العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ

الإصلاح من الأعلى يحقق الاستقرار ومن الأسفل يحقق الشرعية

تجربة البحرين الديمقراطية... (2-2)

محمد عبدالغفار comments [at] alwasatnews.com

إن المفهوم الأساسي عن أية دراسة تتعلق بالتغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط يجب أن ينصب على النظام الس 

وكان هذا يمثل تحديا دائما لتعزيز ديناميكية التغيير والحفاظ في الوقت ذاته على الاستقرار المحلي بدرجة كبيرة. ولقد بين التاريخ بوضوح أن الديمقراطيات الأكثر استقرارا وديمومة هي تلك التي تستند إلى أسس قوية، والتي تتصف بشموليتها وبقيم واستقرار مؤسساتها، وهذا يعتمد بصورة واضحة على الثقافة الغنية للتنوير والوعي السياسي.

إن العملية السريعة لتصفية الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين قد جاءت بأمثلة لا حصر لها في أرجاء العالم بخطورة الديمقراطيات السريعة التي وجدت من فراغ من دون ركائز مؤسسية وإجرائية وبنائية ضرورية.

لذلك فإن الاستمرار في هذه التحولات الديناميكية الجديدة لم يجر على وتيرة واحدة في الأقطار العربية. إذ إن بعض الاستجابات كانت إيجابية بصورة مرضية وبعضها الآخر كان أقل حظا في هذا المجال إذ صاحب تلك التغييرات اندلاع أعمال عنف أحيانا من جانب القوى التقليدية الاجتماعية السياسية المحافظة. وفي بعض الدول فإن القيادة على رغم إدراكها ديناميكية التغيير، إلا أن الرؤية الواضحة تنقصها لقياس ذلك التغيير، وبمعنى آخر فإن هذه الدول قد فاتها البناء التدريجي لعملية قيام المؤسسات السياسية.

تجربة البحرين

إن البحرين باعتبارها دولة رائدة في التحديث السياسي في المنطقة قد اكتسبت نظرة فريدة فيما يتعلق بالعوامل التي تسهم في التنمية الناجحة للمؤسسات الديمقراطية.

أولا: ان العملية الديمقراطية ينبغي لها أن تكون من أعلى إلى أسفل لتحقيق الاستقرار، ومن الأسفل إلى الأعلى لضمان الشرعية، وأن تكون شاملة ذات توافق بقدر الإمكان.

وبالنسبة إلى البحرين، فإن العملية قد بدأت بإصدار مسودة ميثاق العمل الوطني من جانب ملك مملكة البحرين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مبينا فيه أهداف ومبادئ الإصلاحات. وقد أوضح الاستفتاء الشعبي في شهر فبراير/ شباط 2001 وجود دعم شعبي عارم للميثاق. وقد اعتمد الدستور في شهر فبراير من العام 2002 إذ جسد مبادئ الميثاق. أظهر الاستفتاء دعما شعبيا واسع النطاق للميثاق بنسبة 98,4 في المئة.

وبعد ذلك أجريت انتخابات للمجلس البلدي في شهر مايو/ أيار وانتخابات للمجلس الوطني في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2002 وفي هذين الاقتراعين اللذين ثمنا عاليا في جميع أنحاء العالم اتسما بشفافية واستخدام للتكنولوجيا ومشاركة للمرأة بصورة كاملة وعلى قدم المساواة مع الرجال في التصويت والترشيح.

إن تجربة البحرين تزداد نضجا يوما بعد يوم، وان الانتخابات مجرد وجه واحد للديمقراطية وهي ليست ولا يمكن أن تكون عوضا عن عملية الديمقراطية المستمرة. وهي تتم فقط من خلال تقاليد المشاركة التي تمتد جذورها عميقا والتي تمكن من تقييم التجربة الديمقراطية.

إن الحياة السياسية التي يشارك فيها الجميع اليوم، والتي أثبتت نجاحها في البحرين وهي مظلة رحبة لجميع المواطنين البحرينيين يستظل بها البحرينيون كافة في ظل نظام متفتح وديمقراطي.

ثانيا: إن التغييرات السياسية يمكن لها أن تنجح إذا كانت تسير بصورة متدرجة، وأن تحدث تلك التغييرات من خلال مؤسسات موجودة والتي ينبغي أن تؤسس لتلبي متطلبات عملية الديمقراطية.

وفي البحرين فإن هذه التغيرات قد اشتملت على التحول إلى مملكة دستورية وتأسيس مجلس منتخب للجمعية الوطنية والتوسع في مجلس الشورى الذي أنشئ منذ العام 1992 واعتباره مجلسا ثانيا، وبالتالي اشراك الخبرات المستقلة من شرائح المجتمع كافة في العملية التشريعية.

وهكذا فإن البنى والإجراءات الحالية قد أدت إلى تشكيل نظام برلماني ذي مجلسين تحت نظام ملكي دستوري. وهذا التحديث قد أسهم بصورة ملموسة في تكوين انفتاح سياسي في العملية التاريخية للتطور السياسي، إذ أضاف دعما سياسيا للنظام الملكي القائم.

ثالثا: ولكي تصبح الديمقراطية مؤسسية وحتى يعتاد المواطنون على ممارسة الديمقراطية فإن المجتمع المدني ينبغي أن يعطي المزيد من الحريات وأن يعزز لكي يتمكن من القيام بدوره المهم والكامل في التثقيف والتمثيل وحماية الشعب.

ولهذا الغرض شجعت البحرين المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية وغيرها من الأجهزة التمثيلية، على أن تسهم بصورة كاملة في الحياة الوطنية. وقد سمح للعمال بصورة كاملة بإنشاء النقابات العمالية والانضمام إليها طبقا للمعايير الدولية كما أن منظمات غير حكومية جديدة قد أنشئت وبدأت تعمل في مختلف الميادين، بما فيها حقوق الإنسان.

وأخيرا فإن تجربة البحرين توضح أن الإصلاحات ينبغي أن ينظر إليها على أنها نتاج محلي ومستلهمة محليا ذلك إذا أريد لها شرعية شعبية.

إن الإصلاحات التي ينظر إليها على أنها مفروضة من الخارج من المحتمل ألا تكون مستدامة على المدى الطويل، على العكس من ذلك تلك التي تأتي من الداخل.

ولتشجيع المسيرة الديمقراطية، لابد أن يكون دافعها نابعا من الداخل لتحقق إصلاحا داخليا يستجيب للطموحات المحلية الواقعية وليقر بأن شتى البلدان تتطلب مناهج متغايرة للديمقراطية وأن يتجنب إعطاء الانطباع بأن الإصلاحات مفروضة عليها من الخارج، وأن يكون على وعي كامل بالطبيعة العالمية للحكم المثالي والقيم الديمقراطية.

دور الولايات المتحدة

وغيرها من الدول

إن تقديم الإصلاحات السياسية والديناميكية الجديدة للتغييرات البنيوية والمؤسسية لا يمكن التأثير فيها في محيط دولي أو إقليمي معزول. وهكذا فإننا وإن كنا نقر بأن الإصلاح ينبغي له أن يأتي من الداخل فهذا لا يعني أن العوامل الخارجية ليس لها تأثير مهم.

إن تجارب الديمقراطيات الأخرى في الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة في إنشاء وتنمية المؤسسات الديمقراطية ينبغي لها أن تكون ذات أهمية حيوية في إرشاد الآخرين.

ولهذه الغاية ربما يكون الدور الأهم الذي تلعبه الديمقراطيات الأخرى هو تقديم المشورة والدعم والتسهيلات إلى الدول المتطلعة إلى تنمية المؤسسات الديمقراطية ومن المهم بصورة خاصة التدريب والتثقيف المتعلق بالديمقراطية ومؤسساتها لمستويات المجتمع كافة بمن فيهم الموظفون المدنيون والقضاة والمحامون والمثقفون والمنظمات غير الحكومية والمجتمع ككل، لكي نحقق إحساسا واضحا بالحقوق والواجبات التي تملكها الديمقراطية وفهما أفضل لمـؤسساتها وإجراءاتها، في غرس الإحساس بالمشاركة الشعبية في الحكومة وأهميتها للتنمية الديمقراطية.

وفي هذا الصدد فإن أمثلة البرامج الناجحة التي يمكن دعمها وغرسها وتعزيزها والتي تعزز وتدعم الأنظمة الديمقراطية قد وجدت فعلا مثل المحفل القضائي الأخير الذي عقد في مملكة البحرين في العام 2003.

وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة الأميركية وما تتميز به من مركز عالمي مهيمن وتجربة ديمقراطية طويلة، فهي أيضا من الممكن أن تلعب دورا بمساندتها ودعمها الديمقراطية الحديثة بطرق ملموسة لتعزيز السلم والأمن والمشاركة والاقتصادية التي من شأنها أن تأتي بثمار الديمقراطية.

ومن الأهمية، فإن تطبيق مبادئ الغرب بشكل ثابت، ممكن أن تكون مثالا يحتذى به للديمقراطية الناشئة. إن غالبية الناس في العالم الإسلامي تقدر وتحترم القيم والمبادئ الديمقراطية للغرب، غير أن صورة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية تشوهت بسبب ازدواجية المعايير والتناقض بين القيم والسياسات.

دروس للعراق

حال يمكن الاستدلال بها على صحة العلاقة الجوهرية بين الاستقرار والديمقراطية والسلام، وهي حال العراق، التي كانت عاملا سياسيا في السياسات الإقليمية لعقود عدة.

إن التجارب التي مرت بها العراق من العام 1970 وحتى نهاية العام 1990، وفي بداية الألفية الثالثة تشهد على صحة هذا الكلام.

الديمقراطية ليست فقط الطريق إلى الاستقرار والتقدم والازدهار وإنما هي أيضا السبيل إلى تحقيق السلام الداخلي والإقليمي والدولي.

إن الوضع في العراق كان مثلا فريدا من نواحٍ عدة، ان الآلية الكاملة تم الاستيلاء عليها وتدميرها لخدمة المصالح الضيقة للنظام السابق، بدلا من خدمة مصالح الشعب. ولذلك فإنه ليس هناك هيكل مؤسسي ويمكن من خلاله البدء في عملية الإصلاح وبناء الديمقراطية.

ومع ذلك فإن الكثير مما ذكرته ينطبق على مسألة إنشاء وتأصيل حكومة ديمقراطية تمثيلية في العراق وفي المقام الأول فإنه من الضروري للشعب العراقي أن يرى أن نظامه الجديد تم إنشاؤه وتطبيقه من قبل العراقيين أنفسهم. فكلما كانت الحكومة العراقية قريبة من الشعب العراقي عظمت شرعيتها.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة العراقية الجديدة يجب أن تكون شاملة وأن تعمل على تعزيز الانسجام بين جميع الأعراق والطوائف. وفي هذا السياق فإن هناك قلقا من قبل الكثيرين في المنطقة بشأن الأسس العرقية والطائفية في إنشاء النظام الجديد الذي يجلب المخاطر التي قد ترسخ الانقسامات وتقوض المؤسسات الديمقراطية، بدلا من تعزيز مفهوم عراق موحد وديمقراطي.

ولبقية العالم أيضا دور أساسي حيوي يقومون به لتطوير روح الديمقراطية بين الشعب العراقي. بالإضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية للدولة ومؤسساتها ومؤسسات الحكومة الجديدة، فإن العالم الخارجي يجب أن يكرس الوقت والجهد لضمان وضع الأسس المتينة للنظام الجديد، بما في ذلك توفير التعليم على جميع المستويات في المجتمع، وتدريب كبار الموظفين، وإنشاء وتدريب المنظمات غير الحكومية وتقديم الدعم إليها، وتشجيع الإعلام المتزن والموضوعي والمستقل.

الخلاصة

أعتقد أن هناك اعترافا في جميع أنحاء العالم العربي وجميع قطاعات المجتمع، بالحاجة إلى الإصلاح السياسي وزيادة المشاركة الشعبية في الحكومة.

إنه من مصلحة الجميع أن تكون الأنظمة الديمقراطية والتمثيلية الجديدة مستقرة وراسخة ودائمة.

وبالتالي فإن الحكومة التمثيلية يجب أن تكون متأصلة فيما يتعلق بتطوير الهياكل والمؤسسات الحالية، وأن يتم إصلاحها بقدر الحاجة بأسلوب متطور.

جميع قطاعات المجتمع ينبغي لها أن تشارك فيما ينبغي أن يكون عملية مشاركة كاملة وشاملة نابعة من الداخل والتي يكون للقطاع غير الحكومي دور مهم ليقوم به.

ووفقا لهذه المبادئ في أذهاننا، فإنني آمل أن تشهد السنوات المقبلة تغييرات مهمة ولكنها متطورة في جميع أنحاء العالم العربي، بحيث تكون هناك أنظمة مؤسسية دائمة وقابلة للبقاء لحكومات ممثلة ترتكز على أنظمة متطورة تمتد بجذورها في أنحاء المنطقة.

كلمة وزير الدولة للشئون الخارجية في مؤتمر الحوار الإسلامي الأميركي المنعقد في الدوحة (10 - 12 يناير/ كانون الثاني 2004

العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً