العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ

ويستمر السؤال: من هم الإصلاحيون؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العاشر من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري قام مجلس صيانة الدستور واستنادا إلى البندين 1 و3 من المادة 28 من قانون الانتخابات والمتعلقتين بالالتزام بالإسلام والوفاء للدستور الإيراني بخطوة أسماها (بالقانونية) منع خلالها 3600 شخص ممن سجلوا أسماءهم للترشيح للانتخابات التشريعية السابعة من أصل 8160 متقدما أي بنسبة 30 في المئة من المترشحين بينهم 82 نائبا حاليا جلهم ( أو كلهم )من المحسوبين على جبهة الثاني من خرداد، بينما ذكر المتحدث باسم اللجنة المركزية لمراقبة الانتخابات محمد جهرمي أن المطعون في اهليتهم بلغ عددهم 2023 أي بنسبة 26 في المئة، كما أن مجلس صيانة الدستور لم يعلن أسباب رفض اهلية 1558 من أولئك، فيما أعلن أن 1224 من المرفوضين بينهم رجال دين ومثقفون لم يكن لديهم التزام عملي بالإسلام والدستور، وجاءت تلك الخطوة من اللجان الرقابية التابعة للمجلس لتعيد السجال من جديد على الساحة السياسية الإيرانية بين أطياف الحكم الإسلامي الذي مازال يمسك بمصائر الأمور وطرقها ومنافذها، مستفيدا من الأطر السياسية والعقيدية وحتى الاجتماعية التي أسس لها منذ قيامه قبل خمسة وعشرين عاما، وكانت الجمهورية الإسلامية التي حققت انتصارات دبلوماسية متتالية على صعيد السياسة الخارجية في الفترة الأخيرة تأمل في أن تتكلل تلك النجاحات الخارجية بوحدة وطنية متماسكة بعد هدوء حذر ساد الوضع السياسي الداخلي طيلة الأشهر الماضية.

وفي كل مرة يثار الحديث عن طبيعة الصراع أو المنافسة أو السجال ( سمه ما شئت ) بين التيارات السياسية في الجمهورية الإسلامية يتجدد الحديث أيضا عن جذور تكون تلك التيارات خصوصا التيار الموسوم بالإصلاحي باعتباره اللاعب الأكثر ديناميكية على الساحة السياسية الإيرانية منذ ستة أعوام.


الحركة الحزبية خلال نصف قرن

بعد وقوع الانقلاب على حكومة محمد مصدق في العام 1953 قام الشاه بحملة اعتقالات شرسة ضد أتباع مصدق، في حين شرع بعضهم ممن سقطت أسماؤهم من مضبطة السافاك في تشكيل تكتل رديف أطلقوا عليه «المقاومة الوطنية». إلا أن الخلافات التنظيمية والسياسية بين أعضائه عجلت بكشف أسماء المنظمين فيه من قبل أجهزة السافاك الرهيبة والقبض على كوادره الأمر الذي أدى إلى حل الحزب.

وفي العام 1954 فتك بحزب تودة الشيوعي وجناحه المسلح بحركة دموية شرسة وألقى القبض على المئات من أعضائه بينهم كبار قادة التنظيم وأعدم عددا آخر، وبعد عام تحديدا ألقى القبض أيضا على زعامات وأعضاء منظمة فدائيي الإسلام بقيادة نواب صفوي المتشددة، وخلال فترة الانفتاح السياسي مع مطلع العام 1960 استطاعت الحركة الحزبية الإيرانية في أن تلتقط أنفاسها وتقوم بعملية تجديد فكرية وسياسية فتحالفت عدة تكتلات وأحزاب ذات أذواق متباينة وشكلوا الجبهة الوطنية الثانية فتصاعدت قوة الجبهة بشكل ملحوظ وأخذت تمارس نشاطاتها السياسية والحزبية بحرية أكبر مستقوية بحوار صوري أجرته مع السلطة الشاهنشاهية لحلحلة الوضع السياسي المحتقن، وفي العام 1961 انشق الجناح الأصولي من داخل الجبهة الوطنية وأعلن تشكيله تنظيما جديدا يحمل اسم «حركة تحرير إيران» إذ اتسم البنيان الفكري والسياسي لهذا الفصيل بمزيد من التصلب والراديكالية أكثر مما كانت عليه الجبهة الوطنية وأعلنت نهجها وفكرها على الصعيدين السياسي والديني في أول بيان لها «أولا: نحن مسلمون ونعتقد بأن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين، ثانيا: إننا إيرانيون، وثالثا: منهجنا السير على خطى الدستور، رابعا: نحن أنصار مصدق سائرون على نهجه وفكره».

في هذه الأثناء كان الخط الإسلامي السائد في إيران ما بعد حركة نواب صفوي عبارة عن فضاء ديني لا يحده شيء أو تحتويه جماعة، وخصوصا أنه كان يعيش بتوجيه مركزي من شخوص دينية في الحوزة العلمية في إيران أبرزها الإمام الخميني والسيد أحمد الخوانساري، إلا أنه ومع حلول العام 1973 ظهرت جماعة إسلامية جديدة منشقة من رحم منظمة مجاهدي خلق أطلق عليها اسم مجاهدو الثورة الإسلامية برئاسة حجة الإسلام راستي وكان ذلك الانشقاق نتيجة خلاف أيديولوجي حاد عصف بالمنظمة بين القوى اليسارية المتأسلمة وبين الإسلاميين الدينيين .

وقبل انتصار الثورة الإسلامية بعامين تشكلت رابطة علماء الدين المجاهدين (روحانيت مبارز) بمبادرة من الشهيد مطهري وبهشتي وباهنر ومفتاح وكانت المقود الفعلي للحالة الإسلامية الثورية التي تحركت بقوة ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي المتهالك، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 فبراير/ شباط 1979 تداعت بعض الأحزاب الإيرانية التقليدية كحركة الحرية ومنظمة خلق للتحاصص مع الحكم الجديد الذي قبلها في البداية مستفيدا من مقبوليتها الدولية وإرضاء لقواعدها الشعبية الحائرة بينها وبين النفس الديني الجديد الصاعد بقوة، وفي سبيل إجراء عملية محازبة جديدة لغربلة وفرز الكثير من رواسب تحالفات الماضي تم تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي (أو حزب الجمهورية الإسلامية) برئاسة آية الله بهشتي الذي كان أيضا رئيسا لمجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز الثورية إلا أن استشهاده وأكثر من 81 من أعضاء الحزب الفعليين في انفجار أغسطس/ آب 1981 عندما كان مجلس الدفاع الأعلى يعقد اجتماعا طارئا لتدارس أوضاع الجبهات قد جعل من جدوى بقائه غير عملية، كما أن الإمام الخميني كان توصل أيضا إلى النتيجة نفسها وأسداها غير مرة لمن بقي حيا من أعضاء الحزب وهو الأمر الذي عجل بحله العام 1986.


بدايات التبلور الفعلي

ومع مطلع النصف الثاني من العام 1986 بدأت بوادر حال من الانشقاق الحزبي تطفو في الشورى المركزية لرابطة علماء الدين المجاهدين (روحانيت مبارز) واستمر ذلك المخاض حتى مارس/ آذار 1988 عندما انشق فصيل علمائي إسلامي ثوري أكثر راديكالية من بين صفوف الرابطة أطلق عليه اسم مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) وكان ذلك بمباركة وضوء أخضر من الإمام الخميني الذي بات يردد دائما أن النظام الإسلامي لن يستقيم إلا بجناحيه روحانيت وروحانيون.

كان التباين الحاد في الرؤى والأفكار التنظيمية والسياسية والاقتصادية بين الحركة الأم وفصيلها هو الذي مهد الطريق لذلك الانشقاق، ففي الوقت الذي ترى فيه روحانيت أن عملية تنصيب الولي الفقيه غير معنية باستذواق آراء الناس لأنه فوق القانون وأن جميع المؤسسات العاملة في كيان الدولة تستمد شرعيتها منه، بل ويدعو إلى تحويل الحكم إلى دولة العدل الإلهي الخالية من الانتخابات وتكون مصائر المجتمع بيد علماء الدين ولو بالنظارة كانت روحانيون مبارز ترى أن الولي الفقيه مقيد بالدستور ويعمل في إطاره وأن ولايته مطلقة في إطار الدستور وأن انتخابه ملزم في عصر الغيبة، وأن ثنائية جمهورية وإسلامية النظام هي بالتساوي لأن مقتضيات الزمكانية هي متلازمة للعمل التنفيذي وتدعيم المشاركة الشعبية لتحيين شرعية النظام، ولم يتقاطع الطرفان إلا في مبدأ تصدير الثورة ومعاداة الولايات المتحدة الأميركية وعدم الوثوق بالمنظمات الدولية لأنها واقعة تحت نفوذ وسيطرة القوى الدولية الإمبريالية.

وقد دخل الطرفان في معارك سياسية وإعلامية طاحنة وصلت إلى حد لي الأذرع والإقصاء، وهو ما حدث بشكل جلي بعد الانتخابات التشريعية الثالثة في العام 1994 عندما قام اليمين المتمثل في تشكيلات روحانيت مبارز (والذي كان يعتبر التيار الأكثر انفتاحا) بإقصاء اليسار المتحصّن بروحانيون مبارز (الموسوم آنذاك بالتشدد والتطرف) مستعينا بإرهاصات شعار إعادة الإعمار والبناء وخيار الانفتاح الذي رفعته حكومة الرئيس هاشمي رفسنجاني منذ يوليو/ تموز 1988 وهو الأمر الذي جعل اليسار الإسلامي يعيش غربة اجتماعية وينكفئ لثلاث سنوات بعد أن كان مطلق اليد طيلة عشر سنوات خلت .

وفي الفترة التي اقصيت فيها روحانيون مبارز، حصلت تغييرات بنيوية على فسيفساء خريطة ذلك التيار وتحالفاته وفي قواعده الحزبية والشعبية، فظهرت على يساره قوى دينية شابة أكثر انفتاحا متجاوزة الكثير من المحرّمات الاجتماعية والسياسية التي كان يتبناها اليسار التقليدي، وتبلورت تلك القوى بصورة أكثر وضوحا في جبهة المشاركة الإسلامية التي تشكلت بعيد انتخابات 1997 التي أوصلت السيد محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة، كما أن رياح التغيير انسحبت هي الأخرى إلى منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية التي تجددت قياداتها بعد استقالة حجة الإسلام راستي ومجيء المحاربين القدامي أمثال محمد سلامتي وبهزاد نبوي، كما انسحب الأمر أيضا إلى مكتب تعزيز الوحدة الطلابي (تحكيم وحدت) الذي يعتبر المسئول عن احتلال السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 واحتجاز 52 رهينة أميركية في بدايات الثورة الإسلامية، وقد ساعد على تبلور ذلك اليسار الديني المعتدل ظهور التمظهر الحزبي نفسه على يسار روحانيت مبارز اليمينية تمثل في كوادر بناء إيران (سازندكي) ضم عشرة من وزراء حكومة رفسنجاني وستة من مساعديه، وهو عمليا مريد بقوة لتوجهات رفسنجاني الفكرية وآرائه السياسية، كما ظهر على يمين اليمين تيار سياسي أكثر راديكالية بمسمى جمعية الدفاع عن قيم الثورة الإسلامية بزعامة محمدي ريشهري في 6 سبتمبر/ أيلـول 1995.

وبعيد انتخابات 1997 الرئاسية ائتلف الجمع مشكّلين طيفا سياسيا عريضا ضم زهاء 18 تنظيما يساريا إسلاميا ويمينيا متحررا وبعضا من فتات السياسيين أطلق عليه اسم جبهة الثاني من خرداد، متزرين على أمر هزيمة التيار المحافظ المتحصن في تشكيلات روحانيت مبارز وتوابعها، ومحاولة تفكيك الحياة السياسية الإيرانية وجعلها أكثر تحررا وانبساطا.

كما أن ذلك التيار العريض يستبطن في داخله هويات دينية وثقافية وسياسية متغايرة إلى الحد الذي لا يمكن تصوره في قبالة الجناح المحافظ، فولاية الفقيه والعملية الاقتصادية والسياسية وتسيير الحركة الثقافية وفنون الإدارة والحريات العامة كلها ملفات لم تحسم فيما بينهم وإن حسمت فهي في حيثيات قليلة جدا، إلا أن أفضل مقاربة لتوصيف مفاهيم التيار الإصلاحي تتلخص في:

1- تحديد المفاهيم الهلامية المجردة التي تدعو إلى مطلقية موقع الولي الفقيه وجعلها تدور مدار الدستور بحيث يصبح المرشد مسئولا مسئولية كاملة أمام الشعب.

2- تدعيم عملية الحضور الشعبي في صنع القرارات السياسية والاقتصادية والمساءلة التشريعية، وإرساء دعائم الحرية والديمقراطية القائمة على احترام الآخر وتأييد إعطاء الأحزاب أحقية الممارسة السياسية.

3- إعطاء الأولوية في المناصب التنفيذية والتشريعية للتكنوقراط وجعل ذلك هو المعيار في التنصيب بدلا من تقديم مفاهيم كالإخلاص والولاء المطلق لولاية الفقيه (وإن شاب ذلك بعض الخلاف بينهم).

وعليه فإنه يمكن القول في نهاية الحديث ان التيار الإصلاحي العريض يواجه ثلاثة مخاطر حقيقية وجدية قد تقضي عليه سياسيا أو تعوقه عن تحقيق ما يصبو إليه، وهي:

الضغوطات القادمة من مكامن التيار المحافظ وهي شديدة بحجم المواقع الموجودين فيها.

الخلافات التي تعصف بأطيافه الثمانية عشر في ملفات عدة بعضها اقتصادي وبعضها سياسي وآخر ثقافي.

ما يقوم به غلات الإصلاحيين وهواة التطرف السياسي في جبهة الثاني من خرداد الذين يمارسون سلوكا أبعد ما يكون عن اللياقة السياسية المطلوبة.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً