العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ

أميركا وإيران... لا عصا ولا جزرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«العصا» أو «الجزرة». هذه هي خلاصة خطاب نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن في «المؤتمر الدولي للأمن» الذي ألقاه في ميونيخ وتناول فيه السياسة الدولية في عهد الرئيس باراك أوباما واستراتيجية «الدبلوماسية الذكية» بشأن القضايا الساخنة وتحديدا مشروع تخصيب اليورانيوم في إيران.

تكتيك «العصا» و«الجزرة» ليس جديدا إذ اعتمدته إدارة جورج بوش خلال الفترة الثانية من عهدها. كذلك التكتيك ليس جديدا على إيران إذ سبق وسمعته مرارا طوال أربع سنوات امتدت من 2004 إلى 2008.

إذا ما الجديد في الدبلوماسية الأميركية في حال تواصل التلاعب السياسي بين «العصا» و«الجزرة»؟ هناك الكثير من الإضافات وردت في خطاب بايدن وهي إضافات أعادت تأكيد ما ورد في تصريحات سابقة للرئيس أوباما بشأن «اليد الممدودة» و«الصفحة الجديدة» و«الاستعداد للحوار المباشر والعلني» وغيرها من «إغراءات» غير واضحة المعالم والمعايير.

الإضافات التي وعد أوباما بتقديمها غامضة ومشروطة بمجموعة مواد قابلة للتفجير. وهذه الصورة الغامضة والمشروطة يمكن التقاط عناصرها في خطاب بايدن.

ما المقصود بالعصا والجزرة؟ وماذا تعني «العصا» في فلسفة الدبلوماسية الأميركية الجديدة؟ كذلك ماذا تعني «الجزرة» في تلك الفلسفة؟ جورج بوش هدد مرارا باستخدام «العصا» ورحل عن البيت الأبيض مكتفيا بالتهديد. كذلك روج مرارا لفكرة «الجزرة» ورحل من مكتبه من دون أن يوضح حجم الصفقة التي يمكن أن يتوصل إلى تقديمها كاغراءات لطهران حتى تتراجع عن مشروع التخصيب.

«العصا» وظائفيا ليست للضرب فقط. فهذه الرمزية تعني الكثير وتشير إلى استخدامات مختلفة. فهي قد تعني التخويف والتهويل والوعيد بالاستخدام ولا تستخدم، وهي يمكن الاتكاء عليها للمساعدة على السير حين يصاب المرء بضعف بنيوي وعجز على المشي. و«العصا» أيضا تستخدم في الرقصات الشعبية والقفزات الفولكورية والنط في الهواء. وأيضا يستخدمها المارشالات والجنرالات وقادة الجيوش لتأكيد قوة العزيمة أو المباهاة وأحيانا لتثبيت التمايز الاجتماعي عن المراتب الأقل شأناَ.

«الجزرة» تعريفا ليست للأكل فقط. فهذه الرمزية تعني بدورها الكثير من الإشارات المتضاربة.فهي من جانب قد تشير إلى إغراءات ولكنها أيضا قد تستخدم للجرجرة والانبطاح أو الركض واللهاث للحصول عليها... وأحيانا تحصل مغامرات من دون التوصل إليها.

هذا ما يمكن فهمه من خطاب بايدن للعصا والجزرة. فالكلام غير واضح والأفكار غامضة والمقصود من «الدبلوماسية الجديدة» غير محدد الأهداف. الجديد في الخطاب جاء بصيغة «الشرط» ومعطوف على «إذا». إذا فعلت إيران كذا وكذا نعدها بهذا وذاك. وإذا فعلت ما هو مطلوب نقدم لها ما هو مرغوب.

المسألة إذا لا تزال تدور على نفسها ما يؤكد نظرية أن الإدارة الأميركية الجديدة تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحديد صيغة التعارف أو التعامل مع القيادة السياسية الإيرانية. والكلام الذي قيل عن مهلة أسابيع وأشهر لبلورة توجه الدبلوماسية الجديدة يؤكد على أن الملف مؤجل ويتطلب إعادة قراءة وربما يحتاج إلى انتظار لمعرفة مجرى الرياح في «الشرق الأوسط» بدءا من أفغانستان وباكستان وانتهاء بالعراق ولبنان وفلسطين.

أميركا كما يبدو تنتظر وإدارتها الجديدة لا تريد التورط في سياسة ثابتة قبل أن تتوضح صورة المواقف الإسرائيلية بعد الانتهاء من الجولة الانتخابية. كذلك لا تستطيع تقديم خدمات مجانية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل الانتهاء من دورة الانتخابات الرئاسية. والأمر نفسه يمكن سحبه على نتائج الانتخابات النيابية في لبنان ومصير قطاع غزة في إطار التفاهم الأمني - السياسي مع «حماس» ومدة تلك الهدنة وانعكاساتها على الداخل الفلسطيني.

الغموض الذي يكتنف الدبلوماسية الأميركية الجديدة يعتمد على مبررات موضوعية تشير إلى وجود عقبات ذاتية تعترض إدارة أوباما. فالإدارة الجديدة تواجه ملفات صعبة تركها بوش الابن على طاولة المكتب البيضاوي وهي في مجموعها تحتاج إلى قراءة نقدية قبل التورط في خطوات ناقصة تهدد صدقية الوعود التي طرحها أوباما خلال مرحلة الانتخابات. والكلام الذي يقال في خطابات الترشيح يختلف في مضمونه حين يتحول إلى سياسة رسمية تقرر في النهاية استراتيجية دولة كبرى.

لا حرب ولا سلام

بين الكلام والسياسة يمكن فهم مأزق الإدارة الأميركية الذي ورد في خطاب بايدن بشأن «العصا» و«الجزرة». فهل «العصا» تعني المزيد من «العزلة» لإيران والذهاب إلى طور جديد من «العقوبات» وإضافة قرار دولي جديد على أربع قرارات دولية صدرت عن مجلس الأمن في سنتين؟ وهل «الجزرة» تعني المزيد من «الحوافز» وإضافة إغراءات جديدة تفيض عن تلك التي وعد بها الاتحاد الأوروبي إيران واعتبرتها القيادة السياسية غير كافية؟

هامش المناورة الدبلوماسية الأميركية الجديدة ليس واسعا لتقديم إجابة واضحة عن السؤالين. وحدود المناورة ضيقة في المجالين لأن الولايات المتحدة لا تستطيع استخدام «العصا» للضرب وستكتفي باتباع سياسة الضغوط لتحسين شروط العقوبات وتطوير العزلة. وهي أيضا لا تستطيع تقديم إغراءات وحوافز تتجاوز السقف الأوروبي وخصوصا أن «الأزمة المالية» يمكن أن تشكل عائقا أمام واشنطن حتى تكون سخية أكثر من حليفها الأوروبي.

إذا لا «عصا» ولا «جزرة». المحصلة السلبية مع إيران تشبه كثيرا تلك المعادلة السلبية المتبعة مع الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية وهي: لا حرب ولاسلام.

مشكلة الولايات المتحدة مع إيران تقارب نظريا مشكلتها مع الدول العربية فهي من جانب لا تستطيع التقدم خطوة لتتجاوز سقف الشريك الأوروبي في حدود التعامل مع طهران، وهي من جانب آخر لا تستطيع التوجه نحو المبادرة العربية من دون أخذ خسائر حليفها الاستراتيجي في «الشرق الأوسط» بالاعتبار لكون التسوية تعني عمليا وقف الاستيطان والتراجع عن الأراضي المحتلة العربية والفلسطينية والاعتراف بالحقوق وإطلاق ورشة بناء دولة مستقلة «قابلة للحياة».

المراوحة في المكان تعني ميدانيا الدوران حول نقطة صفر، وهذا ما يمكن التقاط إشاراته من خطاب بإيدن في مؤتمر الأمن في ميونيخ. فواشنطن غير قادرة على استخدام «العصا» وستكتفي بالتلويح بها وهي غير مستعدة لتجاوز «الجزرة» الأوروبية إذا كان الشريك متخوفا ويتردد في توسيع دائرة الإغراءات.

تبقى القرارات الدولية الأربعة التي صدرت عن مجلس الأمن في عهد بوش الابن. فهذه القرارات التي وافقت عليها الدول الدائمة العضوية بالاجماع وبمشاركة ثنائية صينية وروسية تعطلت عمليا لكون واشنطن تعاملت معها وكأنها مجموعة أوراق غير قابلة للتصديق أو التنفيذ. وهذا بالضبط ما ذكرته قيادة الكرملين ردا على محاولة واشنطن جرجرة مجلس الأمن إلى إصدار قرار خامس. فالقيادة الروسية كانت واضحة في اعتراضها حين سخرت من إدارة بوش وطالبته بالعمل على تنفيذ فقرات القرارات الأربعة السابقة قبل توجيه الدعوة لإصدار قرار خامس. وردت واشنطن على موسكو بالصمت وإقفال الملف إلى أن انتهت ولاية بوش.

السيناريو نفسه يمكن أن يتكرر مع إدارة أوباما التي ستجد نفسها غير قادرة على استخدام «العصا» وغير مستعدة لتجاوز «الجزرة» الأوروبية ولا تستطيع تنفيذ ما نصت عليه تلك القرارات الدولية الأربعة. والنتيجة النهائية لمحصلة المعادلة السلبية ستكون متقاربة مع نهج السياسة الأميركية في التعامل مع المبادرة العربية بشأن فلسطين: لا حرب ولا سلام.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً