العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ

فلاسفة الأنوار والإسلام (2 - 3)

وتدل الوقائع التاريخية المتوافرة، على ندرتها، أن الديانة اليهودية استطاعت لفترة من الزمن أن تستفيد بشكل ملموس من ذلك الفراغ الديني الحاصل. يؤكد ذلك توسع انتشارها الى درجة التمكن من تأسيس عدة ممالك يهودية في جنوب الجزيرة العربية وفي اليمن خاصة. لكن لوهلة قصيرة جدا من الزمن. إذ إن تلك الممالك ما لبثت أن اضمحلت منذ 510 بفعل عزلتها الجغرافية ومحدودية انفتاحها على غير اليهود، قبل أن تزول من الوجود نهائيا في 525 إثر اندحارها أمام حملة عسكرية كبيرة أرسلتها ملوك الحبشة المسيحية التابعة لإمبراطورية الرومان لكن هذه القوة المسيحية المنتصرة سرعان ما اندحرت هي كذلك أمام مقاومة القبائل العربية في تلك اللحظة نفسها التي اعتقدت فيها الكنيسة أن الفرصة مؤاتية لإعادة نشر ديانتها على الجزيرة وسكانها.

بعد كل هذه الإخفاقات، ربما نستطيع أن نفهم أكثر السبب في أن جزيرة العرب لم تعد تشكل إغراء يستحق العناء في نظر الكنيسة. يضاف الى هذا واقع أن الامبراطورية الرومانية، والبابوية تاليا، كانتا في غمرة نشوة سلسلة انتصاراتهما الكبيرة على الدولة الساسانية التي حققتها جوستنيان. والتي سمحت لهما بانتزاع مناطق واسعة وغنية بالثروات، ألغت بداهة الأهمية الاستراتيجية الضئيلة التي كانت تمتلكها جزية العرب، لا سيما بعد نجاح الرومان في كسب ولاء ملوك الهند وإخضاع معظم الدويلات الجرمانية في الشمال وتحويل البحر الأبيض المتوسط الى بحيرة مسيحية رومانية لا يهددها شيء بينما يتمركز فيها كل ما هو حيّ ومشتهى في العالم القديم.

بعد كل ما تقدم، نستطيع أن نفهم لماذا شعرت الكنيسة المسيحية بالدهشة أمام سرعة واسعة الفتوحات الإسلامية وبالعجز التام عن الصمود بوجهها في الشرق. ويعبر جليا عن حقيقة تلك الدهشة ذهاب المفكر المسيحي والغربي عموما الى نعت سرعة تلك الفتوحات بـ «المعجزة». إذ لا شيء كان يعلن آنذاك أن بناء عدة قرون من الحضارة المسيحية المتوسطة هو الآن في طريقه الى الدمار او الانهيار المفاجئ على يد قوة تخرج من جزيرة العرب، بل لا أحد يتخيل ذلك قطعا. كما لا شيء ينذر بأن القوة الرومانية العظيمة ستتعرض للهزيمة والكارثة في تلك اللحظة تحديدا من مجدها العسكري الزاهي حيث كانت أساطيلها تمخر عباب المتوسط من ايجة إلى مصر وشمال إفريقيا ومن سورية إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا فارضة سيادتها المطلقة على كل حركة فيها. كما كان الرومان وحدهم من تعترف به الكنيسة ملكا على الدنيا.

* * *

صفوة القول إذن، أن ظهور الإسلام هو العامل الحاسم في تقهقر المسيحية وتدمير عالمها المزدهر السابق. بل وهو العامل الجوهري الذي زجّها في متاهات القرون الوسطة المعتمة. وهذا على أية حال ما يراه عدد من كبار المفكرين الغربين انفسهم كهنري بيرين الذي لخص رأيه في هذا الصدد بجملة: «لولا محمد لما ولد شارلمان».

بكلمة أخرى، إن الإسلام بقضائه على الإمبراطورية الرومانية المسيحية، المتوسطية كليا قبلئذ، أحدث جملة من التغيرات العميقة في خارطة ما يعرف بـ «العالم القديم»، أهمها اثنان رئيسيان. يتمثل الأول في إحداث قطيعة حاسمة وشاملة بين الشرق والغرب، أنهت وجود ذلك العالم القديم المتوحد حول الأبيض المتوسط، بانشطاره فعليا إلى عالمين اثنين، مسيحي وإسلامي، يفصل بينهما الأبيض المتوسط نفسه فصلا حادا، عالمان متضادان في كل شيء ومتصارعان في كل المجالات.

ففي الواقع، ومهما صدقت المبالغة بحجم الانتصارات التي حققها شارلمان ضد المسلمين، إن تلك الانتصارات ظلت مقتصرة على البر الأوروبي وحده، وعلى جزء منه فقط إذا توخينا الدقة، نظرا لأنها لم تمتد أدنى امتداد إلى المناطق الأخرى، من العالم المسيحي، التي فتحها العرب المسلمون. إنما على العكس شهدت هذه المناطق، لا سيما جنوب وشرق المتوسط، نجاح المسلمين في تثبيت وتجذير وجودهم فيها لا العسكري والسياسي فحسب بل الديني واللغوي والثقافي أيضا، مما أدى إلى انبثاق عالم حضاري جديد لا علاقة استمرارية له مع الحضارة المتوسطية السابقة على الرغم من انتهاله أو استلهامه كثيرا من معطياتها في شتى الميادين وبحرية كاملة.

أما التغيير الرئيسي الآخر، فيتجسد في توفير الضرورة الموضوعية التي دفعت الكنيسة الرومانية إلى اللجوء ثم التطابق التام مع القبائل الجرمانية، الوثنية سابقا، متماهية معها في عالم مسيحي جديد هو الآخر، عالم غربي محض، دخل من جانبه في مرحلة تطور حضاري مغاير تماما لذلك التطور الذي كانت الحضارة المسيحية السابقة قد عرفته لحد ذلك الوقت، يبدأ مع مطلع القرون الوسطى وينتهي بنهايتها، أي بانبثاق أوروبا الحديثة العلمانية والمتوسطية جوهريا.

لقد كان العرض الذي تقدم ضروريا جدا برأينا، في التمهيد لفهم ماهية الدور الاستثنائي الذي لعبه فلاسفة الأنوار في إغناء المنظور الغربي حول الإسلام وظواهره المختلفة. فهذه الحركة التي استحوذ عليها هاجس تصفية الحساب بالكامل مع مفاهيم القرون الوسطية، كان لا مفر أمامها من التصادم بالتركة الفكرية الثقيلة المتجسمة في التصورات المسيحية حول الإسلام والتي امتلكت، لوحدها ربما، تاريخيا معقدا من التطور يوازي إلى حد مثير تاريخ الحضارة المسيحية الوسيطة ذاتها منذ مطلعه حتى لحظته الختامية. فعلى الرغم من أن الإمبراطورية العربية الإسلامية الكلاسيكية كانت قد انهارت منذ زمن طويل قبل العصر الحديث، ظل الفكر المسيحي الوسيط يصرّ بحيوية مدهشة على تفعيل تصوراته التقليدية عن الإسلام مأخوذا هذه المرة كـ «أتراك» وكإمبراطورية عثمانية دون اعتبار بالمقابل لحقيقة أن تلك الإمبراطورية نقلت هوية الثقافة والسياسية فيها من عربية إلى تركية وقلبت المعطيات الحضارية رأسا على عقب. بيد أن ذلك المنظور التقليدي لم يمكث على ما كان عليه في المرحلة الأولى من تطوره. إنما عرف جملة من التحولات العميقة في خضم سيرورتها مادة هائلة، كمّا ونوعا، من العناصر الجديدة اللاهوتية والفكرية وحتى السايكولوجية لم تترك مجالا يفلت منها رغم أنها، وتماما ككرة الثلج، لم تفارق جوهرها الفعلي الأول أبدا حتى مجيء عصر الأنوار. من ناحية أخرى وكما هو الحال في مجال كهذا، تبدو هذه المادة الهائلة أشبه بخزين من الحجج والمواقف، الدينية والعقلية وحتى اللاعقلية، جاهز للتوظيف على الفور ليس ضد الإسلام وحده، كما كان الأمر حتى نهاية الحملات الصليبية، بل وضد غيره أيضا من الأديان الأجنبية أو من التيارات والفرق والنخب «المنحرفة» أو «المتمردة» أو «المخالفة» لكن المسيحية دائما. فأثناء الحروب الدينية الأوروبية، كانت الكاثوليكية والبروتستانتية تتراشقان الإدانة فيما بينهما وكل يستخدم ذات الحجج التي كان الفكر المسيحي قد بلورها حيال الإسلام فيما مضى. والأكثر من ذلك هناك، بين زعماء وأساقفة الكنيسة الكاثوليكية، من ذهب الى حد اتهام البروتستانتية المسيحية بانها «مجرد فرقة إسلامية». والنموذج الصارخ في هذا المجال قيام البندكتي الإنجليزي وليم رينولدز، أستاذ اللاهوت في جامعة رانس، بتأليف كتاب في العام 1600 تألف من 1106 صفحات لإثبات انتساب البروتستانتية الى «الديانة المحمدية»! (William Rainolds, Calvino-Turcismus, id est calvinisticae perfidiae cum mahometana collatio).

ولعل التوظيف الأخير لتلك المادة كان سببا مباشرا في اندفاع عدد من فلاسفة الأنوار في نقد ورفض تلك التركة الفكرية الضخمة التي وجدوا أنفسهم يصطدمون بها في خضم صراعهم مع الكنيسة لاسيما وأنها تتضارب مع معرفتهم المتنامية حول الإسلام. وأنها لحقيقة معروفة أن معظم كبار مفكري الأنوار ولدوا ونشأوا في عالم الثقافة البروتستانتية وتشبعوا بالكثير من المفاهيم الأخلاقية والسياسية والدينية التي نادت بها إلى درجة تسمح لنا بالقول إنه لولا ظهور البروتستانتية لما ظهرت «فلسفة الأنوار»، على الرغم من تضادهما العنيف في بعض المجالات وعلى الرغم من النقد الجذري الذي وجهته حركة الأنوار ضد الدين المسيحي عموما في مجرى حملات ممثليها على الإرث الفكري والسياسي الوسيط.

ومهما يكن الأمر، لقد أحدثت حركة الأنوار، بل مثلت، انقلابا كبيرا على عالم من الأفكار حول الإسلام كان صلبا ومهما في كل الغرب قبلئذ. وعالم الأفكار هذا تأسس بدءا، على شعور الكنيسة المسيحية بفاجعة فقدان عالمها المتوسطي واضطرارها إلى اللجوء إلى «زاوية من الأرض» كما يقول هيغل، مقطوعة بغتة وقسرا عن تاريخها وعن أصولها وأماكنها المقدسة في فلسطين. ومذهولة بصدمتها الرهيبة تلك، لم تكن النخبة المثقفة المسيحية، اللاهوتية حصرا آنذاك، أن تمتلك القدرة ولا الوعي ولا المزاج ولا الجرأة ربما، التي تسمح لها بتأمل هادئ وعميق للأزمة التي حلت بالعالم المسيحي بسبب ظهور الإسلام، تستطيع من خلاله العثور على تفسير يأخذ بنظر الاعتبار الظروف التاريخية الخاصة بها والأسباب الموضوعية في حصولها. ومن هنا يتأتى اقتصارها آنئذٍ على إطلاق سيل من الإدانات ضد الإسلام خلاصتها اعتبار هذا الدين بدعة خبيثة، وهرطقة من صنع الشيطان أوحى بها لعربي من قريش هدفها القضاء على المسيحية باعتبارها الدين الإلهي الحق. وقد عبر هذا التصور عن نفسه بإطلاق مفهوم «المسيح المضاد Anthicrist المطور سلفا في اللاهوت المسيحي ضد العتاة من أعدائه. ففي المرحلة الأولى كانت الإدانة والرفض هي موقف اللاهوتين المسيحين الجوهري من الإسلام الذي صار بنظرهم رمزا للقضايا الكاذبة ورديفا للزيف إلى درجة أنهم كانوا إذا أرادوا بطلان رأي ما، يقولون «هذا رأي محمدي»!

أما تفسير كيف تسمح الإرادة الإلهية بحلول هذا «الدين» «الشيطاني» في العالم الدنيوي، فسيأتي لاحقا حيث سيعتبر الإسلام بمثابة «غضب إلهي» على المسيحيين عقابا على ابتعادهم عن الكنيسة. فهذا التصور نجده قد استخدم بشكل واسع في الجدل الحاد والإدانات المتبادلة بين الكنيسة البيزنطية والكنيسة الرومانية، بعد اعتراف هذه بالزعامة السياسية المطلقة لشارمان على المسيحيين، وكل منهما تجعل الأخرى سببا للغضب الإلهي المشار إليه. كما استخدمه لوثر مرارا ضد البابا حيث يرى أن ظهور الإسلام هو «عقاب من الله ضد أخطاء الكنيسة».

بالطبع، كما يرى المؤرخ اللبناني يواكيم مبارك، في تاريخ العلاقات المسيحية- الإسلامية، «ليس هناك حكم لاهوتي حول الإسلام لا يكون هو أيضا، هو خصوصا، متأثرا بأحوال تاريخية محددة». بيد أن هذا الاستنتاج يصدق على تطور المفهوم المسيحي حول الإسلام ككل بالقدر الذي ظل مؤسسا على إيمان لاهوتي مسبق تعبر عنه مقولة منسوبة إلى المسيح نفسه تنص على «أن جميع الأنبياء كانوا أنبياء حتى مجيئي. إلا أنه لا نبي من بعدي أبدا».

هذا اليقين اللاهوتي المسيحي قاد أسقفا سورية هو يوحنا الدمشقي (655-749) ليكون أول مفكر مسيحي رأى في الإسلام نوعا من «الهرطقة» ضد المسيحية، إذا ثبت فعلا أن مؤلفه الموسوم بـ «الهرطقة Haeresibus» الذي كرسه للإسلام موثوق النسب إليه. وعلى أية حال، فإن هذه الرؤية التبسيطية ظلت سائدة حتى منتصف القرن الثاني عشر كمحور وحيد للمنظور المسيحي حول الإسلام. فعلى الرغم من أن هذا المنظور سجل تطورا ملموسا في الإحاطة بالمعتقدات الإسلامية الرئيسية والاعتراف ضمنا بأهمية وأصالة المعطيات الفلسفية والفنية والعلمية والحضارية الأخرى كعناصر أساسية في تاريخ العقل الإنساني، إلا أن الصورة الشعبية واللاهوتية لنبي الإسلام ظلت صورة «ساحر» و«نبي زائف» بينما بدا المسلمون مجرد شعب وثني جاهل كما جاء لدى مؤلف كتاب «أغنية رولاند» المكرس لتمجيد شارلمان. لكن النصف الأخير من القرن الثاني عشر سيشهد ولادة أول منظور رسمي متطور نسبيا يتناول الإسلام كحالة روحية قائمة بذاتها ومتميزة في التاريخ العام للظاهرة الدينية وليس كمجرد هرطقة من وحي الشيطان. ويعود الفضل في المبادرة إلى ذلك إلى المفكر اللاهوتي المسيحي بطرس الجليل Petrus Venerabilis رئيس «دير كلوني». فبعد طلب تقدم به إلى الكنيسة الرومانية يقترح فيه موافقتها على ترجمة القرآن إلى اللاتينية بهدف تطوير أساليب دحضه وتفنيده وجعل فحواه في متناول من يريد محاججة المسلمين ونشر المسيحية بينهم، استجابت الزعامة الدينية على مضض لذلك الطلب مما سمح بوجود أول ترجمة للقرآن في الغرب وذلك في 1143. (تم طبعها في 1543 بفضل اللاهوتي السويسري تيودور ببلياندر Th. Bebliander، ضمن حملة بروتستانية واسعة لدحض الاسلام).

ورغم سقم هذه الترجمة وتحميلها المفاهيم الإسلامية محمولات مسيحية بشكل صارخ أحيانا، فإنها طرحت لأول مرة في العالم المسيحي مشكلة ضرورة المعرفة الدقيقة بهذا الدين من قبل المفكرين واللاهوتيين. بيد أن إحدى النتائج المباشرة لجهد بطرس الجليل المذكور، هي ظهور تيار لم يكف عن التنامي والتعمق راح يعلن رغبته بالحوار بين المسيحية والإسلام. وهذه المعرفة المباشرة التي توفرت للإحاطة بفحوى النص القرآني، كشفت لأول مرة عن وجود تماثلات هائلة بين روح الديانتين المسيحية والإسلامية. فعلى العكس من تصور اللاهوتيين المسيحيين سابقا بأن فكرة المسلمين عن الله تتضمن التجسيم، ها هو النص القرآني صريح في تأكيده على لا جسمانية الذات الإلهية. كما كانت دهشتهم عظيمة وهم يكتشفون المكانة المقدسة التي يحتلها المسيح في كتاب المسلمين المقدس ذاته، على العكس من احتقار اليهود له من جهة وعلى الضد من التصورات التي قدمت سابقا عن عقيدة المسلمين في هذا الشأن.

إلى ذلك، جاءت ترجمة المؤلفات الفلسفية لابن سينا وابن رشد والغزالي إلى اللاتينية في هذه الفترة لتعمق من هذا الفهم الجديد للاسلام. فاذا كان ابن رشد او ابن سينا تجسيدا للمفكر الاسلامي ورسالته في الفلسفة، اين اذن تلك الهوة أو التناقض بين روحي الإسلام والمسيحية ما دام مفكرون مسيحيون متنفذون لاهوتيا يستلهمون مناهجهم؟ ولقد ساعد في نكوص هذا التناقض واقع الثراء الكبير الذي تحمله مؤلفات الفلاسفة المسلمين أولئك على صعيدي اللغة الفلسفية والمضامين، المفقودين تماما لدى المفكر المسيحي في القرن الثاني عشر والثالث عشر. لذلك لم ير توما الاكويني بدا من استخدام لغة ومصطلحات وحجج فلسفية رشدية وإسلامية عموما في رسائله الفلسفية على الرغم من عنف رفضه للإسلام. بل لم يتردد مفكرون مسيحيون كبار آخرون في العودة الى المفكرين المسلمين عند مواجهتهم لمشاكل أو قضايا لاهوتية مسيحية. وهذا التطور عمق موضوعيا الميل نحو نظرة إيجابية من العقيدة الإسلامية.

روجيه بيكون كان ربما اول من طرح ضرورة الحوار في التعامل مع المسلمين إذا أرادت المسيحية لنفسها أن تجذبهم إلى إيمانها. كما أنه أول مفكر مسيحي اقترح اعتبار الإسلام ضمن نفس الدائرة التوحيدية مع اليهودية والمسيحية رغم إيمانه العميق بأن المسيحية هي الديانة الإلهية الحقيقية الوحيدة.

لكن رايمون لول يتجاوزه في ذلك باعتقاده أن الإسلام أكثر الأديان جميعا قربا للمسيحية. وهذا ما يفسر اندفاعه الشديد والمبكر لتعلم اللغة العربية التي، إضافة إلى تدريسه إياها في الأديرة والمعاهد، كتب بها العديد من مؤلفاته الفلسفية واللاهوتية. وقد بلغ إعجابه وتوافقه مع منظورات المتصوفة المسلمين حدا جعله يؤكد عدم وجود أي اختلاف جوهري بين الإيمانين الإسلامي والمسيحي ويكرس سنوات طويلة من حياته داعيا إلى استبدال الحروب الصليبية بالحوار بين المسلمين والمسيحيين من أجل «التوحد من جديد»، بل راح يتصل بالبابوات والملوك لإقناعهم بذلك. فقد كتب في مؤلف له: «تعرفت على هؤلاء المفكرين الذين يسمون بـ «الصوفيين» والذين يحظون بمكانة عظيمة لدى المسلمين وغير المسلمين، فوجدتهم ذوي كلام مفعم بالحب وعبارات وجيزة تملأ الإنسان بمشاعر النبل والتقوى، وهو تقتفي عرضا ترتفع المدارك بفضله إلى أعلى مراتب السمو مقرونة بأعلى درجات التفاني الأمر الذي دعاني إلى أن أقتدي بهم» (1).

العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً