تزخر البحرين بعشرات الأصوات الغنائية الرائعة التي شكلت منعطفا مهما في تاريخ الأغنية الخليجية، وشكلت تيارا فنيا رائدا، كان أحد أسباب تخطي الأغنية حدودها الجغرافية ووصولها إلى الجمهور العربي في كل مكان، فبعد جيل الرواد الأوائل الذين أسسوا للأغنية البحرينية أمثال محمد بن فارس وضاحي بن وليد ثم محمد زويد، برز عدد من الأسماء التي أخذت طريقها نحو الشهرة والأضواء، ومن هؤلاء الفنان القدير محمد علي عبدالله الذي يعد اليوم واحدا من أهم الأصوات الغنائية الخليجية. بدأ حياته الفنية بكفاح وهمة لا تلين، واستطاع أن يصنع لنفسه اسما لامعا بين الأسماء البارزة، وبفضل موهبته الفذة وصوته المميز صعد سلم الشهرة بخطوات واثقة، إلا أن المرض ورحلات العلاج أبعده مجبرا منذ مدة طويلة عن الساحة الفنية البحرينية والخليجية، حيث عاد أخيرا من الهند بعد رحلة علاج تكللت ولله الحمد بالنجاح.
يذكر أن الفنان القدير محمد علي عبدالله قد خضع قبل عام تقريبا لعملية قلب مفتوح أجريت له في المستشفى العسكري، ولكنه بعد مدة قصيرة تعرض لجلطة أدت إلى إصابته بالشلل النصفي، فخضع بعد ذلك لعلاج طبيعي في التشيك تكفل بمصاريفة الشيخ عيسى بن راشد.
مما يعرف عن الفنان محمد علي عبدالله أنه أنهى دراسته الابتدائية ثم التحق بشركة «نفط البحرين» كطالب متدرب في معهدها، وبعد إكمال دورة في الميكانيكا التحق بالشركة كموظف رسمي وامتدت سنوات خدمته إلى خمس سنوات، كان الفن خلالها - لا الميكانيكا - هاجسه الأكبر... ووقع الطبول والمراويس تنبعث من أحد البيوت القديمة، فتسمر مكانه لفترة، ثم أتته الشجاعة فدخل من دون استئذان وفوجئ بمن يرحب به ويدعوه إلى الجلوس، وغادر محمد علي المنزل بعد أن تقدم بطلب الانضمام إلى هذه المجموعة.
لم يكن هذا المنزل إلا مقرا لندوة الفن والأدب... تلك المجموعة التي أسسها المطرب المخضرم عبدالواحد عبدالله في مدينة المحرق، ولم يكن الغرض من تأسيسها الكسب المادي، بقدر ما كانت وسيلة لإشباع الهواية ونشر الفن الهادف.
برز محمد علي من خلال هذه المجموعة، ووجدوا فيه الخامة الفنية الجيدة، وكان من حسن حظه تعرفه على أحد أعضائها واسمه علي المالكي الذي أخذ على عاتقه تعليم الهاوي الجديد أصول العزف على آلة العود، وكانت هذه «فرصة العمر» كما وصفها فيما بعد.
انتظم الفنان محمد علي عبدالله مع هذه الفرقة كعازف على العود، ثم وجد فرصته في ممارسة فن الغناء الذي يهواه منذ الصغر، وسرعان ما اشتهر كمطرب وانهالت عليه الدعوات من محبي الفن في جلساتهم الخاصة، ثم أصبح الغناء في المناسبات الاجتماعية. وبعد فترة لاحقة طور من علاقته الفنية والتحق بأسرة هواة الفن كمطرب، لحن خلالها أغنيته المشهورة «ألا يا ريت» ولاقت الأغنية نجاحا باهرا جعلت منه مطربا معروفا إلى جانب يوسف هادي ونجم عبدالله وأحمد ياسين وعبدالوهاب آدم وغيرهم.
وكباقي معاصريه من الفنانين، أدرك آنذاك أن عليه أن يوسع مجال هوايته، وأن يجد وسيلة ما ليسمعه أكبر قدر من الجمهور، فشد الرحال إلى دولة الكويت وتعرف على بعض الفنانين هناك وسجل لإذاعتها أغنية «كم سنة وشهور» وقد لاقت نجاحا كبيرا وكانت بداية انطلاقته الفنية.
لم يرض هذا النجاح طموح الفنان محمد علي فقرر تغيير مسار حياته بدراسة الموسيقى دراسة أكاديمية، فالموهبة وحدها لا تكفي إذا لم تكن مصقولة بالعلم... وهكذا شد رحاله إلى القاهرة معتمدا على مدخراته، وقرر الالتحاق بالمعهد العالي لدراسات الموسيقى العربي... وكم كان الأمر مفاجئا حين علم أن مدة الدراسة لنيل درجة البكالوريوس هي سبع سنوات... وأدرك أن مدخراته لن تكفيه، فالسنوات طويلة ونظام البعثات الفنية لم يكن معمولا به في وزارة الإعلام في تلك الفترة، فقرر تغيير مساره الأكاديمي بدراسة الإخراج التلفزيوني مع الاحتفاظ بهوايته الفنية وصقلها بين الحين والآخر عن طريق الممارسة والمران.
وانتظم طالبا في معهد الإذاعة والتلفزيون في جمهورية مصر العربية، وتخرج في المعهد كمخرج تلفزيوني بعد ثلاث سنوات، بعدها انضم إلى وزارة الإعلام موظفا في قسم الثقافة والفنون لمدة خمس سنوات، ثبت خلالها نفسه كمطرب على مستوى الخليج العربي، وتلقى دعوات للغناء في جميع محطات التلفزة الخليجية.
وأمام هذه المستجدات قرر اعتزال العمل الوظيفي والتفرغ للفن تماما، ويمتلك محمد علي موهبة التلحين إلى جانب موهبته الغنائية فقد وضع معظم ألحان أغانيه.
توقف محمد علي عن الغناء لمدة عشر سنوات لظروف خاصة كما يصفها، ثم عاد مرة أخرى وكانت باكورة أعماله بعض أغاني المسلسل التلفزيوني «حزاوي الدار»، ولكن المرض لم يترك لمحمد علي أية فرصة للعودة إلى هوايته المحببة، فقد وقف حائلا دون عودته، وهو يخضع حاليا للعلاج، وخصوصا أنه خضع وقبل عامين تقريبا لعملية قلب مفتوح أجريت له في المستشفى العسكري، وبعد نجاح العملية تعرض بعد مدة لجلطة أدت إلى إصابته بشلل نصفي، ومن ثم خضع للعلاج في التشيك تكفل بمصاريفه الشيخ عيسى بن راشد، ومن ثم قرر الذهاب للعلاج في الهند التي عاد منها أخيرا... في «ألوان الوسط» نتمنى لفنانا القدير محمد علي عبدالله الشفاء العاجل.
العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ