العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ

فيصل لعيبي لا يفارق عشقه القديم

بعد أن أقام معرضه المشترك قبل ثمانية أعوام مع مجموعة فنانين عراقيين في البحرين يعود فيصل لعيبي مرة أخرى ليقيم معرضه الثنائي مع الفنان العراقي مظهر أحمد على صالة دار البارح.

يعد فيصل لعيبي من الفنانين العراقيين البارزين على الساحة التشكيلية، وله بصمته الخاصة في معالجة التراث العراقي مع مجموعة من القضايا المختلفة, فيثير في زوبعة أعماله استرسال البيئة العراقية المشحونة بالعبء الزمني الذي خلفته توابع الأيام, ويشير إلى عناصر البيئة التي لوثتها الموضة والتطور واستمرار عجلة الحياة المنهمكة في التسارع وخلق البدائل المطلقة لكل ما تنال منه لتتغير المشاهدات رأسا على عقب.

يستعير الفنان مرآة الواقع السهل الممتنع في نماذج أطروحاته الفنية ليحاكي الواقع بمفهومه الخاص المليء بالمشاحنات الفكرية والانتمائية لحب الوطن, فإن العمل الكبير ذا الطابع المأساوي الذي يصور فيه النساء الثواكل يحملن متاع حزنهن كفرض عين في تشييع شهدائهن المعززين, يا إلهي ما أروع تصويرهن وتمثال الجبروت متقوقع خلفهن ويمرحن خدمة وحشمة عليه لتلطيف حرارة الجو من حوله, هذا العمل الذي عرضه سابقا وأشار إلى مثيلاته في عرض (السلايدات) لمجموعة من أعماله في مراحل مختلفة, فياترى هل يبحث فيصل عن تراث قد ولى واندثر فينبش في مخلفاته وما بقي به من أثر أو ذرة للحياة؟ أم هل يريد أن يخبر بأن هذه الخصوصيات المحلية هي رمز لحضارتنا التي تسلب بين الفينة والأخرى, فبائع الخضرة وصابغ الأحذية وأدوات الحياكة والماكينة... كل هذه مطروحة في أعماله بصيغة ماذا.

أشكاله يغلب عليها طابع التسطيح في الشكل، فمعظم الأشياء مسطحة وتتوزع المساحات الواسعة والناعمة في أرجاء اللوحة, اللوحة لا تبدو منذ النظرة الأولى أنها مقلقة للفنان لنعومة سطحها وجمالياتها إلا أن المشاهد يخلق عنده فكرة مغايرة عندما يذهب إلى الأبعاد الأخرى في اللوحة ليجد نماذجَ ويوميات المجتمع البسيط فرضت على شخص فيصل أن يوظفها في مواضيعه متلازمين بين الكتلة والفراغ من موروثه الغني بالتناقضات وكذلك يلازم بين العتمة والنور أو بين الموت والحياة في آن واحد.

إن مضمون العمل إن تعددت ترجمته وفلسفتة المعنوية إلا أنه لا تتعدد فيه الأبعاد الشكلية, فمعظم أعماله تتوقف عندها العين ولا تسترسل إلى بعد ثالث لتبيح للمتلقي أن يسترسل في مضمون العمل، فهو لا يتوقف عند محطة متصحرة وإنما في جعبته الكثير من الاحتمالات وربما تعطينا الكثير من المضامين التي لم تكن بقاموس الفنان وهو منشغل في تعبيد عمله, ولاسيما تلك النظرات التي تغلب على أعماله بإيحاءاتها بالاستمرارية للحركة من حول المعنيين في داخل العمل, فبطبيعة النظرة الموجهة للعدسة غالبا في أعماله تضفي انطباعا بعلاقة المحاكاة غير المسموعة أو المرئية إن صح التعبير, ومن ناحية أخرى ترشدنا تلك العناصر الموزعة في ألواحه إلى إيحاءات معنوية عميقة من خلال ترجمتها بالبعد الآخر، فإن صابغ الأحذية وبنطاله الواسع وحذاءه غير المتناسق وثيابه الرثة أو الواسعة التي لا تليق مع بعضها في فصل واحد من الفصول الأربعة, أو تكرار الرؤوس الحليقة والوجوه المتشابهة أو المتقاربة للوجوه الشابة, فكل هذه العناصر تشير إلى ترجمات مختلفة وربكة في التعايش بين المجتمع المتفاوتة طبقاته ومستوياتها المعيشية.

فكما يكون للشاعر أن يستلب من الطبيعة مفرداته الشعرية ليعكسها بمشاعره للآخرين، فهنا فيصل أيضا يتباين معه ويحفر قصاصات ماضيه مموها إلى لعبة التأريخ العفوي, فهو لا يمكلك مفرداته وإنما يستعيرها من جوهر الطبيعة كما أشار ميخائيل نعيمة بقوله: «فلناظم القرويات عين تجول في أفق الحياة ما كان لناظم القرويات مثلها».

ولا يخلو موضوعه من الحس الإنساني ومن تعابير الواقع العملي في شتى نواحيه المترادفة والمختلفة على سواء في جعبة المخزون المتراكم من بلاده التي طلقته ثلاثا ولم يكد يطيق فراقها لو لا القدر...

العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً