العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ

قنوت الثورة

لقد تلى ثغر الدين منقبة الحسين (ع)، وردد أبجدية ثورته العصماء المتوجة بالعشق الإلهي، فارتقى معصم الإمامة المخضرم قمم الجلال، وأبى إلا أن يحصحص الحق وتبدو سوأة الضلال واضحة للعيان.

لم يساوم... ولم يخنع... ولم يقر قراره، ولم تستكين ثورته حتى وإن تسامى منحره الأقدس فوق شاهقة القنا. فحين يؤذن دم الحسين تقنت الثورة وتنتفض الأصفاد المضطهدة، وتتهاوى على إثرها عروش الطغيان، لتسجل ملحمة أزلية تنتعش على إثرها صخرة الأمة، ولتعلن البراءة من هيمنة الاستكبار المتسلط على الرقاب بالقمع وقبضٍ من حديد.

فطوبى للسالكين درب الحسين (ع)، والمتقمصين مخمصته المجللة، فصرحه قبلة لا تصدأ معالمها، يؤمها الأحرار وتطوفه دماها الزاكية، فتعانق أريج الشهادة وتتسم بطابعها السرمدي، فقد شمَّر الحق عن فجر الهدى، فتلألأت خمائله، واستوت أركانه، لينبئ عن انتصار الدم على السيف، وألا هوادة مع الظالم ولا عز بلا كبش فداء.

أبا الأحرار مازالت واعيتك تصدح في حناجر الأمة برمتها جيلا بعد جيل، فأنت الإباء... والعطاء أنت، تؤجج براحتيك سبل الباذلين وتخط أنملك الشهباء وسام الآملين. تنتشي عرى المقاومة بسكر ودادك.

سقيا لمهج جنيت قبل إبان حصادها، واجتث الحمام سنالبها القانية لتعفر ناصيها بمحرابك، تبحر بقبسات أوداجك المهبرة فتروي لظاها من معينٍ لا ينضب زمزمه ولا يرعوي غماره. ترنوك بصائرها وتكتحل آمالها بانتمائك.

أبا الثوار يا وطن الكرامة تتفيأ بظلك الألباب المستميتة، تتعنون دربك المعبَّد ولواءك المسدد... ترتل شفاها الذابلات أرجوزتك السامية، فينحني هيامها طيعا بمتيمك... شامخ ناموسها، تختال أعلامها الكربلائية وقد طاب لها طارق المنون فأنست به.

يا أيها العروة الوثقى فلا وربك لا يأفلن مبدؤك ولا يوأدن ميعادك، ما فتئ شيبك الخضيب يعرج بالرسالة المحمدية، خفاقة راياتها العلوية، تستقطب كل مستضعف ينشد مرام الحرية، عزفت مظلوميته عن شنار الظلال.

أبى كبرياؤك إلا أن يطهر ساحات المستضعفين من أدران الشرك ومن رجز الهزيمة والتواطؤ مع العتاة المردة... يعصف صداك المدوي، محممحا متحديا مجلجلا... الله أكبر، وتصدح صيحتك الأزلية «هيهات منا الذلة» بفيه الدهر وربوع الدنا، تحتضن الشهادة بكل جوانحك... وتنثر شتلاتها في طريق ذات الشوكة، ويطرق لبذلك العطاء فاتحا باعه يسألك المن.

فكأني بك تطحن رحى الوغى، تصارع الرماح والأسنة، يتقطب لبأسك المستبد وأنت تقدم كل غالٍ ونفيس قرابين تلو الأخرى لوجه الله فيتقبله منك قبولا حسنا فيضاعفه لك ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، فخصك الله بالمنزلة العلية وجعل رحلك محطا للقداسة، يستدل بنجمك الساعون ويتزود من فيضك المتقون... يحذون حذوك في آناء ليلك وأطراف نهارك، وحقا على من يحيى الخلود ألا تبتر إنسانيته!

نهاية الحواج

العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً