في هذا المرقد، ومن وراء هذا الضريح، يرقد أحد أبطال كربلاء، الذي سُمّي بـ «قمر الهاشميين» لجماله، فقد كان ثمرة زواج الإمام علي (ع) من فاطمة بنت حزام الكلابية التي أنجبتها الفحولة من العرب. وهي السيدة التي رشحها عقيل بن أبي طالب لأخيه بعد رحيل السيدة فاطمة الزهراء (ع).

حين تقدّم إليها الإمام، استثقلت ذلك الشرف، وقالت انه سيشرفها أن تكون خادمة في بيت علي، وترعى أيتامه. وحين كان يناديها الإمام باسمها كانت تلمح الأسى في عيونهم وهم يتذكرون أمهم، فطلبت منه أن يناديها بـ «أم البنين»، إذ أنجبت له أربعة أبناء، استشهدوا جميعهم في يوم عاشوراء، عبدالله وجعفر وعثمان، وأكبرهم وأشهرهم العباس، الذي عاش مع الحسين أربعة وثلاثين عاما، لم ينادِه قط بغير كلمة «سيدي».

في كربلاء، ستلاحظ قبور الشهداء تحف بقبر الحسين إلا قبرين، الحر الرياحي الذي سحبت قبيلته جسده الطاهر ودفنته بعيدا عن أرض المعركة لتجنيبه الرضّ بحوافر الخيول. والثاني قبر العباس، لأنه سقط بعيدا عن مخيّم الحسين، حين ذهب إلى النهر ليملأ القربة بالماء، لكسر الحصار الذي فرضه الجيش الأموي.

كل الشهداء إذا دفنوا قرب الحسين إلا أخاه العباس دفن على بعد مئات الأمتار، إذ سقط على ضفة العلقمي، أحد روافد نهر الفرات. هنالك ذهب إليه الحسين ليشهده في لحظات الاحتضار الأخيرة، حيث احتضنه ليسلم الروح في حضنه، وليقول (ع): «الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي»، في لقطةٍ حزينةٍ ظلّت تهز مشاعر ملايين البشر عبر القرون.

ترك العباس مثالا شامخا يجمع قيم التضحية والشهامة والمروءة والنبل والوفاء. وتغنّى ببطولته الشعراء، وقرنه بعضهم بكبار فرسان العرب مثل ربيعة بن مكدّم، الذي حمى الضعينة حيّا وميتا. وغالبية ألقابه استمدها نياشين من واقعة عاشوراء: ساقي العطاشى، وحامل اللواء، وعميد الجيش، وبطل العلقمي، وحامي الضعينة، فهو الذي قاد قافلة الحسين إلى العراق وتكفّل بمهمة العناية بركب النساء... وحتى الروضة العباسية حين افتتحت موقعا على شبكة الانترنت، اختارت لها اسم «الكفيل».

في هذه الروضة، تقام الصلوات الخمس، ويأتيه عشّاق البطولة والإباء من أقطارٍ شتى، ليحيّوا الشهداء الذين عند ربهم يرزقون. وفي ذكرى مولده الأخير (شعبان الماضي/ يوليو 2009) افتتح متحفٌ خاصٌّ، ضم مجموعة من المخطوطات والكتب القيمة.

في هذا المتحف، هناك نسخٌ نادرةٌ من المصحف الشريف يعود بعضها إلى القرن الأول الهجري، أحدها بخط الامام السجاد (ع) الذي حضر كربلاء. وهناك مجموعةٌ من التحف التي أهداها للروضة بعض الحكام والسلاطين وعلية القوم... فقد كان فخرا أن يهدي أحدهم سيفه أو يعلّق درعه على قبر هذا البطل الضرغام.

من بين التحف التي نجت من حملات النهب والسرقة في عهود مختلفة، تستوقفك بعض المشغولات الفنية، فالرجل الذي قطعت كفّاه وهو يستقي للعطاشى من أطفال وبنات محمد (ص)، صنع له الفنان المسلم كفوفا رمزية من الذهب. وهناك قربتان من الذهب والفضة، ترمزان للقربة التي خرقتها السهام لمنع وصول الماء إلى الخيام.

في الروايات التاريخية، قبل أن يتقدّم عقيل لخطبة أم البنين، حلمت بأن نجما يسقط في حضنها من السماء. وحين وُلد بكرها أسماه أبوه «العباس»، وهو أسد الغابة الذي تفر منه الأسود. وكان ينتظره يومٌ دامٍ في كربلاء، سيكتب له بعده المجد والسؤدد والخلود.