العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ

مرحبا... ولا مرحبا بـ «الديمقراطية الأميركية»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

انعقاد المؤتمر الثاني «للحركة العالمية من أجل الديمقراطية» في مطلع فبراير/ شباط في جنوب إفريقيا لن يكون له الأثر الذي خطط له منظمو المؤتمر... فالاسم يوحي بأن «حركة عالمية» هي التي نظمته وخططت لحضوره وأجندته، ولكن الواقع هو أن منظمة أميركية أقامت المؤتمرات تحت هذا الاسم ودعت أنواعا مختلفة من شتى أنحاء العالم إلى مناقشة أجندة نشر مفاهيم الديمقراطية في البلدان التي لم تسمح بها بعد.

الحديث عن الديمقراطية أصبح - ومع الأسف - كأنه شأن أميركي، وهذا ربما أحد أسباب عدم انتشاره بسرعة. فالعالم ينظر إلى أميركا نظرات مختلفة، فهي الدولة العظمى الوحيدة التي تخالف الرأي العام العالمي في أكثر القضايا الاستراتيجية، وهي التي انسحبت العام 1997 من اتفاق «كيوتو» لحماية البيئة لأن ضوابط الحماية التي اتفقت عليها دول العالم تضر بمصالح الشركات الأميركية الكبرى، وهي الدولة التي انسحبت من اتفاق «المحكمة الجنائية الدولية» وسعت منذ العام الماضي إلى عقد اتفاقات مع دول العالم المرتبطة بها (وخصوصا التي تحتاج إليها أو تخشاها) لمنع تطبيق بنود هذا الاتفاق الدولي على المواطنين الأميركان في البلدان المعنية. وهي الدولة التي غزت العراق من دون إذن من الأمم المتحدة، وهي الدولة التي تقف خلف «إسرائيل» وتساند الإرهاب الإسرائيلي، بل إن رئيسها يصف الإرهابي شارون بـ «رجل السلام»، وهي الدولة التي تعاقب حتى أقرب حلفائها عندما تتعارض قراراته مع شأن تود أميركا تنفيذه على رغم أنف القاصي والداني.

أميركا طرحت نفسها البديل للحكم الدكتاتوري في العراق ووعدت العرب والمسلمين بأنها ستقيم نظاما ديمقراطيا يتم فيه تداول السلطة من دون أن يورث الرئيس ابنه ومن دون أن يسلّم الرئيس ثروات البلاد وإمكاناتها إلى عشيرته أو طائفته... هذه الوعود الأميركية ربما يتحقق بعضها، وستكون أميركا هي الرابحة، لأن «الأعور على العميان باشا»...

إننا مبتلون - بصورة عامة - بأنظمة دكتاتورية حتى النخاع، ومبتلون بطمع حكام لا يرحمون أحدا ويسعون إلى منع رحمة الله من الوصول إلى عباده. وهؤلاء المستبدون كانوا - ولايزال أكثرهم - يحظى بالدعم الأميركي، لأن الولايات المتحدة ليست لديها سياسة لنشر حقوق الإنسان بصورة منفصلة عن مصالحها الاستراتيجية.

أميركا لا تصلح لقيادة العالم نحو الديمقراطية، لأن الديمقراطية تفترض احترام حقوق الإنسان وعدم دعم الأنظمة العنصرية (مثل «إسرائيل») أو الأنظمة المستبدة، وتفترض الديمقراطية إنعاش «التعددية» وتداول السلطة والقرار سلميا. ولكن أميركا هي أول من يرفض التعددية على المسرح الدولي، وبالتالي فإن ذلك يترجم على الشئون الإقليمية والمحلية التي تسيطر عليها أميركا.

ربما هذه النظرة أحادية الجانب ولا تنظر إلى الأوجه المتعددة لأميركا. فالولايات المتحدة وبعد أن ضمنت مصالحها الاستراتيجية في اليابان وكوريا الجنوبية (مثلا) ساهمت بشكل مباشر في إقامة وتعزيز أنظمة ديمقراطية فسحت المجال لتطوير تلك البلدان بشكل متسارع لم يكن بالإمكان تحقيقه من دون الدعم الأميركي. وهذا ما يطرحه البعض الذي يقول إن عالمنا العربي وحكامنا العرب أشبعونا استبدادا ومنعونا من كل شيء استراتيجي وغير استراتيجي، في الوقت الذي يسير معظمهم في الركب الأميركي... فلماذا - والحديث لمن يؤمن بهذا الطرح - لا نعطي أميركا ما تريد بالنسبة إلى مصالحها الاستراتيجية وننعم بشيء من الديمقراطية التي حرمنا منها حكامنا الأبديون؟

وعلى رغم أنني لست مع هذا الطرح، فإن المؤشرات تدل على ازدياد قوته في أوساط بعض النخب العربية والإسلامية وذلك بسبب البؤس السياسي الذي نعيشه منذ فترة طويلة جدا... فمرحبا ولا مرحبا بالديمقراطية الأميركية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً