العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ

حينما تغزونا الطائفية

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقال إن الرياح والأمواج تسير في توافق دائم مع البحار الأكثر مهارة، إلى أي درجة تستطيع قيادة البحرين وساستها السيطرة على ما آلت إليه البلد من تنامي الشعور بالطائفية.

إذ لم يكن مستغربا ما أدرجه التقرير الاستراتيجي البحريني 2009 من نتائج مفادها ازدياد وتيرة الطائفية في البحرين في قضايا أساسية أهمها الإسكان، والتجنيس، وتلويث البيئة، والتعليم الجامعي.

هناك من يرى أن الانفجار العالمي للهويات أدى إلى ازدياد الاحتقان الديني ومنها تزايد النزاع الطائفي مما يجعل إعادة الهوية على أساس المواطنة من الجهود الأكثر صعوبة، هذا الأمر دفع بالكاتب اللبناني المعروف أمين معلوف بتسمية الظاهرة بـ «الهوية القاتلة»، وعلى الرغم من تفاؤل البعض بان العولمة ستقتل الهوية، لكنها وسعت من فجوتها، بسبب أنها ساعدت بشكل كبير على نشر المعلومة، وأصبح من السهل على الجميع تداولها، مما ساهم في مزيد من التعصب نحو التشابه ورفض المعايير.

الطائفية تعرف - بحسب ما أشار إليه نيكولاس في كتابه «الصراع على السلطة في سوريا» - بأنها التصرف أو التسبب في القيام بعمل بدافع الانتماء إلى مجموعة دينية معينة.

الطائفية ملجأ وملاذ للاحتماء حين يفرز الوطن بحسبها، وحين توزع الاستحقاقات على أساسها، إذ ليس من الصعب تحقيق التوازن بين حقوق المواطنين الأفراد وبين حقوق الطوائف، بين متطلبات المواطنة وبين التعددية الطائفية.

هناك تجارب تاريخية عديدة لحل مسألة تعدد الطوائف والجماعات العرقية والدينية داخل الدولة الواحدة، فيعتبر نظام الملة في الدولة العثمانية الذي صدر في الأول من يناير/ كانون الثاني 1454م في عهد السلطان محمد الفاتح، شكلا من أشكال التعايش السلمي بين الطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية.

ذلك النظام كان قائما على أن لكل طائفة حق إدارة شئونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية، والثقافية، والاجتماعية، وإدارة أوقافها عبر مجلس «ملي» يرأسه شيخ الملة من العلماء والقادة الدينيين المنتخبين من أهل الملة أنفسهم، دون تدخل مباشر من جانب السلطنة، إذ سلطتها تنحصر في الرقابة على الانتخابات.

وأصبح لشيخ الملة بجانب الشق الديني جانباَ إدارياَ وقضائياَ أيضاَ، وصارت لأحكامه قوة القوانين التي تنفذها - إن دعت الحاجة - جنود الانكشارية العثمانية.

وفي العصر الحديث تطالعنا سنغافورة ذات المكونات الاثنية المختلفة من حيث الجنس واللغة والعرق والعادات والتقاليد، إذ يبلغ عدد سكان سنغافورة حوالي 4 ملايين نسمة، منهم 80% من الصينيين، و14% من المالاي، و8% من الهنود، و1% من الأوروآسيويين والأعراق الأخرى.

سنغافورة التي ظهرت للعالم على أنها عبارة عن ميناء يبلغ مساحته 710 كيلومترات مربعة ونالت استقلالها من بريطانيا العام 1957، واتحدت مع ماليزيا العام 1959، وانفصلت عنها بعد ست سنوات، أصبحت الآن من أكثر دول العالم ثراء واستقرارا سياسيا واجتماعيا، وذلك لان الحكومة نجحت في توحيد المجتمع وصهره في بوتقة الوطنية فلا تمييز ولا قيود. ورئيسها حاليا من أصل صيني، ورئيسا الوزراء والبرلمان من المسلمين المالاويين.

ما تعانيه البحرين من نوازع طائفية ليس بعيدا عن السياق التاريخي، والأحداث الإقليمية، إذ تلجأ كل طائفة إلى الدفاع عن نفسها حين يقلل من شأنها أو تمس مصالحها، فعندما أرادت بريطانيا فرض اصلاحات ادارية العام 1923م، لم يرض زعماء من طائفة ما، بل سعوا إلى إحباطه، وبدوا يعقدون الاجتماعات لإصدار عريضة، وقد اجتمع زعماء منهم وتمت صياغة مطالبهم والمتمثلة في إيجاد منفذ للخروج من هذا المأزق، وذلك من أجل إبعاد ضغط الحكومة البريطانية وعدم السماح لها باستغلال نقاط القصور بما قد يؤدي الى تقليل الضغط على طائفة أخرى... وفي المقابل رفع مجموعة من الطائفة الأخرى من خلال ممثليهم لهم عريضة العام 1934م تتضمن مطالبهم والتي كانت أهمها منحصرة في أن يكون لهم تمثيل متساو مع غيرهم في مجلس البلدية ومجلس العرف، كما طالبوا بحقهم في التمثيل في مجلس التعليم الذي حرموا منه لسنوات طويلة. هذا يعطينا فكرة بان وجود طائفتين في البحرين أمر لا يمكن تجاوزه، فلذا ينبغي على الجميع التعامل معه بشكل طبيعي دون اللجوء إليه في حالتي توزيع الاستحقاقات الوطنية أو تحقيق مآرب طائفية، وان يكون الحكم المساواة أمام القانون، والمساواة تعني المساوة على اساس المواطنة والكفاءة وتعني عدم الضغط على فئة محددة او حرمانها من دون غيرها.

في الوقت الحالي، فان الحكومة هي التي خلقت التباين في الدوائر الانتخابية، وهي من ثبتت اجراءات على واقع الارض في الوظائف واعتلاء المناصب على أساس طائفي صرف، بل هي من سارت بمشروع التجنيس لأهداف واضحة، ونخشى أن نتحول إلى شعب منكسر يشعر بالهزيمة دائما، يدمي بعضه البعض، ويكون أكثر قسوة اتجاه شركائه في الوطن ويكون أقل اهتماما بأثر كلماته وتصرفاته عليهم، حينها لا نجد من يوقف هذه العجلة التي لا يستقيم معها أي بناء.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • النعيمي2 | 7:20 م

      الدوائر الانتخابية،

      في الوقت الحالي، فان الحكومة هي التي خلقت التباين في الدوائر الانتخابية، وهي من ثبتت اجراءات على واقع الارض في الوظائف واعتلاء المناصب على أساس طائفي صرف، بل هي من سارت بمشروع التجنيس لأهداف واضحة، ونخشى أن نتحول إلى شعب منكسر يشعر بالهزيمة دائما، يدمي بعضه البعض............

    • زائر 5 | 4:20 ص

      المشكلة كل المشكلة منكم

      اجد في المقال مراوغة ولف ودوران الطائية بختصار من صنع الانظمة والحكومات ولا داعي الى قال عبدا وقال سقراط قولوها بصراحة وببساطة

    • زائر 4 | 1:51 ص

      الطائفيه سببه واحد...

      لنفرض انه في مملكتنا الحبيبه ليس هناك طائفيه.
      لكن هناك دلالات واضحه لهذه الممارسات.
      اولا تضييق الخناق على الفئه الجعفريه في سلك الداخليه والجيش واداراه الهجره والجوازات وغيرها وايضا رواتب القطاع الخاص البسيطه التي لا تسد جوع قطه هي سياسات واضحه وضعت فقط للطائفه الجعفريه . لم ارى يوما احد من السنه يعمل في محطه بنزين؟
      او سائق سيكسويل؟
      او مغسل سيارات؟
      ياترى هل نسمي هذه التجاوزات محبه للشعب المحروم؟

    • زائر 3 | 1:17 ص

      الاختلاف..والغزو الطائفي

      الطائفيه هي نتاج تفسير خاطئي للاختلاف فقليل منا من يعتبره ثقافة عليه الاستفاده منها , اما السواد الاعظم فيعتبره خلافاً يقاتل من اجله , فالاختلاف سواءً كان تكوينياً ,اجتماعياً او فكرياً ثقافه لاغنىً للبشرية عنها حتى لا تصبح الحياة رتيبه ومملّه ولأصبحت الافكار والاشكال واحده ولالغيت الفوارق ومات الطموح وانحسر الابداع ...
      ..اذن الاختلاف هو التحدي من الله جل وعلى للبشر .. هل يتعايشون به ام يتقاتلون بسببه ؟
      فالاختلاف عكسه التطابق, التشابه او التماثل ,
      اما الخلاف فعكسه الاتفاق . جعفر عطيه

    • زائر 2 | 12:26 ص

      الى متى

      من اجل عين ألف عين تكرم ومن اجل التجنيس (أبو الكبائر) فإن التضحية بأبناء البلد شيء هين فلا يهم بعد التجنيس ماذا يحدث من كراهية آو تميز أو طائفية أو إبادة أو شيء آخر

اقرأ ايضاً