العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ

كشكول مشاركات ورسائل القراء

عاشوراء... يوم لمواساة الرسول (ص وللتنديد بالبغض الطائفي والإرهاب الحاقد

ما لا شك فيه ولا ريب أن موسم عاشوراء الحسين(ع) له طابع متميز عن بقية المواسم في شكله ومضمونه الأخلاقي والأدبي وفي برامجه الثقافية والفكرية، وفعالياته الفنية الإبداعية بمختلف أنواعها المسرحية والتشكيلية، والتنوع الثقافي والفكري الذي نراه في موسم عاشوراء قد لا نجده في مواسم أخرى بهذا الوضوح المتميز، المشاركون في مختلف الفعاليات سواء أكانوا من المؤسسات الرسمية أو الأهلية أو من الأفراد، أتوا طواعية للمشاركة ولإبراز طاقاتهم وإمكاناتهم والأعمال التي يقدمونها للمجتمع، فكثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمؤسسات الثقافية والفكرية والاجتماعية والإنسانية والخيرية تستغل فرصة تواجدها في هذا الموسم لإيصال رسالتها للناس.

فعاشوراء الحسين أعطت الفرصة لجميع المؤسسات والأفراد لعرض خدماتهم التي يقدمونها للمجتمع بصورة مباشرة ومن دون تكلف، لم تعد رسالة عاشوراء تقتصر على نوعين من الفعاليات (المنبر الحسيني والموكب) ولم تعد برامجها تقدم إلى فئة معينة في وقت محدد وفي نطاق ضيق.

وأصبح موسم عاشوراء جامع لمختلف الخبرات الدينية والتاريخية والبيئة والصحية والإعلامية والثقافية والفكرية والإنسانية والاجتماعية، فالخطباء في المآتم يقومون بدور بارز ويبذلون الجهود الكبيرة من أجل أن يقدموا لمستمعيهم خلاصة ما حصلوا عليه من العلوم الدينية والإنسانية والثقافية، والكثير منهم إن لم يكن جلُّهم استطاعوا أن يوجدوا إضافات علمية إيجابية في أذهان الناس، وفي هذا العام أعلن مجلس الخطباء عن استعداده التام لتوفير الخطباء للمآتم، وهذا التوجه من المؤكد سيسهل على المآتم حصولهم على الخطباء المتميزين في فنون الخطابة من جهة ذات علاقة مباشرة بمستويات الخطباء في اختيار الموضوعات وأساليب عرضها، والرواديد من خلال المواكب الحسينية يتنافسون في تقديم أفضل القصائد الشعرية وأحسن الألحان لاستقطاب أكبر عدد من المعزّين، فهم يقضون مدة طويلة قبل حلول شهر محرم قد تمتد إلى عدة شهور في البحث عن كل ما هو جديد ومتميز في القصيدة واللحن، ويأبون أن يخرجوا للناس بنفس الثوب التي خرجوا بها في العام الماضي، فلهذا تجد الشباب المعزي متعطش لسماع الجديد منهم، وتجدهم لا يجاملون الرادود الذي قبل لنفسه أن يبقى يراوح في مكانه، وردود أفعالهم وملاحظاتهم يوصلونها إليه مباشرة بأساليب متعددة ومتنوعة، والزائر لمقر إقامة جمعية التوعية الإسلامية يجد البرامج والفعاليات الثقافية والمحاضرات والمنتديات الهادفة بلغات كثيرة، التي تجتذب الكثيرين من الرجال والشباب خلال موسم عاشوراء، ويحضر تلك الفعاليات أعداد كبيرة من الجاليات الأجنبية، وأصبح وجودها بارزا في موسم عاشوراء منذ سنوات ليست بالقصيرة، تواجدها الثقافي والفكري والروحي والمعنوي في الموسم يترك الأثر الإيجابي الكبير في نفوس الناس، لن نستطيع استعراض جميع المؤسسات المشاركة في الفعاليات التي تقام في موسم عاشوراء الحسين(ع) من كثرتها.

ولو حاولنا التعرف على هيئات تنظيم المواكب الحسينية التي حملت على عاتقها الحفاظ على قدسية موسم عاشوراء بكل ما تملك من الطاقات البشرية والإمكانات المادية، معتمدة في عملها التطوعي على عدد كبير من الشباب الواعي والمدرك بأهمية الموسم في الجانبين الاجتماعي والديني، الدور الذي تقوم به الهيئات كبير ورائد، والصعوبات والمعوقات التي تصادفها معقدة ومتعددة، فلا يوجد أحد من العقلاء يختلف على أهمية وجودها في موسم عاشوراء.

ولا يختلف في أن هذه الهيئات أصبحت علامة أخلاقية مضيئة في فضاء عاشوراء، ولم يكن شعار المجلس العلمائي لإسلامي هذا العام «معا... في مواجهة الغزو غير الأخلاقي» إلا تأكيدا لأهمية العمل الذي تقوم به تلك الهيئات، فالمطلوب من مختلف المؤسسات الدينية والاجتماعية التعاون الجاد مع هذه الهيئات لتسهيل عملها، هذا ما نتمناه من الجميع في هذا الموسم ، ولو عرجنا على صندوق المنامة الخيري لوجدنا في جعبته الكثير من البرامج والفعاليات الجديدة والمتميزة، ودليل عاشوراء المنامة الذي يصدره الصندوق يبين من خلاله حجم وتنوع البرامج والفعاليات التي تقدمها المؤسسات الرسمية والأهلية والحسينيات، والدليل يحوي تعريفا شاملا بمعالم محافظة العاصمة (المنامة) وأهميتها التاريخية، فيه تعريف بدور الهيئة العامة للمواكب الحسينية وبمآتم وحسينيات العاصمة التي تعتبر من الكنوز التراثية القيمة والبارزة في الأحياء القديمة التي يجب الحفاظ عليها والعمل على تطويرها في جوانبها المختلفة.

وقد خصص في الدليل الإرشادي جانبا كبيرا لتبيان الجهود الكبيرة التي تبذلها مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية في موسم عاشوراء وتوضيح نوعية الخدمات التي تقدمها للمشاركين في إحياء عاشوراء سبط رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع)، مع تحديد الطرق التي يسلكونها للوصول إلى الأماكن التي تقام فيها الفعاليات، وكذلك فيه تحديد مواقف السيارات والخدمات ومراكز تسليم الأطفال المفقودين والدليل الإرشادي يعكس روح وإنسانية أبناء هذا البلد الطيب في مفهوم التسامح ويبين التنوع الثقافي الذي تنعم به وطننا الغالي منذ زمن بعيد، لا شك أن العمل الكبير الذي يقوم به صندوق المنامة الخيري خلال موسم عاشوراء الحسين (ع)، يجعل كل منصف ومحب للأعمال الخيرية والإنسانية أن يقف إليه بإجلال وتقدير واحترام للجهود التي يبذلها في هذا الموسم خاصة وفي طوال العام عامة، ومن المؤسسات الإنسانية التي تستفيد من موسم عاشوراء بصورة مباشرة، جمعية الكوثر للرعاية الاجتماعية(لرعاية اليتيم) التي تأخذ حيزا بارزا في مكان إقامة المراسيم العاشورائية، وتعطى المجال لعرض رؤيتها ورسالتها وأهدافها الإنسانية التي تعمل على تحقيقها للناس، وتستغل تواجدها في الموسم لتعريف بأعمال الجمعية بكل تفاصيلها وحيثياتها الإنسانية، وتطلب من الناس دعم مشروعها الإنساني الرائد بشتى الوسائل والطرق لما له من أهمية كبرى على مستقبل اليتيم، ويفتحون باب الكافلة لكل من يريد كفالة شاملة لليتيم أو جزئية، وتتضمن الكفالة الشاملة على الجوانب الصحية والتعليمية والثقافية والأخلاقية والترفيهية والنفسية والمعنوية والاجتماعية، ليس خافيا على المتتبع للأعمال الإنسانية ما تقوم به جمعية الكوثر تجاه اليتيم، وحملتها الإعلامية الواسعة التي دشنتها حديثا، استطاعت أن تجعل ما تقدمه لليتيم واضحا وجليا للمجتمع، ولو حوّلنا أنظارنا تجاه حملات التبرع بالدم التي أثبتت قيمها الإنسانية التي تحملها، لوجدنا أنها خير دليل على رقي إنسانية أبناء هذا الوطن، ورأينا أن محرم الحرام وحده يحتضن ست حملات للتبرع بالدم، وهي كالتالي : الأول من شهر محرم في الجمعية الحسينية في قرية النويدرات، الثالث من محرم في مأتم البدع في المنامة، السابع من محرم في مأتم الحجة في مدينة المحرق، الثامن من محرم ينظم صندوق النعيم الخيري حملة تبرع بالدم للنساء وينظم حملة أخرى في يوم التاسع للرجال، صندوق مدينة عيسى الخيري ينظم حملة للتبرع بالدم في 25 محرم ، ذكرى وفاة الإمام زين العابدين (ع)، فكم من البشر تم إنقاذهم بفضل المتبرعين بدمائهم في تلك الحملات التي أقيمت لبيان جانب يسير من إنسانية محمد المصطفى (ص) وأهل بيته البررة (ع)، ولا ننسى جمعية الصم البحرينية التي تقدم خدماتها الإنسانية لفئة الصم بمختلف الاتجاهات العلمية والثقافية والفنية والترفيهية والنفسية، والتي كان لها الدور المميز في تطوير وتنمية قدرات ومهارات الصم في الحاسوب وغيرها من التقنيات الحديثة، فموسم عاشوراء الحسين الذي كان له الفضل الكبير في انطلاقة فعاليات الجمعية حتى أصبح موسما ثقافيا خصبا لفئة الصم، وقد حرصت الجمعية على إدماج هذه الفئة في المجتمع بصورة مباشرة وخصصت مساحات واسعة لمشاركة الصم في مختلف الفعاليات والبرامج التي تقام خلال موسم عاشوراء، ولو أتينا إلى جمعية المرسم الحسيني لرأيناها تقوم بدور رائد منذ سنوات طويلة في إبراز المواهب الفنية لمختلف الفئات الإنسانية التي تعبر عن مأساة كربلاء، ونجحت الجمعية في استقطاب الكثير من الفنانين وأعداد كبيرة من المهتمين بالفن (الرسم)، وفي كل عام توجد فعالية جديدة ومتميزة، في هذا العام ستعمل بالتعاون مع الكثير من المؤسسات والصناديق الخيرية والإنسانية في صنع أكبر شمعة في العالم، وهذا المشروع جدير بالاهتمام من جميع المؤسسات لما يحمله من رمزية إنسانية قيمة، وشراكة مختلف المؤسسات الأهلية في هذا المشروع يؤدي إلى تحقيق جميع الأهداف التي رسمت إليه، فلو قمنا بزيارة إلى مكان تواجد جمعية السكلر البحرينية التي هي الأخرى لها حضور واضح في موسم عاشوراء بمنطقة المنامة ، والتي تحاول أن تبين للناس العمل الذي تقوم به بكل تفاصيله ، ونحن نعلم أن هذه الفئة بحاجة إلى رعاية خاصة من أجل وقايتها من تقلبات هذا المرض الذي أودى بحياة الكثير منهم، وعلى الجهات المعنية الالتفات إليها والعمل على حمايتها من مختلف انتكاسات هذا المرض، لم يقتصر الاحتفاء بعاشوراء الحسين على منطقة المنامة، وإنما شمل مختلف محافظات وطننا الطيب، ولو تجوّلنا في مدن وقرى المحافظات سنجد في المحرق الغالية تقام الفعاليات والبرامج الكبيرة والكثيرة التي تتناسب مع هذه الذكرى الأليمة، التي أوجعت قلب رسول الله (ص) وأدمته وأدمعت عينه قبل حدوثها بعشرات السنين، ونجد في مدينة عيسى يقام موكب مركزي في يوم التاسع من محرم الحرام ويعد في ذلك اليوم الكثير من الفعاليات والبرامج المتنوعة والهادفة، ويشارك في إحياء هذه الذكرى أعداد كثيرة من أبناء المنطقة وأبناء المناطق الأخرى، وفي مدينة حمد يحرص الأهالي فيها على إحياء هذه المناسبة بصور متعددة وببرامج إبداعية ورائعة، ولا نبالغ إذا ما قلنا أن نداء ياحسين في موسم عاشوراء يدوِّي في أرجاء مملكتنا الغالية، ما أردنا قوله أن الكل في تلك المناطق يندِّدون بالإرهاب الأعمى الذي يحصد أرواح الأبرياء في كل زمان وفي كل مكان وفي مختلف بلدان العالم، الكل ينشد الأمن والآمان لجميع البشرية، والجميع يتمنون أن يجدوا العالم بلا حروب مدمرة وبلا ظلم، ويأملون أن تسترجع أراضينا الإسلامية وعلى رأسها القدس الحبيبة التي يحتلها الكيان الصهيوني البغيض، وأن يسعد الإنسان في كل مكان بالعدل والحرية والمساواة والرخاء الاقتصادي، ومواساتهم السنوية لرسول(ص) واحتفالهم بذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) إلا دليل على أن الحدث الذي تناقلته الأجيال عبر العصور والأزمان مازالت أحداثه المريرة والمؤلمة حاضرة في أذهان أبناء الأمة الإسلامية، ولا يمكن للقرون البعيدة أن تلغيه من ذاكرة التاريخ ولا يمكن للصفحات الحمراء بكثرة الدماء الزكية التي سالت على أرض كربلاء أن تتحول بيضاء ناصعة، ما حدث لآل الرسول (ص)، بكى عليه كل شيء في هذا الوجود، وما فعله أولئك الأوباش بآل رسول الله وبسبطه الإمام الحسين (ع) في يوم كربلاء يفوق كل التصورات الإنسانية، فتقادم الأزمان لا يسقط الحدث ولا يلغيه، في كل عام يقف الناس في مختلف المجتمعات وقفة حداد ووقفة لمحاسبة الجناة الذين ارتكبوا تلك الجريمة النكراء التي يندى لعظمها جبين الإنسانية ويشيب لأجلها الطفل الرضيع .

سلمان سالم


من أجل حوار متسامح يحترم العقل

في الحوار ثمة مبدأ لابد من مراعاته والتحلي به، هو مبدأ القدرة على تحمل الرأي الآخر، المخالف والاستعداد للإصغاء إليه وفهمه. والمخالف لا يعني بالضرورة من يخالفك في المبادئ، بل قد يعني من يخالفك حتى في نمط التفكير. فالبشر في مسيرتهم الحياتية يواجهون قضايا جمة اجتماعية منها وسياسية وعلمية لابد من مراعاة مبدأ الحوار عند التصدي لها، ونبذ جميع اشكال العنف والإساءة، والحفاظ على مستوى العلاقات الاجتماعية القائمة، من أجل جعل الحياة سعيدة وأكثر متعة، فالحياة لها قيمة وقيمتها السعادة.

من بين هذه القضايا التي شلغت بال الكثيرين، وأثارت جدلا واسعا، والتي مازلنا نسمع أو نقرأ عنها هي مسألة العلمانية، خاصة في الآونة الأخيرة، وتحديدا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، وما صحابه من أفول نجم الحركات اليسارية، في سماء المنطقة العربية، بسبب ما كانوا عليه من عالة على الفكر، الذي أبدعه نظرائهم مفكرو تلك البلدان، وفقا لواقعهم المعاش، المغاير لواقع بلداننا العربية، منذ ذلك الحين تغيرت عقول، وتبدلت مفاهيم، وهو تغير منطقي إذا ما أدركنا أن مفهوم الفكر بشكل عام وعلى وجه التحديد العلمي منه، هو فكر تاريخي، يعكس حقبة زمنية معينة وبالتالي فهو ليس عقيدة جامدة لا تتغير، بل هو فكر من نتاج عقل بشري في مرحلة ما من تطور الواقع الاجتماعي لبقعة معينة على هذه الكرة الأرضية. وعليه فإننا لا يمكننا أن نفهم النص بمعزل عن واقعه الاجتماعي، فالواقع هو الذي يفسر النص لا النص الذي يفسر الواقع، أي بمعنى أن الوعي الاجتماعي، الذي يتجلى في النصوص القانونية، والفلسفية، والأخلاقية، يتولد من الوجود الاجتماعي الاقتصادي، وأنه لا يمكن فهم الفكر فهما علميا إلا بوضعه في إطار التاريخي، أنه ليس خارج التاريخ بل هو فكر يتأصل ويتطور بنشاط الإنسان وممارساته الاجتماعية والفكرية، فعلى سبيل المثال مقولة «الدين أفيون الشعوب» يجب أن لا نعممها بل علينا أن نضعها في إطارها التاريخي، فهذه المقولة تنتمي إلى العصور الظلامية التي كانت سائدة في أوروبا في تلك الفترة، عصور القرون الوسطى ونظامها الإقطاعي وما نتج عنه من انتشار النظريات المادية لأن الكنيسة في تلك الفترة كانت مندمجة مع النظام الإقطاعي تخدمه وتسخر جماهير المؤمنين لصالحه.

من الممكن القول أن السجال الذي كان محتدما بشأن فكرة الشيوعية قد خفت وميضه وتلاشى، لكن سجالا آخر قد بدأ منذ تلك اللحظة بشأن مدلول العلمانية، ماهيتها وعلاقتها بالديمقراطية، ولوحظ الخلط بين المفهومين المتباينين على رغم وضوح الرؤية في الفرق بينهما، فالعلمانية منهج فكري يراهن على ما يبصره العقل وما يقرّه العلم لا يختص بمذهب أو نظام اقتصادي بعينه، بخلاف الشيوعية التي هي نظام اقتصادي يقوم على نظرية الصراع الطبقي والقيمة الزائدة وهي ترتكز على العلمانية في رؤيتها وتحليلاتها. على هذا الأساس يتضح لنا أن المفهوم كلاهما ليس كما يحاول البعض تقديمهما إلى العامة من الناس بشكل مبتدل على أنهما عبارة عن احتساء جعة بيرة أو الدعوة إلى الحرية الجنسية البعيدة عن الضوابط، إنما هما مفهومان من نتاج العقل البشري المرتبط بتطور الواقع الاجتماعي، الذي يسعى لتدليل المسائل الناتجة عن هذا التطور، وإيجاد الحلول الناجعة لها، والذي قد يصيب أو يخيب، والسبيل الأمثل لدحضه أو تفنيده هو الحوار.

لنا في حياة الإمام جعفر الصادق(ع) الذي يرجع له الفضل في إرساء الدعائم الفكرية للمذهب الشيعي وتوضيح خطوطه العريضة على النحو الذي يجعل للمذهب هوية تميزه عن سائر المذاهب، لنا في حياته قدوة نحتذي بها فقد اشتهر بالانفتاح والتحرر في مجال البحث والمحاججة العلمية وكان من التوَّاقين للدخول في المناظرات والمناقشات الفكرية والعقائدية، لأنه ليس لديه وسيلة لإثبات صحة مذهبه سوى اللجوء إلى المحاججة والجدل العلمي، ولأنه يتماشى مع روح الآيات القرآنية، «وجادلهم بالتي هي أحسن». لقد كان منارة للعلم يلجأ إليه كل من يتوق للمعرفة بما فيهم الزنادقة والملاحدة والتاريخ يذكر لنا مناظراته وجداله معهم من دون أن يحرض على قتلهم أو عزلهم وفيهم من يقتنع بخط الأمام وفكره.

أن سيرة الإمام وعقله الراجح فرض على الكثير حبهم له، فها هو ابن الرواندي الذي هو من كبار الملاحدة في عصره يمجد الإمام ويثني على مدرسته العلمية وبالمقابل فإن مدرسة الصادق لن تدعو إلى حرق كتب ابن الرواندي الإلحادية بل كانت ترد عليه الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان.

نحن أمة لا تبصر إلا بعين واحدة، ووفقا لتقارير «اليونسكو» فإننا أمة لا تقرأ، وإن قرأنا تبقى قراءتنا أسيرة لعواطفنا، وبالتالي هي قراءة لا تثمر، لأن إحدى شروط القراءة المثمرة كما يقول عميد الأدب العربي طه حسين، هو ضرورة التجرد من العاطفة، وكل ما تعلمناه عن طريق السمع والتلقين.

لو كنا نقرأ لتعلمنا من تراثنا العربي، ومن حكاياته، وطرائفه الشيقة، والدالة. فمن هذه الطرائف أن إعرابيا ادّعى النبوة، فأخذته الشرطة إلى الوالي، الذي سأله: إلى من بعثت يا هذا؟ فقال الإعرابي: أو تركتموني أبعث يا موالي؟ بعثت البارحة، وأخذتني شرطتك في الصباح. كم هي معبرة، وذات دلالة هذه الطرفة، فهي تعبر عن أننا شعوب تعمل على وأد الفكرة منذ بدايتها، من دون أن نكلف أنفسنا عناء الجدال مع صاحبها.

هذا هو حالنا، لأننا ببساطة غير واثقين بقوة خطابنا، وقدرته على الإقناع، فالفكر الواثق بصحة خطابه وقدرته على إقناع الناس، لا يحتاج إلى السيف أو البندقية، بل هو فكر يحتكم إلى عقل الإنسان ويراهن عليه، ويستدل بالحجة والبرهان.

الفكر القادر على الإقناع، لا يحتاج إلى الترهيب والوعيد ولا إلى الجلاد، إنه فكر يحتاج فقط إلى الحوار الجاد والبعيد عن التشنج، الذي يحتمل الرأي الآخر، ويحترم العقل، ويؤمن بأن الحقيقة لا يمكن فرضها من قبل البعض على الآخر، بل هي ثمرة نقاش هادئ ورصين وعقلاني.

الدكتور علي شريعتي المفكر الإيراني ومهندس الثورة في إيران، في إحدى محاضراته إلى الشباب الإيراني، تحدث عن الخطاب الآخر وماهية المجتمع في بلداننا، حيث قال: عليك أن تأخذ بنظر الاعتبار دائما أن المراد بالمجتمع ليسوا هم عوّام الناس، بل أولئك الذين لديهم القدرة على التلاعب بعواطف الناس وأفكارهم، لأن رأي أولئك يمثل في المحصلة رأي المجتمع برمته، وعليك ضمان ود ورضا هؤلاء من دون غيرهم لكي تحصل على رضا المجتمع. إن لهؤلاء إثارات واضحة في تحديد درجة وجاهة الإنسان الاجتماعية.

تأسيسا على هذا القول، نفهم أن الخطاب في مجتمعنا لابد من أن يأخذ بعين الاعتبار عقل ورؤية النخبة، أولئك الذين يعتبرون قدوة لدى العوام. تكلم على النحو الذي يرضيهم، تجنب مخالفتهم، أو إبداء ملاحظاتك التي تثير حنكتهم، ناهيك عن نقدهم. فإذا رضا عنك هؤلاء، ضمنت رضا العوام، وكسبت ودهم وحبهم لك. ومما يبعث على الأسف أن البعض من خطاب العقل المستنير في بلادنا، هو الآخر يعمل على كسب ود، وعطف المجتمع (النخبة)، عبر محاباته على حساب ما يؤمن به، بل السعي لنيل مكافأته.خطاب هو أقرب إلى النفاق، منه إلى مراعاة واحترام الأفكار، وبعيد كل البعد عن الصدقية في التعايش.

السيد أحمد السيد ابراهيم فاخر الوداعي


زحف المشتاقين ...

هذي الجموع تظلّ تزحفُ للمآتم

كلّ ليلة!

كُـتلا من الحزن الشريف

مُضمّخا... لن تقوَ حمله!

ذاك السوادُ العابر المهموم

في حُلك الدجى

يمشي... أهـلّـة!

معهم أسير وفي يدي

ولدي يشير...

بكفّه... لرداء طفلة...

ووددت لو عانقتهم

وتركتُ فوق الرأس قُبلة

الشوق يدفع

والمحبة... والأسى

فنطوف حوله

والنفس... مهما جاوزت حدّ النهى

تبقى مُقلّة...

هل هكذا..

صار (الحسين) منارة

ولغاية الأحرار... قِـبلة

هل هكذا الوله التقي

وهكذا تبدو القلوب

على السراط سرت أدلّة

«ياليتنا معكم»

... وتهدأ زفرة الأنفاس...

ترهف... موجة الاحساس...

تنزف في عبور (الشعر) مُــقلة...!

«ياليتنا معكم»

تطأطئ عندها الهامات...

والأشواقُ...

مطلعها... وبدءُ الرشف... «جُملة»

ياليتنا معكم...

هناك نطنّبُ الخيمات

نرفع في الربى الرايات...

نصنع من أضالعنا... أظلّة

جابر علي

العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:54 ص

      اكبر شمعة يتعبر انجاز

      البعض يقول نعم اذا انجزنا اكبر شمعة سوف يتم تسجيل اسم الامام الحسين عليه السلام في كتاب جنيس للارقام القياسية
      انا اقول يمكن ان نختار عنوان اخر و به فائدة
      اذا عملنا اكبر شمعة و بفلوس بالتعاون مع الصناديق حسب ما يقوله الكاتب
      فان الاموال ستضيع هباءا
      اتصور علينا ان نبحث عن تميز دون النظر للتسجيل في كتاب جنيس بل في كتاب الله
      الذي هو اهم
      واين دور الجمعيات الاخرى الذي لها مكانة في المنامة
      اين دور حركه حق و جمعية الرسالة
      لماذا الكاتب متحامل عليهم؟؟

اقرأ ايضاً