العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ

يا ثاويا في المصلى!

ارتباط شرطي يثير الوجدان ويحرك المشاعر ينتابني كلما مررت بمنطقة المصلى، الواقعة غرب مدينة جدحفص، وأجد نفسي أردد الآية الكريمة (وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) ويعقبها على الفور مقطع من قصيدة معروفة لدى الكثير من البحرينيين :

يا ثاويا في المصلى من قرى هجرا

كسيت من حلل الرضوان أضفاها

أقمت يا بحر في البحرين فاجتمعت

ثلاثة كن أمثالا وأشباها

ثلاثة أنت أنداها وأغزرها

جودا وأعذبها طعما وأصفاها

فمن هو الثاوي في هذه المنطقة ذات الثقل التاريخي العريق، وكيف أصبحت هذه القصيدة المكونة من ثلاثة وعشرين بيتا دليلا من أدلة كثيرة جدا عن عراقة هذه الارض وعراقة شعبها العربي الاصيل .

أنقل القارئ إلى العام 1576م وما سبقه من أعوام، ونلقي نظرة سريعة على أوضاع بعض الدول العربية والإسلامية في تلك الفترة من منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وكيف كان الصراع على أشده بين الدولة العثمانية المحتلة للكثير من الدول العربية والإسلامية، والدولة الصفوية في إيران.

في تلك الحقبة من الزمن كانت قبضة الدولة العثمانية حديدية على الدول العربية؛ إذ عانى الكثير من أحرار العرب ومفكريها من جور هذه الدولة ومطاردتها لهم ولافكارهم، وبدأت ظاهرة الفرار من هذا الحكم تعم الكثير من الدول التي طال مفكريها الاضطهاد والتهميش، وقد شكل العراقيون واللبنانيون أكثر الناس هجرة للدول المتقبلة لهم، وكانت إيران من أكثر الدول ترحيبا للفارين من الدولة العثمانية؛ إذ نال هؤلاء المهاجرين الحضوة لدى الحكام والعطف والاقبال من الناس، ومن جملة الفارين من لبنان الشيخ حسين عبدالصمد العاملي وكانت وجهته إيران حيث الشاه طهماسب الصفوي مع جميع أهل بيتة وأتباعه، وفور وصوله فوض إليه الشاه منصب شيخ الاسلام وهنا جن جنون السلطان العثماني سليمان وطلب من الشاه إرجاعه الى لبنان، لما يشكله وجوده في ايران من تعرية لسلوكيات السلاطين العثمانيين، ولكن الشيخ حسين رد عليه بأمر من الشاه برسالة نقتبس منها هذه العبارة (إن جوهرنا من جوهر الشرف لا من جوهر الصدف) وكان يقيم معه ابنه الشيخ محمد حسين العاملي المعروف بالبهائي لقبا وليس طائفة.

في العام 983 هجريه (1575 ميلادية) استأذن الشيخ حسين له ولابنه طهماسب لأداء مناسك الحج، فكان له ما أراد من الشاه، أما ابنه الشيخ محمد فلم يؤذن له وذلك لرغبة الشاه في أن يكون في مقام أبيه، بعد أداء مناسك الحج عرج الشيخ حسين إلى البحرين التاريخية وسكن على وجه التحديد في جزيرة أوال واستحسن الإقامة بها لما وجده من بيئة صالحة لتداول العلوم الشرعية وغيرها من العلوم كما وجد توافقا ورؤية مشتركة مع علماء البحرين، وعلى الفور كتب إلى ابنه الشيخ محمد رسالة - نأمل ان نحصل عليها ونتناولها بشي من التفصيل - لما تحمله من أهمية تاريخية تبرز بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية لبعض الدول في ذلك الوقت من الزمن. ومما كتبه (ياولدي لو كنت تطلب شيئا لدنياك فأعمد بلاد الهند وإن حاولت الآخرة فالحق بنا إلى هذا المقام، وإن لم ترد شيئا فلازم العجم ولا تبرح).

البهائي لم يلتحق بأبيه إذ لم يطل به المقام، حيث توفي في 8 ربيع الأول العام 984هجرية ودفن في قرية المصلى ورثاه ابنه الشيخ محمد في قصيدة أوردنا بعض أبياتها في بداية موضوعنا هذا .

هذه هي البحرين قبل 433 سنة بلد الاصالة والجود والكرم الذي جذب الصالحين وما أكثرهم للسكن في هذه الجزيرة الطيبة والتي وصفها شيخنا البهائي بأنها الدار التي تستحق السكن والاقامه فيها لأنها دار خير وإيمان خالص لله سبحانه وتعالى وإن من يقيم فيها يمهد لنفسه لدار الآخرة ونعيمها، وهذه لاشك شهادة تعكس الواقع الايماني الذي يتمتع به أهل هذه الجزر، فماذا يقول الطارئون والمشككون في أصول السكان في البحرين، وماذا تنفعهم أوراقهم المحروقة والتي تدعو فعلا للرثاء، في محاولة من البعض لخلق نوع من التوازن التاريخي.

العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:39 ص

      معلومات قيمة جداً وموضوع جميل

      من الجميل ان يعرف الانسان البحريني تاريخه الاصيل وجذورة والتي تواجه حاليا بهجمة شرسة في محاولة لتغيير التاريخ البحراني وحرفه
      احسنت استاذي الفاضل حسن الوردي كما أنت دائما مرجع تاريخي حي وشاهداً على التاريخ البحريني عبر كثرة الاطلاع والقراء عوضً عن الاحتكاك بالمجتمع البحريني "البحراني" والانصهار فيه.
      نتطلع الى المزيد من هذه المقالات التوثيقة الجميلة والقمية فعلاً والتي يفتقر العديد من المواطنين لمثل المعلومات.
      أكرر شكري لأستاذي الفاضل حسن الوردي على ما افادنا ويفيدنا :)

    • زائر 2 | 6:11 ص

      مصلاوي

      شكرا جزيلا على الموضوع الجميل والتارخي لكي يعلم الناس التاريخ الاصلي ومن هم لان هناك من يسعى الي تغير التاريخ والحقائق لصالحهم

    • زائر 1 | 5:06 ص

      الاستاذ حسن الوردي

      السلام عليكم
      الاستاذ حسن الوردي لا اريد ان امدحه فمدحي فيه قاصر ، الاستاذ حسن الذي طالما افادنا وامتعتا سنين طويلة في مدرسة سماهيج فهو نعم المدرس القدير والمتبحر في التاريخ وبعد التدريس انتقل الى الاشراف التربوي فزاده ذلك خبرة في الحياة ، موضوع شيق ومفيد ونحتاج له في الوقت الحالي ، فجزاك الله خيرا ونتمنى الاستمرار في هذه المواضيع وخصوصا في جردتنا الغراء المتميزة الوسط

اقرأ ايضاً