العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ

تدمير نموذج «معنا» أو «ضدنا»

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

جرى التأكيد مجددا أثناء رئاسة جورج دبليو بوش التي استمرت ثماني سنوات، وخصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، على عملية الترويج لأميركا في العالم الإسلامي. وقام بوش في البداية بتجنيد شارلوت بيرز، الخبيرة في مجال الدعاية والإعلان، قبل أن يرسو قراره على صديقته ومستشارته المقرّبة كارين هيوز.

حاولت كلتاهما تأكيد النواحي الإيجابية للمجتمع الأميركي من خلال الإعلام التقليدي، وفي الوقت نفسه تلميع صورة السياسة الخارجية.

تم إصدار مجلات وإنشاء محطات تلفزة جديدة للترويج للثقافة الأميركية الحياتية وقصص الأخبار الجيدة التي تركز على المسلمين الأميركيين. وعلى رغم صدق هذا التوجه المحدود، فإنه وبحلول الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش، لم تكن النتائج كبيرة.

والآن، ولم تمضِ بعد فترة أسبوعين على الرئاسة الجديدة، اعتبر باراك حسين أوباما مفعول هذه المواقف منتهيا. اختار أوباما، في أول مقابلة رسمية له مع شبكة تلفزيون العربية التي تدعمها السعودية، وهي نقطة وسطية جرت احتسابها بدقة بين شبكة الجزيرة ذات الأسلوب الابتكاري النشط وقناة الحرة التي تدعمها أميركا، والتي يجري تجاهلها بشكل واسع. وعلى رغم أنه لم يعلن عن فروقات معمّقة في السياسة مع الرئيس السابق، فإنه لمّح إلى عدد من التغييرات التي يمكنها أن تضع أسس المزيد من المبادرات الأكثر عملية، إن لم تكن دراميّة، في المستقبل القريب.

«ما أريد إيصاله هو حقيقة أنه من خلال جميع رحلاتي عبر العالم الإسلامي، ما أصبحت أفهمه هو أنه بغضّ النظر عن دينك... لدى جميع الناس آمال مشتركة محددة» يقول أوباما. «ووظيفتي أن أوصل إلى الشعب الأميركي أن العالم الإسلامي مليء بأناس متميزين يريدون ببساطة أن يعيشوا حياتهم ويروا أطفالهم يعيشون حياة أفضل».

وتعهد وبشكل متكرر أن يصغي إلى العالم الإسلامي بدلا من أن يفرض ويصدر الأوامر. وقد اعترف أن الولايات المتحدة لم تكن كاملة وأنها ارتكبت أخطاء. كما وعد بأن مبادرة السلام السعودية لعام 2002، والتي جرى تجاهلها من قبل إدارة الرئيس بوش، ستُعطى الأهمية التي تستحقها كأساس للمفاوضات.

بعكس قدرات رونالد ريغان في التواصل والتي حصلت على الكثير من الثناء في ثمانينيات القرن الماضي (والتي لم تعكس سوى الصخب على المستوى العالمي)، واللغة المتعالية لبيل كلنتون في تسعينيات القرن الماضي (والتي عكست أحيانا انعدام الصدق)، فقد نجح أوباما في بناء توجهه ذو الفارق الدقيق عن شخصية شعبية مجردة من الصور النمطية، بغض النظر عما إذا كانت عرقية أو سياسية أو دينية. أما المهارات التي تعلّمها أثناء الحملة الانتخابية لإدارة هويته فقد بدأت تزيد من قوتها. وهو حذر بألا يتمادى في استخدام سلطته. بدأت نظريات المؤامرة التي تسود العالم الإسلامي بالانهيار، ويبدو حتى تنظيم القاعدة خائفا متراجعا.

كان أوباما أثناء حملته بالغ الحساسية تقريبا عن الانطباع بأنه قد يكون مسلما، إلى درجة أنه كان بطيئا في الرد على الرهاب الإسلامي الصارخ، وترك المهمة بدلا من ذلك إلى مسانديه أمثال وزير الخارجية السابق كولين باول.

ليس بعد الآن. «هناك مسلمون بين أفراد عائلتي»، استمر قائلا في المقابلة «وقد أقمت في دول إسلامية».

الأهم من ذلك أنه استمر في التمييز «بين منظمات مثل القاعدة وأناس قد لا يوافقون مع إدارتي. يمكننا أن نختلف بشكل شرعي ولكن نحافظ على درجة من الاحترام». وهو اختلاف كبير نظيف عن شعار «معنا أو ضدنا» منذ الحادي عشر من سبتمبر. لا يمكن الحد من قيمة أثر ذلك على العالم الإسلامي. إنها تقترب من الدهشة الكاملة.

وهناك المزيد. وَعَد أوباما منذ انتخابه بتوجيه خطاب رئيسي من عاصمة إسلامية. (وعلى رغم أنه لم يحدد تلك العاصمة بعد، تعتبر جاكرتا خيارا مأمونا لأنه يتكلم ما يكفي من لغة البهاسا). بدلا من تعيين شخص «حسب الأرقام والمؤشرات» ليترأس المفاوضات في الشرق الأوسط، اختار أوباما السناتور الأميركي السابق المقرّب (والأميركي من أصل عربي) جورج ميتشل، الذي حصل على السمعة الجيدة بعد توسّطه في أيرلندا الشمالية والقيام بتقديرات عادلة بشكل مثير للإعجاب بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

بوجود هذه المزايا والقرارات فإن احتمالات أوباما بتحقيق تأثير بنّاء على العالم الإسلامي هائلة.

إلا أن الأمور ليست جميعها مشرقة، إذ إن موافقته على ضربة صاروخية في الباكستان قتلت ما يصل إلى 22 شخصا تشكل استمرارا لسياسة بدأها الرئيس الذي سبقه والتي أغضبت كلا من الحكومة والمدنيين في تلك الدولة (على رغم أنه، وكما وعدت حملته الانتخابية، لم يكن من المفروض أن تثير الضربة دهشة). وهو بهذا يخاطر بإعادة ذكريات عدم الصدق والإخلاص التي تميز بها من سبقه، كلمات سارة لطيفة (إن لم تكن ذات فارق دقيق) يتبعها عمل عسكري غير متوقع.

وإذا أخذنا في الاعتبار حوادث غزة والوضع الاقتصادي العالمي، الذي يستمر في ربط أميركا مع العالم العربي من خلال النفط، فإن المزيد من خسارة السمعة الحسنة قد يعيد فتح جروح وكبت التقدم.

ولكن بحسب الوضع الحالي، يعتبر العمل العسكري في الباكستان عملا منفصلا عن التيار العام.

ستشكل ثقة أوباما في أثر العلاقات العامة على الجو السياسي، وهو أمر لم يعطَ قدره أو تعرض للسخرية في الماضي، أكبر اختبار قبل اتخاذ قرارات صعبة في العالم الإسلامي. ومن خلال اتخاذ قرارات صعبة من جانبه في أول أسبوع له كبادرة افتتاحية - البدء بإغلاق معسكر غوانتنامو وسحب لبعض القوات من العراق - فقد يحصل «رئيس العلاقات العامة» الذي تم تنصيبه أخيرا على ما يبغيه.

* المحرر المشارك لـِ Altmuslim.com، ومركزه لندن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً