العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ

«حمّى رمضانية» ... ما الذي يدفع الناس إلى استهلاك أكبر؟!

رؤى وأفكار وتصورات مختلفة

هل صحيح أن شهر رمضان المبارك هو شهر القرع والباذنجان، وأن الصائم يجب ألا يتكلف فيه غير سعر الخضراوات والفاكهة، والحاجات الضرورية، وهل صحيح أننا نحن البحرينيين نُقبِل على شراء لوازم الشهر الفضيل بهوس ما بعده هوس، وكأننا مصابون بحمى استهلاك رمضاني مخيف؟ اذ يندر أن ترى صائما يقتصر على حاجاته الضرورية موجها اهتمامه بالدرجة الأولى الى ما يعود عليه بالخير الوفير وليس بالتهام ما لذّ وطاب من مأكولات تتحول فيما بعد إلى آلام وأوجاع واضطراب نفسي وجسمي.

في هذا التحقيق تقف «الوسط» موقفا وسطا لتستمع الى وجهات النظر المختلفة، ما بين مستهلكين يرون أن ليس لهم حيلة في اندفاعهم هذا، وتجار مبررين أسعار بضائعهم التي تحمل الكثير من العروض التجارية التي تغري باستهلاك أكبر، وآخرين ينحون باللائمة موضحين وجهة نظرهم الرافضة بشدة لهذا المرض الغريب.

المستهلكون

الناس منتشرون في كل جانب من جوانب هذه السوق المغلقة، أناس يفدون وآخرون يخرجون، وكل ذلك استعدادا لشهر رمضان المبارك.

هناك قابلنا جعفر باقر، مدرس أول في احدى المدارس الابتدائية، وسألناه بداية، هل يشكل شهر رمضان المبارك ضغطا على موازنته؟ فأجاب: «بلا شك، فمصاريف شهر رمضان مرهقة لموازنة الفرد منا ، فالى جانب اللحوم التي نضطر الى شرائها كل يوم والدهن الذي يحتاج الى موازنة خاصة، هنالك الأطعمة المتنوعة على المائدة الواحدة، ناهيك عن مصاريف أخرى لا تنتهي، وكل هذا في الواقع مدعاة إلى استهلاك أكبر، ولكنني أرى أن المنافسة التي جاءت بفعل وجود مجموعة كبيرة من المحلات التجارية خففت كثيرا على المستهلك البحريني، فقبل خمس أو ست سنين من الآن كانت الأشياء غالية الثمن، فكنا مثلا نشتري ماعونا صغيرا للمهلبية بدينار، ولكن نتيجة هذا التنافس أصبحنا نشتري ثلاثة عشر واحدا بسعر واحد، فالعروض التي تروج لها مؤسسة تجارية تقابلها عروض أخرى أكثر سخونة من مؤسسات أخرى، وكل ذلك في مصلحة المستهلك البحريني.

أما زهير سيد حسن، مدرس هو الآخر، مرافق لجعفر، فلا يتفق مع هذا الرأي: «أنا لا أتفق مع الرأي السابق في أن العروض جاءت في صالح المستهلك، فهي في جانب كبير منها، جاءت في غير مصلحته» ويسأل: «هل كل البضائع التي تطرح في الأسواق أيام الشهر الفضيل ذات جودة عالية؟ فالبضاعة الغالية غير البضاعة الرخيصة، والتاجر ليس بالغبي لكي يشتري شيئا غاليا ثم يبيعه بسعر رخيص، وتجار موطن البضاعة أيضا ليسوا أغبياء لكي يصنعوا شيئا مميزا ثم يبيعونه بسعر منخفض لا يربحون فيه الشيء الكثير».

على جانب آخر أبدت عائشة سعد ارتياحها لهذه الأسواق والعروض الترويجية المصاحبة لها، فقالت: «هنالك نقطة يعيشها الناس ولكنهم يغفلون عنها دائما، فشهر رمضان المبارك شهر تحتاج فيه النفوس الى الترويح والى قضاء أوقات سعيدة، فهو شهر متعب بسبب الانقطاع عن الأكل والشرب ونحن نحتاج فيه الى شراء البضائع المتنوعة والكثيرة في كل يوم تقريبا».

أما ابراهيم راشد العشيري، موظف ورب أسرة، فيرى أن حمى الاستهلاك الرمضاني خلقت جملة من المشكلات للمستهلك محدود الدخل، فهو يرى أن «البحريني محدود الدخل أصبح وبفعل العادات والتقاليد في هذا الشهر، يضغط على نفسه كثيرا، وليت الأمر اتخذ منحى مفيدا كتوزيع المال على الفقراء والمحتاجين، بينما للأسف أصبح الانسان فقير الحال يستلف لأجل صنع مائدة كبيرة يستطيع من خلالها توزيع المأكولات على الأهل والجيران أسوة ببقية الصائمين».

ويضيف «لست ضد هذه العادات، ففيها من الحب والتسامح الشيء الكثير، ولكن المشكلة أن الكثير من الناس لا يرحمون هذا الفقير من الانتقاد، لذلك يلجأ الى شراء حاجات تفوق طاقته المادية».

تجار المفرق

جواد يوسف حسين، صاحب إحدى البرادات قال: «من الملاحظ أن نسبة الشراء في شهر رمضان المبارك وخلال السنوات القليلة الماضية تراجعت بشكل ملحوظ، والسبب منافسة المجمعات التجارية والأسواق الشعبية (...) والمشكلة أننا لا نستطيع مجاراة المؤسسات الكبيرة في عروضها وأسعارها». وينحي يوسف سلمان، صاحب برادة هو الآخر، باللوم على الجهات المسئولة لأنها لا تتصدى للباعة المتجولين، فهو يراهم السبب في تراجع مبيعاتهم في كل أشهر السنة، وخصوصا في شهر رمضان، ويضيف «هؤلاء البائعون الذين ينتشرون في كل مكان؛ في الأحياء وعلى مداخل القرى قد قطعوا أرزاقنا اذ إن غالبيتهم يبيعون الخضراوات والفواكه (...) لقد أصبحت الحياة صعبة فعلا بسبب هذه الظاهرة».

تجار الجملة

يقول مجيد يحيى (تاجر جملة): «هنالك مواسم يكثر فيها البيع، ومواسم أخرى يتراجع فيها البيع بدرجة خطيرة، إذ إننا نوفر جميع البضائع على مدار السنة، ولكن لا تكون حركة السوق قوية إلا مع اقتراب شهر رمضان المبارك، بينما في بقية الأيام العادية، يختلف الأمر كثيرا، وهذا راجع إلى عدم تفهم المستهلك البحريني طبيعة السوق، والى عدم وجود التنسيق الجيد بين احتياجاته الضرورية وكمالياته.

ويعلق هاشم السيد، على ارتفاع الأسعار في شهر رمضان المبارك بقوله: «ان ارتفاع أسعار السوق يتحمل تبعته المستهلك وليس التاجر، فالمستهلك كثيرا ما يسأل التاجر عن سبب ارتفاع سعر هذه البضاعة في شهر رمضان المبارك، بل ان بعضهم يتقدمون الى ادارة حماية المستهلك بطلب التحقيق مع التاجر بخصوص هذه البضاعة أو تلك التي ارتفع سعرها، والاجابة في الواقع يدركها كل مستهلك بحريني بصير، فإقبال الناس بكثرة على شراء البضائع وتخزينها، يجعلها تنفذ بسرعة من الأسواق، ما يضطر التاجر الى استيراد بضاعة من بلد قريب، وهذه البضاعة اشتراها التاجر الأول من بلد بعيد، ودفع فيها سعرا مرتفعا فبالتالي سيبيعها بسعر أعلى للتاجر البحريني الذي سيبيعها في المقابل الى المستهلك البحريني، وتكون حينئذ بسعر مرتفع، فليس للتاجر أي دخل في هذه المسألة».

إلى ذلك قال رئيس قسم صحة الأغذية بوزارة الصحة عبد الله أحمد عبدالله: «الملاحظ أن المستهلكين البحرينيين يشترون كميات كبيرة من المواد الغذائية في رمضان، ويندفعون في الأكل اندفاعا كبيرا، فما المبرر لشرائها بهذه الكمية الكبيرة، مع أنها متوافرة باستمرار والحمد لله، كما أن تخزينها طوال الشهر الكريم يكون سببا في تلفها، أما اذا كانت غير طازجة فهي تستهلك مكانا ومساحة كبيرة في الثلاجات والفريزرات، والحقيقة أن التوعية الصحية والاستهلاكية مهمة جهات عدة، و يجب على المستهلك أن يهتم بدراستها ومعرفتها، ونحن في قسم صحة الأغذية نقيم الدورات وورش العمل باستمرار ونحاول ما استطعنا النصيحة والارشاد، ولكن أين المستهلك الذي يعمل بها.

من جانبه قال القاضي جلال الشرقي: «شهر رمضان شهر التربية الروحية وتزكية الأنفس، والروح غذاؤها العبادة وذكر الله وقراءة القرآن، وليس الاكثار من الطعام والشراب، لذلك نصيحتي للصائمين أن يقللوا ما أمكنهم من شراء السلع الرمضانية، وأن تقلل المرأة المسلمة من تنويع المأكل والمشرب على الموائد، اذ عليها الاهتمام بتنويع الطاعات والواجبات الدينية، والرسول (ص) يقول: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وكأنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يبين لنا كيف أنه باستطاعتنا تطهير أنفسنا بالعبادة، وتطهير أجسامنا عن طريق الامتناع عن الأكل الزائد، وفي ذلك مدعاة حقيقية الى التفكير في فقراء المسلمين ومعاناتهم، والتعويد على الصبر

العدد 416 - الأحد 26 أكتوبر 2003م الموافق 29 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً