العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ

اقتصادات النخلة: المنتجات المصنوعة من العذوق

سبق وذكرنا أن العذق يتكون من جزأين أساسيين العرجون والذي تسميه العامة (العسگة) وهي عصا العذق التي تحمل زوائد طويلة تحمل الرطب تسمى شماريخ. ويمكن الاستفادة من العذق بثلاثة أشكال أساسية بحسب الجزء المستخدم، فيمكن أن يستخدم العذق كاملا بعد أن يجف ويسمى حينها (العسو) وجمعها (اعساوه) أو يستفاد من العسگة أي العرجون، أو الجزء من العرجون الذي يبقى مثبتا في النخلة عندما يقطع العذق وتفصيل ذلك كالآتي:

أولا: الكيكانة

الكيكانة والجمع كيكان وهي كما أخبرني عنها أحد أصحاب المهنة أنها بقايا العرجون التي تبقى ملتصقة بالنخلة بعد أن يتم قطع العذق، فبعد عملية الصرام يبقى هذا الجزء الصغير من العرجون حتى يجف وعندما يتم قطعه يجمع ويستخدم كوقود.

ثانيا: العرجون

ويستفاد من العرجون بثلاث طرق مختلفة، الأولى: وذلك بتحضير ألياف العرجون ولها استخدامات معينة أما الطريقة الثانية فهي تحضير عيدان العرجون وهذه أيضا لها استخدامات أخرى وأخيرا يمكن أن يستفاد من العرجون نفسه دون تقطيعه ويمكننا تفصيل كل ذلك كما يلي:

1 – تحضير ألياف العرجون

تم توثيق طريقة تحضير الألياف من العرجون في شرق الجزيرة العربية والكويت وغيرها من دول الخليج وقد سألت أهل الصنعة في البحرين ممن لديهم خبرة طويلة في الزراعة وملخص ما جمعته من معلومات يتضمن ثلاث طرق أساسية لاستخلاص الألياف من العرجون والتي ربما تستخدم مباشرة دون فتال أو تفتل ليصنع منها حبل وهنا سنتحدث عن كلا طرق التحضير أي تحضير الألياف واستعمالها مباشرة والثانية تحضير الألياف وفتلها في حبال:

أ - تحويج العرجون

يتم ترطيب العرجون وذلك بوضعه في الماء حتى يتشبع بالرطوبة ومن ثم يتم تحويجه وهي عملية تتم على خطوتين، الأولى الضغط على العرجون بقطعة خشب لكي تتكسر الأنسجة الداخلية ومن ثم تتم عملية لي العرجون فتتحرر الأنسجة التي يتم سلها باليد ومن ثم استخدامها كأربطة تستخدم في ربط السعف في حالة بناء الحظار أي السور المبني من السعف أو الجريد في حالة بناء سور من الجريد أو بناء العريش أو قد تستخدم في ربط حزم السعف والعلف مثل القت والحشيش.

ب – صناعة الحبال من العرجون

وتبدأ عملية صناعة الحبال من العرجون بترطيب العرجون والتي تتم بطريقتين إما أن تنقع في الماء و(تشلخ) أي تقسم طوليا إلى عيدان طويلة ورفيعة وتبرم مع بعضها لصناعة حبل أو أن يتم دفنها تحت الرمل بالقرب من ساحل البحر لعدة أيام لتتشرب بالماء ويسهل تفكيكها واستخدام أنسجتها، بعدها يتم إخراج العرجون من الأرض ويتم ضربه بقطع كبيرة من الخشب حتى يتفكك ويتحول إلى ألياف، بعد ذلك تبدأ عملية فتل الحبال بنفس طريقة صناعة الحبل من ليف النخيل. ومن الحبال التي تصنع من ألياف العرجون حبل (التلاي) الذي يستخدم في مراكب الغوص وهو حبل يربط بكربه ويربط طرفه الآخر بالسفينه فإذا خرج الغواص من الماء بدون حبل الإيدة (الذي يأخذه معه أثناء البحث عن اللؤلؤ) يذهب إلى هذا الحبل بعد أن يشاهد الكربه ويمسك به لكي لا يجرفه التيار بعيدا إلى أن يجره أصحابه بقوة إلى سطح السفينه، ويصل طوله إلى 20 باعا أو 40 مترا تقريبا. كذلك حبل (الزيبل) الذي يمسكه السيب لإنزال الغيص وحبل (الإيدة) الذي يمسك به الغيص أثناء تحركه بحثا عن المحار في قاع البحر كلاهما مصنوعان من ألياف العرجون.

2 – تحضير عيدان العرجون:

يتم تحضير عيدان العرجون وذلك بترطيب العرجون حيث تنقع في الماء و(تشلخ) أي تقسم طوليا إلى عيدان طويلة ورفيعة وتستخدم هذه العيدان في الكثير من الصناعات منها:

أ- صناعة القرقور:

وهو وعاء شبه مكوّر له فتحة صغيرة يستخدم لصيد الأسماك، حيث يصنع من عيدان العسق المتداخل في بعضه البعض، ويطرح في البحر وفيه بعض الأعشاب، فتأتي الأسماك وتدخل من فتحتة الصغيرة ثم تظل طريقها عند ما تريد أن تخرج حتى يأتي الصياد إليها، أما الآن فتصنع القراقير من معدن.

ب - الچيسة:

وهي وعاء كمثري الشكل له قاعدة دائرية تستخدم لنقل الدجاج والطيور أو تخزين البصل وتصنع وذلك بجدل عيدان العرجون حيث تُشَبَّك بطريقة تترك فتحات سداسية في القفص الذي يأتـي بشكل اسـطواني منتفخ فـي الوسط يضيق تدريجيا عند الفوهـة. وتُقـوَّى الفوهة بثني حوافها ولفها بعيدان العرجون أكثر من مرة، كما تُقوى كذلك حواف الغطاء الذي يُصنع بنفس الطريقة ليغدو القفص جاهزا لوضع الدجاج أو الحمام بداخله، أو لتخزين البصل وحفظه فيـه معلقا بعيدا عن وصول الحشرات إليـه. وفي كتاب «من تراث البحرين الشعبي» ذكرت الچيسة باسم القرقورة (المدني والعريض 1994) وورد في الكتاب أنها تصنع من العذق أيضا، إلا أن البعض يزعم أنها تصنع من جريد النخيل وفي كتاب عن الحرف في الكويت وضعت صورة للچيسة البحرينية إلا أن مؤلف الكتاب زعم أنها تصنع من جريد النخيل (جمال 2003) ولا أعلم سبب حدوث هذا اللبس.

ج - مخرفة رطب:

وهي وعاء عريض قوي له شكل جميل، يأخذه الفلاح إلى أعلى النخلة ويخرف فيه الرطب اذا يضعه على ربق (الكر)، ويستند إلى سيجة الكر ويخرف حتى يملأه ثم ينزل به وهو على رأسه. وقد تحمل المخرفة من 4 إلى 32 كيلوجراما من الرطب، وقد يستهلك في صناعتها 2-8 من العسق.

د – صنع السرجة:

السرجة تعني العلامة أو الزينة وقد اشتق الاسم من فعل التسريج وفي اللغة سرج الشيء أي زينه واصطلاحا هي عملية سرج أو ربط فم القلة في أعلاه بعيدان العرجون الرفيعة بحيث تسرج كل قله لصنف من التمور بشكل معين، وذلك حتى يمكن التعرف على محتويات القلة دون فتحها ولتمييزها بسهولة عند تخزينها في الچندود، فمثلا صنف الغره سرجته مفتولة ومربوطة، أما صنف البچيره فغير مربوطة وهكذا.

ثانيا: استخدام العرجون في تصنيع ألعاب الأطفال

يستخدم العرجون في صنع بعض ألعاب الأطفال ومن أمثلة ذلك:

1 - الگرگعانه (القرقعانة):

وهي عبارة عن قطعة صغيرة من عرجون أخضر طولها في حدود 10 سم «تشلخ» طوليا من رأسها إلى منتصفها «شلختين» ثم تهز فتحدث صوتا محببا للأطفال، وإذا يبست فإنها تستخدم كوقود. وقد سميت بهذا الاسم بسبب القرقعة أو الصوت الذي يصدر منها، ويرى البعض أن استخدام هذه اللعبة قد ارتبط بمناسبة النصف في شعبان وكذلك النصف في رمضان ومنها تم اشتقاق مسمى (گرگعان) أي قرقعان لهذه المناسبة وهذه نظرية تحتاج لتمحيص فهناك نظريات أخرى وسنناقش كل ذلك في فصول لاحقة خاصة بهذه المناسبات.

2 – السهم (القوس):

لعبة أطفال أخرى على شكل قوس وهي عرجون يابس كامل على شكل نصف دائره يوصل بين طرفاها بحبل أو قطعة من الإطار الداخلي الذي يوضع داخل عجلة الدراجات أو السيارات، ويتم إحداث ثقب في وسط العرجون لوضع السهم.

ثالثا: العسو

بعد أن يخرف بسر العذق أو ينفض العذق حتى يتساقط كل التمر الذي فيه فيبقى العرجون مرتبطة بالشماريخ فقط حينها يطلق على العذق اسم (عسو)، وهناك من يخصص كلمة (عسو) بالمكنسة التي تصنع من العذق الجاف، ولفظة عسو وردت في اللغة ويبدو أن المقصود بها في الأساس الشماريخ اليابسة كما جاء في تاج العروس:

«عسا النباتُ عساء وعسوّا، كعلُوَ، وعسِيَ عسا: غَلُظَ ويبِسَ واشتدَّ، وعسِيَ النباتُ كَرَضيَ عسى يبِسَ واشتدَّ، لُغةٌ في عسا يعسو، نقلَهُ الجوهريُّ عن الخليلِ. والعاسي: النَّخْلُ وقالَ أَبو عبيدٍ: شمراخُ النَّخلِ؛ نقلَهُ الجوهريُّ، وهي لُغةُ بالحارِثِ بنِ كعبٍ».

ويبدو أن لفظة عسو مرت بعد ذلك بتعميمات وتخصيصات حتى ثبتت بمعنى العذق اليابس الذي ازيل الرطب من شماريخه. ويستخدم العسو في الأمور التالية:

1 – صنع مكنسة:

حيث يستخدم العسو في الكنس ويساعد في ذلك وجود عيدان الشماريخ الكثيرة والقوية ويتم تصنيع المكنسة التي تسمى (عسو) أيضا من العذق وذلك بعد أن يتم قطع العسقة وترك جزء بسيط منها بعد ذلك يتم ترتيب الشماريخ بصورة معينة وربطها.

2 - وقود:

يستخدم كوقود للطبخ أو لإيقاد التبغ في (النارجيلة) وهي أداة التدخين لدى الرجال.

ثقافة العسو

ليس من الغريب حدوث ارتباط عاطفي بين أداة وأشخاص حيث تتغلغل هذه الأداة دون شعور وترسم طريقها لتلامس الكثير من السمات الثقافية للجماعة وكأنها تريد أن تخلد نفسها أو تعيش لأطول فترة ممكنة في وجدان الجماعة، هكذا هو (العسو) الذي أكد وجوده في تراث الخليج العربي بتسربه للأمثال والألغاز الشعبية حتى تغنى البعض به وألف فيه الأشعار، وقد قرأت موضوعا طويلا بل بحثا مطولا في (العسو) إلا أنه للأسف الشديد قرر كاتب البحث (وهو من شبكة هجر الثقافية) أن يبقى مجهولا، لقد تعمق هذا الكاتب في ثقافة (العسو) وذكر الكثير من الأشعار فتجد من الشعراء من يتغزل في (العسو) وآخر يرثيه وآخر يجعل منه رمزا للتراث المنسي ويتحسر على ضياع ذلك التراث، فدعونا نأخذ من ثقافة (العسو) مثالا على ما ضيعناه من تراث. لقد جعل صاحب البحث المجهول (العسو) من مستلزمات الحياة اليومية التي لا غنى لنا عنها فيستحضر المثل الشعبي:

«لا مثل ضمّة الأم من ضمّة .. ولا مثل العسو من مخمّة»

ثم يعود الكاتب ليؤكد هذه الحقيقة من خلال الألغاز الشعرية في (العسو) منها ما ذكره عن الحاج مطر بن علي وذلك في أحجيّة شعريّة:

وَشيءٌ منْ حضارتنا عظيمٌ لَهُ في ساحةِ التاريخِ صَوْلَة

يحبُّ الخمَّ والتنظيفَ حبا وَأصلُهُ إنْ طَلَبتَ الأصلَ نخلَة

اُصيبتْ عينهُ اليمنى بِعينٍ كَما طَرَقَتْ لَهُ في الرِّجْلِ عِلَّة

فَفكّوا إخوَةَ الإيمانِ جمْعا طَلاسمهُ لكيْ تعطونا حلَّه

ونختم هنا بالمجادلة الشعرية التي ذكرها الكاتب المجهول بين الحاجة كاظمية والحاجة خاتون عن نسيان جيل اليوم تراثهم المتمثل في (العسو) والمجادلة هي أن تقول الأولى بيتا فتجيبها الأخرى ببيت آخر يكمله وهي كالتالي:

لمْ أر جيلَ الشبابِ اليوْمَ إذْ ثوبَ دُنياهم جميعا أُلْبِسوا

إنهم قَد خرَجوا عن سيرهمْ وعلى أعقابِهم قَدْ نكِّسوا

ضيعوا أمجادَ ماضيهم وفي شهواتِ الدُّنيا جهلا أُرْكسوا

إنـنيْ أخشى عليهم في غَدٍ مثلما يبلسُ العاصيْ يبلسوا

إنَّ ما يقْرِحُ قلبيْ بالأسى أنْ أراهمْ جهلوا قَدْرَ العسو

حكَمَ الدَّهرُ أيا صاحبتيْ إنْ نسوا تراثَهمْ طُرّا نُسُوا

العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:20 م

      تحية حب

      بسم الله الرحمن الرحيم تحية اكبار واجلال لشخصكم الكريم. اتمنى ان اتعلم هذه الحرف . تحيتى لك اخوك عمر من تونس.

اقرأ ايضاً