العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ

بين زبيدة والتأمينات الاجتماعية ضاعت الحسبة!

لن «يفصخوا البشوت» يا شيخ خالد!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لو جاءت اليوم سيدة الأعمال الكبيرة زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون (الرشيد) لتصدّى لها جهابذة الإعلام وأسياد الأعمدة والأقلام بالثناء على كرمها وجهودها الانسانية التي لا تُنسى! ولقرأنا المقالات التي تتغنى بـ «سيدة المسلمين الأولى»، أوَلا تستحق هذه السيدة الطيبة المباركة أن تكتب فيها المقالات وتملأ الأعمدة؟!

زبيدة وأموال أبيها!

وهذا ما فعله المؤرخون القدامى، حين أنفقت مبلغا كبيرا من المال على حفر الآبار ليرتوي منها الحجاج والمسافرون على طريق (الهاي وي) العراق - الحجاز. وظلت هذه الآبار فترة من الوقت تروي الناس. الآبار طُمِرت... وبقي اسم السيدة الأولى يعطّر كتب المؤرخين!

هؤلاء المؤرخون الذين لم يعتادوا على التفكير على الإطلاق، لم يكلّفوا أنفسهم مرة واحدة عناء طرح السؤال المحق والمحرج: «من أين جاءت زبيدة بهذه الأموال؟ هل هو من «عرق جبينها» أم ورثته من أمها وأبيها؟ أم هو من أموال بيت المسلمين الغافلين، الذين لم يكن لهم رأيٌ ولم تؤخذ منهم مشورة؟

ولكن، ألا يذكّركم ذلك بما تم كشفه في التقرير الأخير للتأمينات؟ يُصدم المرء حين يفتح عينيه على حجم هذه التجاوزات، ويسأل: من المسئول عن ذلك؟ وأين كان المواطن غافلا أو مستغفلا؟ وكيف سارت الأمور على هذا المنوال كل هذا السنوات؟ بل والأدهى من ذلك، وبعد كلِّ ما كُشف وقيل، أن يصرّح أحد الوزراء أمام الملأ وبفمٍ ملآن بأن سعادته يفخر لاطلاعه على هذا التقرير، أوَيدعو هذا التقرير إلى الفخر حقا؟ ولكن، لا غرابة في الأمر، مادام كل إنسانٍ ينطلق من مصالحه وحساباته والأرض «الطبقية» أو «الوظيفية» التي يقف عليها!

ماسة بوكاسا!

على أن وراء الزوبعة التي هزت المجتمع البحريني تكمن جذور المشكلة، ألا وهي نظرتنا إلى «المال العام»، فهو مالٌ سائب، ليس له صاحبٌ معلوم ولا حارسٌ يحميه بالبندقية، ولذلك أصبح المال ملعبا تمارَس عليه طرق اللعب كافة وتطبق كل النظريات «الحرة». المجتمعات التي سبقتنا على طريق الحضارة وضعت الضوابط لحماية هذا المال، فلا يأتي «كبيرٌ» إلى الكرسي إلا وتُجرَد ممتلكاته كلها، ولا يغادره إلى بيته قبل أن يعاد جردها من جديد. بل ان الفرنسيين مثلا أسقطوا رئيسهم السابق فاليري جيسكار ديستان في الانتخابات مطلع الثمانينات وجاءوا بالاشتراكيين حين كشفت صحافتهم الحرة موضوع ماسة كبيرة أهداها إليه رئيس «جمهورية» إفريقيا الوسطى، السلطان الأكبر بوكاسا!

ونحن لسنا بحاجةٍ إلى أن نستشهد بالشرق أو الغرب، ولكي نكون صادقين مع أنفسنا وحضارتنا نقول إن قانون «من أين لك هذا؟» ليس من «إبداعات» الثورة الفرنسية، ولا هو من صنع العقل الفرنسي العتيد، فهو قديمٌ قديم، تعود جذوره إلى أيام الإسلام الباهرة الأولى. وكلنا قرأنا كيف استقبل الخليفة عمر بن الخطاب (رض) الوالي الذي أرسله إلى البحرين بالدرّة، لمّا عاد إلى المدينة بثروةٍ كبيرةٍ أثارت شكّه، فأوقفه الرجل الكبير وحاسبه «فلسا فلسا»، وصادر أمواله، وقسّمها شطرين، شطرٌ أعاده إلى بيت مال المسلمين، وشطرٌ تركه للوالي... حتى فردتي الحذاء، فذمّة عمر لا تحتمل تلاعب ولاته بأموال الناس والفقراء والمحتاجين.

وأكرّر، اننا لسنا بحاجة إلى الاستشهاد بالشرق والغرب، للدلالة على ضرورة محاسبة المخطئين، ولسنا أيضا في وارد التحريض أو الإثارة ضد أحد، وإنما هي أموال أناسٍ غالبيتهم يبنون حسابات مستقبلهم ومستقبل عيالهم على هذه الأموال المقتطعة منهم في اليوم الابيض لتنفعهم في الأيام السود المقبلة، حين يشيب الشعر ويحدودب الظهر وتجف الطاقة وتتصرم مرحلة الشباب. ولا أدري لو عرفوا أن أموالهم يتم التصرف بها بمثل هذه الطرق، ماذا كانوا صانعين؟

كريمٌ من مال غيره!

على أن أكثر ما أثار استغرابي شخصيا هو التصرف في أموال الغير على طريقة «كريم من مال غيره»، بالتبرع هنا وهناك، وإذا كان هذا الكرم «الزبيدي» فاض بأصحابه لكان الأحرى بهم الصرف من أموالهم وحساباتهم الشخصية على المشروعات الخيرية، لا أن يمدوا أيديهم إلى مال الغافلين، من دون تخويلٍ ممن لهم علاقة بالأمر وأصحاب الشأن.

إن أموال مثل هذه المؤسسات، ومثلها أموال الأوقاف، ينبغي ألاّ تترك من دون رقيب، بل من الواجب أن تكون تحت أيدٍ تخاف الله، وتراعيه في عباده، بعيدا عن السياسة وأهدافها وحساباتها، وخصوصا انها تمثّل مدّخرات لمئات الآلاف من ابناء هذا الشعب، الذي نتمنى ألا يفتح عينيه ذات يوم على خزانة فارغة تلعب فيها الجرذان.

وهمسة أخيرة للنائب الشيخ محمد خالد: لقد ذهبت يا أخي بعيدا في آمالك، فالجماعة باقون باقون، ومن غير الوارد أن «يفصخوا بشوتهم»، فأعانكم الله فيما أنتم بصدده، فهذه أمانةٌ في أعناق النواب لئلا تضيع مدخرات الفقراء والعجزة والمستضعفين التي «يظنون» ان هذه القروش البيضاء ستنفعهم في الأيام السود

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً