينهي القلق والشك للأسئلة التي برزت حديثا في الساحة في أعقاب التصعيد الذي قامت به بعض الجمعيات السياسية من خلال ندواتها أو بياناتها وليضع حدا لكل هذه الاسئلة من خلال إجابات واضحة وصريحة لا تحتمل قراءات مختلفة.

برز في الفترة الأخيرة عدد من الأسئلة المحيرة منها على سبيل المثال:

ما مدى رضا جلالة الملك وتقبله للمناقشة الساخنة بشأن التجنيس السياسي والامتياز والتمييز؟

ماذا يريد الملك من شعبه، هل يريده سلبيا أم إيجابيا؟

ما هو مستقبل البلاد في ظل التطورات الطارئة وتفكير جلالته المستقبلي تجاه هذا البلد؟

هل هناك توجه للملك بضرورة تطوير الدستور؟

هذه الأسئلة الكثيرة أجاب عنها جلالته خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة العيد الوطني، منذ بداية خطابه ركز جلالته على الإيجابيات وتحدث عن أولئك الرجال الذين ناضلوا من أجل بناء هذا الوطن معترفا بدورهم بل بدور كل المناضلين الأوائل الذين ناضلوا ضد الاستعمار من أجل تحرير هذا الوطن، ربما لم يذكر الاستعمار بل أشار إليه بالحديث عن النضال من أجل الحرية والكرامة عندما قال:

«يطيب لنا أن نتحدث إليكم اليوم حديثا من القلب بمناسبة العيد الوطني المجيد وعيد جلوسنا إذ أردناهما مناسبة وطنية واحدة من كل عام في السادس عشر والسابع عشر من ديسمبر، تيمنا ووفاء لجميع بناة الوطن من الآباء والأجداد في كل موقع وساحة من ساحات العمل والنضال الوطني، من الذين وجهوا وقادوا وكانوا في مقدمة الصفوف تضحية وعطاء في دفاعهم عن حياض الوطن وحريته وكرامته».

أعتقد أن علينا أن نسجل هذا الاعتراف بالحركات الوطنية الإيجابية بمداد من نور لأنه يحدث للمرة الأولى من قائد خليجي عودنا غيره أن يتهم كل الحركات الوطنية إما بالعمليات التخريبية أو بالعمالة للخارج ويأتي جلالته اليوم ليغير وجه ذلك التاريخ المزيف.

أليس في هذا الخطاب رد على السؤال المحير وتخييبا لظن بعض المحللين السياسيين بأن الملك غير راض عن الحوارات الساخنة التي تدور في الساحة حين يقول بكل سعة صدر من خلال قلب كبير لملك يدرك أن الحرية والديمقراطية تعني الحوار مهما كان نوعه وأسلوبه مادام يصب ذلك في مصلحة الوطن حين يقول: «نتحدث في كل يوم من أيام العام، عبر مؤسساتنا الدستورية ومنابرنا الحرة عن مختلف شئوننا العامة في سبيل الإصلاح... وهو ما استمع إليه من صاحب كل رأي مخلص من دون استثناء... وتسعدني ممارستكم المسئولة لهذه الحرية التي سنحميها معا، بوعينا الوطني وإخلاصنا للمستقبل الأفضل قبل كل شيء، وكذلك بقوة القانون المستمد من مبادئ وبنود دستور المملكة وهو الحاضن والحامي للجميع».

أما السؤال عن تفكير جلالته المستقبلي لهذا البلد فقد كشف بكل وضوح أنه مصر على التحول من مرحلة التنظير السياسي إلى ساحة العمل الحقيقي والتفكير في المواطنين فلن يبنى الوطن حسب رأيه بالحوار السياسي والتنظير فحسب بل من خلال النزول إلى ساحة البناء حين قال: «إنني أفكر في كل أب وأم من رجال البحرين ونسائها الساهرين على تربية أجيالنا الجديدة، ذخر المستقبل ورصيدنا الإنساني والحضاري الذي هو ثروة البحرين الأولى في عصر التقنية والمعرفة. كما أفكر في واقع العاملين والعاملات في كل ورشة ومعمل، وفي طموح المهنيين والفنيين والكفاءات العالية في كل مصنع ومصرف ومنشأة، وفي جهد المدرسين والمدرسات في كل مدرسة ومعهد وجامعة، وفي أوضاع الموظفين والعاملين في مختلف الخدمات والإدارات الحكومية والأهلية في جميع المرافق».

مشددا على هذا النهج حين قال: «من أجل هؤلاء المواطنين والمواطنات في كل موقع، وعلى كل شبر من البحرين أدعو الجميع إلى بذل أقصى الجهد لتحقيق تطلعاتهم المشروعة في الحياة الحرة الكريمة، كي نرفع البناء فوق ما حققناه، بفضل الله، من إنجازات نعتز بها وقدرها العالم أجمع».

لكن جلالته لا يقف عند هذا الحد ويتوقف عن الكلام بل يضيف وبإصرار على ان الإنجازات السابقة خطوات إيجابية تحتاج إلى تطوير حين يقول: «نعتقد بإخلاص أنها تستحق التطوير والمتابعة حفاظا عليها، وحفاظا لمسيرة المشاركة والانفتاح».

ويعود جلالته في هذا الخطاب ليجدد العهد من جهة ويؤكد إصراره على فعل المزيد من الانفتاح والعمل الجاد لتحقيق الرخاء والتقدم الذي ينشده المواطن البحريني حين يقول: «ونحن لم نقم بما قمنا به من إصلاحات إلا لكي يصل شعب البحرين من خلال قنواته الدستورية، إلى ما يصبو إليه من رخاء وازدهار ورفع لمستوى معيشته في مختلف الأصعدة. وذلك ما نعاهدكم على مواصلته بحول الله ثم بإرادتكم المخلصة ووعيكم المستنير الذي أعتمد عليه، بعد الله لنصل جميعا إلى ما نبتغيه من تطور واكتمال».

إن هاجس الوحدة العربية ومسيرة مجلس التعاون كأنهما يسيران في كل قطرة من دم هذا القائد تراه يكرر ذلك ويتمناه من أعماق قلبه في كتابه (الضوء الأول) ثم يعيده في كل مناسبة فهو يرى نجاح أي بلد عربي استكمالا لنجاح الآخر ولهذا يجد في خطابه هذا أن نجاح البحرين بمزيد من التقدم والتطور والانتعاش على مختلف المسارات هو نجاح للجميع حين يقول: «يغدو النجاح نجاحا للجميع، وفي وطن الجميع، هذا الوطن الذي ظل منتميا لوطنه الكبير، ولخليجه العربي الذي نتطلع بثقة إلى المزيد من تقارب دوله وشعوبه في القمة المقبلة لدول مجلس التعاون بدولة الكويت الشقيقة، برئاسة الأخ الكبير الشيخ جابر الأحمد الصباح بثاقب حكمته وخبرته».

وهو في مقدمة الجميع للموافقة على كل خطوة وحدوية خليجية يباركها قبل غيره ويتحمس لها أكثر من غيره ويصفق بحرارة لمن يدعو لها أكثر من سواه، ها هو يقول في خطابه: «يطيب لي أن أعلن هنا باسمكم أن مملكة البحرين مستعدة للعمل مع شقيقاتها لتحقيق مشروع المواطنة الخليجية الموحدة بما توفره من مزايا وحقوق لمواطنينا بدول المجلس كافة، ولإصدار العملة الخليجية الواحدة حسب البرنامج المقرر، هذا مع تطوير هيئة المجلس الاستشارية وتفعيلها بما يواكب المشاركة المنشودة في دولنا الشقيقة، متطلعين إلى نقلة نوعية في مسيرتنا المشتركة لصالح شعوبنا وبما يستجيب للمستجدات في جوارنا وفي العالم أجمع».

هكذا جاء خطاب جلالة الملك عميقا مكثفا يرد على كل الأسئلة المطروحة مخيبا لظن بعض المحللين السياسيين

العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً