العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ

إيران ودول الخليج: عناصر الخلاف ومقومات الوئام (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثار خبر نجاح إيران في إطلاق أول أقمارها الصناعية، الذي حمل اسم «أوميد» بالفارسية ومعناها «الأمل»، والذي اعتبرته طهران «إنجازا آخر في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها»، ضجة كبيرة في الأوساط العالمية والإقليمة، بما فيها العربية والإسرائيلية. فقد اجتمعت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا لبحث الملف النووي الإيراني برمته ومن جديد. وتميز الموقفان الأميركي والفرنسي بحدتيهما، التي لم يتجاوزهما حدة سوى الموقف الإسرائيلي، والذي جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك الذي طالب المجتمع الدولي بتشديد العقوبات على طهران، ملمحا بأن «الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إقناع إيران بالتخلى عن برنامجها النووي يجب أن تقترن بتحديد موعد نهائي يمكن بعده فرض عقوبات صارمة».

لقد اعتبرت واشنطن في القمر الصناعي الإيراني خطوة سوف تمكن طهران من تطوير صواريخها البالستية، واسترجعت من أجل ذلك قرار مجلس الأمن رقم 1718 الذي يحظر على إيران كل نشاط يرتبط بإنتاج الصواريخ، معتبرة الخطوة الإيرانية «مصدر قلق شديد» بالنسبة لها. وشاركت بريطانيا الولايات المتحدة مخاوفها، مؤكدة على أنها بصدد دراسة الموضوع، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن «القلق الذى تمثله إيران كبيرا للغاية». وصرحت ناطقة باسم الوزارة، «لا زلنا نجري تحاليل تقنية حول إطلاق الصاروخ الإيراني».

المثير للانتباه كان الموقف الفرنسي، حيث كانت باريس أول المبادرين إلى مهاجمة الخطوة الإيرانية معتبرة أن التكنولوجيا المستخدمة فى عملية الإطلاق قريبة جدا من تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات. وجاء على لسان متحدث باسم الخارجية الفرنسية، بإن «إطلاق هذا القمر يثير قلقنا».

ومن المعروف بأن مجلس الأمن الدولي كان قد فرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب برنامجها لتخصيب اليورانيوم. ولكن هذه العقوبات أو التهديد بفرض عقوبات أشد لم يثن إيران عن الاستمرار في هذا البرنامج. وهذا يفسر الأهمية التي تعطيها إيران لإطلااق هذا القمر الصناعي الذي لم تكف طهران عن ترديد، ما رددت بثه وكالة الانباء الإيرانية الرسمية بأن القمر «صنع بكامله في إيران وهو مخصص للاتصالات مع محطة أرضية لإجراء قياسات مدارية، معتبرة ذلك بمثابة إنجاز آخر في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها».

وإذا استثنينا «إسرائيل»، فمن الطبيعي أن تكون دول الخليج العربي أكثر الدول عرضة للتأثر، سلبا أو إيجابا، بهذا الإنجاز الإيراني، نظرا لأسباب كثيرة لعل أكثرها وضوحا هو القرب الجغرافي والتداخل السكاني. لذلك، فمن الطبيعي أن يكون الحدث الإيراني على طاولة البحث في صفوف المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بالأمن الإقليمي، سواء على المستوى الوطني القطري بما فيها إيران، أو الخليجي الإقليمي. ولا بد لمن يريد أن يرسم إطارا للعلاقات الخليجية الإيرانية، في ضوء إطلاق إيران لقمرها الصناعي «أمل»، أن ينظر لها في إطارها المستقبلي أولا، وفي نطاق التطورات المحتملة لمنطقة الشرق الأوسط ثانيا، دون أن يغفل خلفياتها التاريخية ثالثا، وليس أخيرا.

من يقرأ تاريخ العلاقات العربية - الإيرانية، وعلى وجه الخصوص الحديثة منها التي تمتد منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية، بوسعه أن يجيرها لصالح الاستنتاجات التي يريد أن يتوصل إليها، فهي مليئة بالتعرجات، وتكثر فيها مراحل الصعود والهبوط، وتتأرجح بين الهدوء التام، والتوتر الذي يكاد أن يصل إلى الصدام المسلح كما حصل في حالات الجزر الإماراتية. هذا يجعل تلك العلاقات تمسك بالكثير من مقومات الوئام والتعاون، لكنها بالقدر ذاته مليئة بعناصر الصراع والتناحر. كل ذلك رهن بطبيعة الأنظمة القائمة على ضفتي الخليج والعلاقات الطولية التي تحكمها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

فالمواطن العربي، لا يمكنه أن يقفز أو أن يمحو من ذاكرته تلك العلاقات الوثيقة القائمة بين طهران وتل أبيب خلال حكم الشاه الذي امتدّ من منتصف الخمسينيات بعد إسقاط حكومة مصدق في طهران، وحتى نهاية السبيعينيات عندما أطاحت بحكمه الثورة التي قادها الإمام الخميني، وما تلا ذلك من طرد «إسرائيل»، وتدشين العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وانخراط طهران، منذ ذلك الحين، في تأييد الفلسطينيين في نضالهم ضد العدو الصهيوني. وفي السياق ذاته لا يستطيع المواطن العربي أن يقفز فوق إرسال الشاه قواته كي تسحق الثورة العمانية في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

وفي الاتجاه ذاته، لا يمكن أن نمحو من ذاكرة التاريخ العربي، دور إيران، في منتصف الخمسينيات، وبرعاية مباشرة من واشنطن، في محاولات تأسيس نظام عسكري إقليمي هدفه السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، والذي عرف حينها بمنظمة الحلف المركزي (CENTO)، على نمط الناتو، والتي أسقطه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. لكن، ولكي نكون منصفين عند قراءتنا لتاريخ تلك المرحلة، فقد كانت الخطوة الإيرانية، مباركة من نظام بغداد حينها، قبل أن تطيح به ثورة يوليو/ تموز 1958 العراقية. ومنذ ذلك التاريخ، عرفت العلاقات العراقية - الإيرانية تواترات متواصلة لم تخفف من غلوائها إتفاقية الجزائر 1975، ووصلت التوترات قمتها في الحرب الإيرانية - العراقية في نهاية السبعينيات.

المطلوب اليوم النظر لهذه الخطوة الإيرانية في ضوء موازين القوى القائمة في الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، وإلى أي مدى يمكن أن يكون الحدث الإيراني عاملا إيجابيا في صالح العرب ومن ثم ترجيح الكفة العربية في ذلك الصراع

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً