العدد 485 - السبت 03 يناير 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1424هـ

القوة العسكرية وسيلة بوش لفرض سياسته الخارجية العام 2004

فيما يتراجع نفوذ أميركا في شوارع وعواصم العالم

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

حدد الرئيس الأميركي جورج بوش أهداف حكومته للعام الجديد الذي سيشهد في نهاياته انتخابات رئاسية أيضا، بأنها ضمان أمن الولايات المتحدة ونشر نفوذها في عالم محاصر بما يسميه «الإرهاب». واصفا سياسته الخارجية بأنها سياسة ستجابه التهديدات المحدقة بالولايات المتحدة - من دول أخرى أو خلايا إرهابية - بمساعدة أو من دون مساعدة أو مباركة الحلفاء، وهي سياسة تستخدم القوة العسكرية والدبلوماسية لنشر ما يسميها «الديمقراطية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم كافة».

وقال بوش «إننا سنشجع قوة وفعالية المؤسسات الدولية وسنستخدم القوة عندما تكون ضرورية في الدفاع عن الحرية وسنرفع نموذجا للديمقراطية في كل جزء من أجزاء العالم وعلى أساس هذه الأعمدة الثلاثة سنبني السلام والأمن لكل الدول الحرة في وقت الخطر».

ويرى محللون أن صيغة بوش مع انتهاء العام الماضي قد حققت نتائج مختلطة. فقد نجح في الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلال العراق، وانها حققت تقدما في الحرب على ما تسميه واشنطن «الإرهاب» أيضا. ولكن عندما يتعلق الأمر بالنفوذ فإن بوش وكبار مساعديه يجهدون أنفسهم لإقناع العالم بأن يرى الأمور كما يرونها بالنسبة للقضايا الصغيرة والكبيرة فيما يشهد العالم تصاعدا متزايدا للمشاعر المناهضة للولايات المتحدة.

وقال رئيس مجلس العلاقات الخارجية المرموق ريتشارد هاس، الذي كان في وقت قريب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، إنه «بالنسبة إلى النفوذ، فلم يكن العام 2003 عاما جيدا، لقد حققنا قدرا كبيرا، بمفردنا إلى حد بعيد، لقد كان هناك عرض للقوة الأميركية وليس للنفوذ. فلم نقنع الناس أن يقفوا معنا، ولم نحصل على مشروع قرار ثانٍ من الأمم المتحدة حول العراق، وحصلنا على القليل جدا من الدعم الاقتصادي والعسكري للحرب، ولم يصدر القرار بعد على مدى ما سنكون عليه من النجاح بشأن النفوذ على الشعب العراقي».

ويعتقد ويليام دوغلاس المحلل في مجموعة صحف نايت ريدر أن المسئولين الأميركيين لا يوافقون على مثل هذا التقييم، إذ يشيرون إلى أن الأحداث تظهر نجاح مبدأ بوش، فهم يقولون إن قوات الاحتلال الأميركي اعتقلت الرئيس العراقي، كما أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تعهد بتفكيك برامج بلاده لأسلحة الدمار الشامل، كما أن فرنسا وألمانيا المعارضتين للحرب على العراق وافقتا على التخلي عن جزء من ديونهما على العراق. ويضيف بعض المسئولين الأميركيين القول إن موافقة إيران مع الدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية على عمليات التفتيش المفاجئة على منشآتها النووية قد حدث من دون أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية أو التلويح بها، تاركة الأمر للدول الأوروبية إيجاد حل يرضي واشنطن.

ويعتقد المحلل في مؤسسة هيرتيج (التراث) اليمينية في واشنطن، جون هولسمان أن «الولايات المتحدة منهمكة الآن في قضايا تتعلق ببلد بعد بلد، وقضية بعد أخرى، والولايات المتحدة تتولى دور رئيس مجلس الإدارة».

ويرى سياسيون أميركيون أن النجاحات التي حققتها حكومة بوش لم تكن نتيجة اقتناع العالم بصحة سياستها، بمقدار ما اعتمدت على عرض القوة، فهي قد فشلت في الحصول على دعم دولي لحربها على العراق، إذ لم تفلح عروضها برشوة تركيا بمليارات الدولارات والتي قد تصل إلى 25 مليار دولار، من منح وقروض من التأثير على البرلمان التركي للسماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي التركية مقرا ومعبرا للحرب على العراق. كما أن حلف الناتو رفض طلب واشنطن بلعب دور أكبر في العراق. ويعزو الرئيس الديمقراطي الأسبق للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي، لي هاملتون ذلك إلى «التناقض في القوة الأميركية، فلدينا كل القوة، ولكن لا يبدو أننا في قمة النفوذ». وقال هاملتون الذي يترأس حاليا معهد ودرو ويلسون للأبحاث في واشنطن، إنه من أجل أن تكون حكومة بوش قادرة على تحقيق النفوذ ينبغي عليها أن تكون راغبة في التوصل إلى حلول وسط وهو لم يكن قضيتها القوية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. مضيفا «إن المنظار الذي يرى فيه الرئيس بوش من خلاله السياسة الخارجية هو الحرب ضد الإرهاب. وبقية العالم لا ينظر إلى هذه الحرب من نفس المنظار».

ويقدم محللون وخبراء في السياسة الخارجية العلاقات مع المكسيك كنموذج لضعف النفوذ الأميركي، إذ تسبب اختلاف وجهات النظر في إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية. فبعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أوقفت الولايات المتحدة تقريبا محادثاتها مع المكسيك بشأن اتفاق جديد خاص بسياسة الهجرة تشتمل على برنامج «عمال ضيوف» ومنح صفة الشرعية لعشرات الآلاف من المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. فبينما يعتقد الرئيس المكسيكي فيسينت فوكس أنه سواء كان هناك إرهاب أم لا فإن سياسة الهجرة يجب أن يكون لها الأولوية، فإن البيت الأبيض يرى الأمور خلاف ذلك. وعارض فوكس آنذاك الحرب على العراق وقام المندوب المكسيكي الدائم لدى الأمم المتحدة من خلال عضويته في مجلس الأمن، بأعمال اللوبي مع الدول الأخرى للتصويت ضد الحرب.

وقد أظهرت أحداث بوليفيا الأخيرة، التي أسفرت عن استقالة رئيسها المدعوم أميركيا، غونزالو سانشيز دي لوزادا، ضعف النفوذ الأميركي حتى في القارة التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية، ففي الوقت الذي حث فيه البيت الأبيض دي لوزادا على تحدي المظاهرات الشعبية المطالبة برحيله والبقاء في منصبه، فإن البرازيل التي على خلاف مع واشنطن حول مسائل تجارية، نجحت في مساعيها بإقناع مجلس النواب البوليفي على طرد دي لوزادا واستبداله بنائبه كارلوس ميسا الذي ينظر إليه كمتشدد إزاء واشنطن، ويحبذ دعوة البرازيل للاندماج الإقليمي، وليزداد عدد الرؤساء في أميركا الجنوبية المناهضين لسياسة الولايات المتحدة.

وقال هاس «لقد اصطدمنا بجدار بشأن الجبهة التجارية. وفي أحسن الأحوال فإن العلاقات بين أميركا اللاتينية والولايات المتحدة أخذت تتجه نحو الأسوأ».

وقد أظهر استطلاع واسع للرأي أجراه في شهر يونيو الماضي مركز أبحاث بيو الذي تترأسه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت أن الحرب على العراق وتجاهل وجهات نظر الآخرين في العالم والطريقة التي تلعب بها الدور القيادي، قد عمقت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم.

ويظهر الاستطلاع أن أكثرية العالم الإسلامي لا يرى في بوش وسيطا نزيها في مساعي تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، لأنه عزل سياسيا ياسر عرفات، في الوقت الذي لا يمارس فيه ضغطا على رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون الذي لم يبد أي دلائل على وقف حقيقي للاستيطان اليهودي، وبناء جدار الفصل الذي يقضم أراضي الضفة الغربية ويزيد من تقسيمها. ويرى المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط إدوارد ووكر أن «الموقف لم يكن أسوأ مما عليه الآن في المنطقة تجاه الولايات المتحدة ككل، فقد كان لدى العرب توقعات كبيرة من هذه الحكومة وخصوصا بوش ونائبه تشيني، ولكن الآن فإنهم يعتقدون أن الحكومة سقطت في سياسات شارون وهي متجاهلة للعالم العربي».

وقد وصل الأمر بوضعية أميركا في العالم في عهد بوش إلى أن لدى الرجل العادي في الصين التي تتمتع بعلاقات دافئة مع الولايات المتحدة، صورة ليست جيدة بشكل عام عن أميركا. وقال فيكتور يوان، رئيس مركز أبحاث «هورايزون» المتخصص في الشئون الصينية إن 80 في المئة من الشعب الصيني يعتقدون أن أميركا هي أهم شريك اقتصادي للصين فيما يعتقد 20 في المئة فقط انها شريك استراتيجي. وبينما يعتبر 30 في المئة من الصينيين أن الولايات المتحدة عدو فإن ثلثي الشعب الصيني يحملون انطباعا سلبيا عن الغزو الأميركي للعراق

العدد 485 - السبت 03 يناير 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً