العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن «16»

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

منذ دار في فكره ترك العمل النضالي في صفوف الحركة الثورية الشعبية كان أكثر ما يعذب أحمد الشملان مسألة التوقف عن النضال الوطني الذي نذر له حياته مذ كان طالبا في المدرسة، وقال إنه في ذلك الوقت شعر فعلا بقربه الفكري والسياسي من رؤى وطروحات جبهة التحرير الوطني البحرانية ورأى فيها التنظيم الذي سيمكِّنه الانتماء إليه مواصلة عطائه النضالي وفق قناعاته. وكانت جبهة التحرير الوطني البحرانية(تأسست في 15 فبراير/ شباط 1955) أول تنظيم سياسي يتأسس في البحرين وفي الخليج عموما بالمعايير الحزبية برؤية مستمدة من نظرية الاشتراكية العلمية.

أولت جبهة التحرير منذ تأسيسها اهتماما خاصا بالطبقة العاملة ونشطت عناصرها في تأسيس اللجان العمالية وتنظيم الإضرابات العمالية، وقد أعلنت الجبهة أول برنامج عام لها العام 1961. في مقدمة برنامجها عرَّفت جبهة التحرير العصر الذي صدر فيه البرنامج بأنه عصر الثورات التحررية وذكرت أن الاستعمار هو العدو الرئيسي والعقبة الرئيسية في طريق تحقيق الاستقلال الوطني، وأن مصالح الشعب البحريني تتطلب القضاء على حكم الاستعمار واجتثاث جذور سيطرته. وأكدت على أن الطبقة العاملة هي المناضل الأكثر ثباتا في النضال الوطني ودعت لتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين والبرجوازية الوطنية والمثقفين الديمقراطيين من أجل بلوغ الاستقلال الوطني وإجراء تحويلات ديمقراطية من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وفي ختام مقدمة البرنامج أكدت جبهة التحرير أن نضالها الوطني هو نضال من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم والتقدم من خلال برنامج عام نوجزه في التالي:

تناضل جبهة التحرير الوطني من أجل:

1. من أجل البحرين دولة ديمقراطية ذات سيادة مستقلة استقلالا حقيقيا.

2. تصفية قواعد الحرب العسكرية العدوانية البريطانية والأميركية وجلاء القوات الأجنبية عن بلادنا.

3. تناضل الجبهة لأجل إيجاد حكومة وطنية ديمقراطية تعمل لمصلحة الشعب البحريني وتقيم مؤسسات ديمقراطية تضع دستورا بحرينيا يقوم على أساس ديمقراطي.

4. تنمية اقتصادنا الوطني بإقامة صناعة لاستثمار مواردنا وثرواتنا الطبيعية لغرض سعادة ورفاه شعبنا.

5. تطوير الإنتاج الزراعي وإقامة إصلاح زراعي يكفل مصالح الفلاحين ويخلص شعبنا من الإقطاعية.

6. تخليص شعبنا من شركات الاحتكار الأجنبية وسيطرتها الاحتكارية.

7. تناضل في سبيل تنظيم نقابي يدافع عن مصالح العمال، ومن أجل إلغاء قانون العمل الحالي وسن تشريعات تحمي مصالح العمال.

8. تطوير التعليم ورفع مستواه وإقامته على أسس وطنية.

9. إنشاء جيش وطني للدفاع عن مكتسبات الشعب.

10. رفع مستوى الشعب الصحي.

11. مساواة المرأة بالرجل في كافة الحقوق.

12. المساواة الحقيقية في الحقوق بين جميع المواطنين.

13. النضال تحت راية النضال المشترك لحركة التحرر العربي.

14. تقوية التضامن بين الشعوب العربية وبين المنظمات الشعبية للعمال والطلاب والمثقفين في البلاد العربية.

15. التعاون الاقتصادي بين الأقطار العربية.

اعتبر أحمد الشملان ذلك البرنامج برنامجا سياسيا يتوافق مع رؤاه وتوجهاته مما عزز رغبته في الانضمام لصفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية، وتطلع للمشاركة الفاعلة في صفوف الجبهة فأبدى رغبته لرفاق من جبهة التحرير في الانضمام لصفوفها منذ يناير/ كانون الثاني 1972 قبل عودته للوطن، ونظرا لاعتقاله مباشرة حال وصوله فقد ظل الأمر معلقا فترة الاعتقال التي امتدت من يناير 1972 الى يناير 1974.

خلال فترة عمل المجلس الوطني وفي ظل أجواء الانفتاح وهامش الحريات التي ضمنها الدستور وجد أحمد الشملان المناخ سانحا وملائما لينشط ويسهم بعطائه في التوعية الجماهيرية فشارك في أول احتفال بعيد العمال يقام في البحرين وقدم محاضرات وشارك في دورات تثقيفية.

أعيد اعتقال أحمد الشملان في يونيو/ حزيران 1974 وفي المعتقل احتك برفاق جبهة التحرير الذين شكلوا غالب معتقلي تلك الفترة وشاركهم في مناقشات فكرية وسياسية خاصة خلال تواجدهم المفتوح على بعض بسجن «جدا».

وما إن خرج الشملان من المعتقل حتى توجه لدراسة القانون الدولي بجامعة الصداقة بموسكو، وهناك تعمق اطلاعه على الفكر الماركسي خاصة وقد درسه دراسة أكاديمية ضمن المقررات الدراسية. كما تعمق اطلاعه على التجرية الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، هذا إلى جانب انفتاحه على تجارب وأفكار مختلف الأحزاب السياسية وحركات التحرر العربية والعالمية التي كان أعضاؤها زملاء له على كراسي الدراسة الجامعية.

العام 1981 كانت جبهة التحرير الوطني البحرانية تعد العدة لولوج مرحلة جديدة في تاريخها النضالي بما يتلاءم مع متغيرات الوضع على الساحة الوطنية والإقليمية والعربية، وقد عملت على إعداد برنامج سياسي جديد كان مخططا أن يقره مؤتمر عام تعقده الجبهة وكان مقررا أيضا أن يعد للمؤتمر اجتماع موسع اشتهر باسم «كونفرنس أبين». ساهم أحمد الشملان في إعداد التقرير المقدم من منظمة موسكو، وفي بيروت شارك في إعداد البرنامج السياسي.

اعتبرت الجبهة مشروع البرنامج كما ورد في مقدمته البديل الديمقراطي في سبيل تعزيز الاستقلال الوطني وتحقيق الديمقراطية. واشتمل على تحليل للوضع المحلي في المرحلة المذكورة بما فيه الوضع الاقتصادي- الاجتماعي، المرأة، الشبيبة والطلبة والمثقفين. وتحليل الوضع في الخليج والجزيرة العربية مع تركيز أساس على مجلس التعاون الخليجي، وتحليل الوضع العربي والوضع الدولي.

أما أهم مفردات برنامج البديل الديمقراطي فركزت على النضال من أجل مهام نوجزها في التالي: في مجال الديمقراطية والحريات العامة: النضال من أجل حياة ديمقراطية حقيقية بإجراء انتخابات برلمانية حرة ومباشرة والالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات وإطلاق الحريات العامة وممارسة المواطن حقوقه المدنية والسياسية. وفي مجال السيادة والسياسة الخارجية: النضال من أجل تصفية القواعد العسكرية وضد الدخول في أحلاف عسكرية معادية لمصالح الشعب، والعمل على أن يكون مجلس التعاون الخليجي معبرا عن إرادة شعوبه. وفي مجال الدفاع والأمن: النضال من أجل توجيه قوة الدفاع وأجهزة الأمن لخدمة قضايا الشعب والدفاع عن سيادة الوطن وبحرنة أجهزة الشرطة والأمن العام وقوة الدفاع. وفي المجال الاقتصادي: النضال من أجل بناء اقتصاد وطني مستقل بتطوير قطاعات الاقتصاد الإنتاجية وإحداث تغييرات نوعية في قطاعات الصناعة والزراعة وتنظيم السياسة المالية والمصرفية وبحرنة الشركات التجارية الأجنبية وتنشيط الحرف والمهن والاستفادة من خصائص الوطن السياحية. وفي المجال الاجتماعي: النضال من أجل تطوير التشريعات والمؤسسات الاجتماعية ومن أجل توفير فرص العمل الملائم لكل مواطن والعمل على تطوير الحركة النقابية والمهنية والعمل على انتزاع حقها في العلنية، والتأكيد على أن التعليم حق لكل مواطن وإيلاء الاهتمام بقطاع الشبيبة والطلبة، وإيلاء اهتمام استثنائي بأوضاع المرأة ومساواتها مع الرجل ومشاركتها الكاملة في الحياة العامة، وتشجيع الإبداع وانتهاج سياسة إعلامية تحترم الشعب وتراثه الوطني، والتأكيد على حقوق المواطن الاجتماعية. وفي مجال الوحدة الوطنية: النضال من أجل الخروج ببرنامج مشترك لوحدة عمل مجمل الحركة الوطنية البحرانية والمعارضة الدينية بمختلف قواها وشخصياتها الوطنية المستقلة. وعلى مستوى الخليج والجزيرة العربية: النضال من أجل مد التحالف والتعاون مع أوسع قوى ممكنة على نطاق منطقة الخليج والجزيرة العربية ومن أجل قيام وحدة خليجية نابعة من إرادة شعوب المنطقة. وفي مجال البيئة: النضال من أجل الاهتمام بمعالجة ما لحق بالبيئة وتوازنها بسن القوانين وتشديد الرقابة الفنية والعلمية.

لقد عبرت مفردات مشروع البرنامج عن الرؤية والفكر السياسي الذي كان أحمد الشملان يتبناه في تلك المرحلة، وقد عقد «كونفرنس أبين» لكن الجبهة لم تتمكن من عقد مؤتمرها نتيجة للضربات التي وجهت لها في العامين 1982 و1986.

شكّل معتقل الثمانينيات حلقة أخرى هامة من حلقات اغتناء مشروع أحمد الشملان الثقافي والفكري، فقد أتاح له الفراغ الذي لا نهاية له أن يقرأ ويقرأ كل ما وقع تحت يده من مصادر الثقافة والمعرفة. تقول السيدة فوزية مطر زوجة الشملان:» مما ميز اعتقال الثمانينيات عن غيره من اعتقالات الشملان السابقة أنني كنت حاضرة بقوة في ظروف ذلك الاعتقال، فهو أول اعتقال أنا فيه زوجة أحمد، وحصوله على ما كان يتمنى من قراءات ارتبط بمدى همتي ونشاطي في أخذ أكبر قدر من المطبوعات له. كنت أسعى للبحث عن المجلات والكتب التي أتوقع قبولها من الضابط المسئول، وعليه فلم يكن الاختيار ممنهجا ولا مخططا من حيث النوعية والمجالات ولا حسب ما يطلب أحمد، وأستطيع القول إن قراءات أحمد كانت شبه عشوائية خاضعة لاختياري وترجيحي وخاضعة من جانب آخر لمزاج الضابط المسئول الذي قد يقبل كل ما آخذه لمكتب السجن من كتب ومجلات كثيرة في شهر معين وقد يمنع غالب ما آخذه في الشهر الذي يليه. ولأن الشملان كابد وحشة وقسوة السجن الانفرادي –فترة طويلة في الثمانينيات- فقد كان متلهفا للقراءة وكل ما أبعث به من مطبوعات كان مرغوبا بالنسبة له ويشكل مصدرا لمعارف جديدة ومنوعة في كل الميادين. كنت آخذ له وبشكل شهري منتظم مجلات: العربي، الجيل، الدوحة، الفيصل، المعرفة، الآداب، البيان، طبيب الأسرة، طبيبك، فيديوترونك وغيرها. كما عملت على أمداده بسلسلة كتب «عالم المعرفة» الثقافية الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت التي صدرت منذ اعتقاله صيف العام 1981 حتى الإفراج عنه صيف العام 1986. وزودته بالعديد من دواوين الشعر والمسرحيات والروايات وكتب النقد الأدبي. هذا عدا عما كان يتبادله من مطبوعات مع غيره من معتقلين موقوفين ومساجين محكومين.

العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً