العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ

الصحافة والحواة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مجتمعٍ متكاملٍ ومتوازنِ الأداء بين السلطات الثلاث، ومتوازن في توزيع المصالح والثروة القومية على أساسٍ من العدل وتكافؤ الفرص، في مثل هذا المجتمع يمكن الحديث عن شيء اسمه «حيادية الصحافة». وفي مجتمعٍ يتمتع فيه الناس بحرية تدفق المعلومات والوصول الحر إلى البيانات العامة بيسر وسهولة و«شفافية»، بالإضافة إلى مستوى الوعي العام، في مثل هذا المجتمع يمكن الحديث عن «حيادية الصحافي».

أما في مجتمع يعاني فيه الناس من شحٍ في المعلومات، وتعاني فيه المشروعات من «الغموض المتعمد»، وتهيمن فيه السلطة التنفيذية على كل شيء، فهي التي تصدر القرارات «المصيرية» من دون مراجعةِ أحد ولا مساءلةِ أحد ولا مشورةِ أحد، يصبح من الصعب مطالبة الصحافة بالحياد وبرودة الأعصاب!

في المجتمع الذي لم تكتمل فيه المؤسسات العصرية التي تحفظ توازن المصالح بين الفئات ذات المصالح المختلفة، تصبح مثل هذه الدعوات ضربا من التنظير، أشبه ما يكون بالهروب من الواقع إلى عالم الأوهام.

وفي الوقت الذي يضج البلد من مظاهر الفساد المالي والإداري الضاربة حتى النخاع، ويكثر الحديث على المستويات الرسمية والشعبية كافة عن مكافحة هذه الآفات المستشرية، أملا بالتماس السبل للخروج من المأزق، في مثل هذا الظرف تغدو دعوى «الحيادية» في الصحافة نوعا من التهاون بأمانة الكلمة، واستخفافا بشرف المهنة، التي لا يملك صاحبها غير القلم بين أصابعه؛ والضمير الحي بين جنبيه.

وليس هناك فنٌ ولا مهارةٌ ولا مهنيةٌ على الإطلاق في أن تحضر مسئولا متهما بألف بلية، في هذه المؤسسة أو تلك، أو تزوره في مكتبه، وأنت تعلم علم اليقين أنه مدانٌ بنصفها على الأقل، ثم تجلس أمامه كآلة التسجيل، وتعطيه الفرصة للدفاع عن «نزاهته» التي لا يرقى إليها الطير! وخصوصا إذا كانت هناك تجاوزات تمس قوت الفقراء والفئات الضعيفة في المجتمع.

وأما أصحاب التنظيرات المستشهدون بالصحافة الغربية، فنذكّر الناسين منهم أن الصحافة في ذلك المجتمع «المتحضر» لا تلعب دور الحاوي الذي يزيّن كل سياسةٍ رسمية، ويطبّل لكل خطةٍ أو سياسةٍ من دون تدبّرٍ أو وعي. وللتذكير فقط، راجعوا ما كان من موقفٍ للصحافة البريطانية، قبل غزو العراق أو بعده، وما كانت تكتبه عن أركان سياسة الغزو، ابتداء من الرأس بلير إلى أصغر ذيل في القائمة، جون كيلي، الذي انتحر في ظروف غامضة. وإذا كان البعض يريد للصحافة أن تلعب دور الحواة، فإن الواقع التاريخي يفرض عليها أن تكون صوتا مسموعا مؤثرا في مجتمع مازالت البنى الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني فيه ضعيفة العضلات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً