العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ

عندما يقطع خاتمي الشك باليقين

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

كما هز كمال الدين الاسد آبادي الحسيني - المعروف بالافغاني في نهايات القرن التاسع عشر بدعوته الى الثورة - ثوابت القرون من قبله في فكرة الانتظار السلبي التي ظل يؤمن بها العالم الشيعي، فان الامام روح الله الخميني ومن خلال قيادته لثورة ناجحة هذه المرة في نهايات القرن المنصرم، استطاع ان يهز ثوابت القرون من قبله لدى عامة المسلمين بشأن امكان الجمع بين الاسلام كشريعة وبين الفكر الجمهوري كمدرسة فكرية سياسية عصرية في بناء الدول.

بعد ما يزيد على عقد من الزمان دعوة الافغاني النهضوية برز وقتها في المشهد السياسي الايراني ما عُرف وقتها بثورة «المشروطة» في العام 1906 التي حملت لواء انهاء العهد الملكي القاجاري المستبد ممهدة لعهد جمهوري لم يستمر طويلا بسبب اختراق «المشروطة» من قبل رضا خان وحماته الانجليز الذين قضوا على الحركة الشعبية المشروطة من خلال انقلاب رضا خان على البرلمان وتأسيسه السلالة البهلوية المعروفة في العام 1925م منتصرا بذلك لمقولة «المستبدة» مقابل «المشروطة».

الآن وبعد مرور ربع قرن على ثورة الخميني التاريخية المؤسسة لمشروطة جديدة في الواقع على انقاض السلالة البهلوية تشهد ايران وعلى اكثر من صعيد سجالا ساخنا يقترب من حافة «الهاوية» نظريا على الاقل بشأن مفهوم المشروطة الخمينية في عصر العولمة الاميركية هذه المرة.

قد يكون من مصادفات القدر ان يشتعل الصراع بشأن مفهوم المشروطة الخمينية ليصل اوجه على اعتاب الدورة البرلمانية السابعة تماما كما اشتعل ووصل الى اوجه على اعتاب الدورة البرلمانية السابعة آنذاك في زمن المشروطة الأولى.

لكن ما يكتب لتجربة «المتصارعين» الجدد هو انه وعلى رغم شعارات الاقصاء المتبادل التي يتراشقون بها واتهام كل طرف للآخر بالسعي لاحداث «انقلاب» برلماني قد يفضي إلى «مستبدة» جديدة الا انهم ملتزمون حتى الآن بقواعد التراشق بالخطاب «المدني» وتمت سقف القانون خلافا لما حصل في العام 1924م إذ تم قصف البرلمان بالمدفعية واجتاحت المشهد السياسي موجة من الاغتيالات السياسية ودخل العسكر بقوة لصالح احد الجناحين حسما للنزاع. ما يدلل على رشد الحركة السياسية الايرانية ووصولها إلى خطر اللارجعة إلى الوراء.

وهنا بالذات تأتي كلمة الرئيس محمد خاتمي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للثورة لتعبر عن شفافية المشهد السياسي الايراني، إذ يقول: دعوني اتكلم بصراحة بالغة.

«ان ايران المحررة من ربق الاستبداد والديكتاتورية قبل ربع قرن، بعد ان توجت في ثورتها التي نحتفل بها اليوم في يوبيلها الفضي انما تعيش منعطف خيارات ثلاثة اما ان تعود إلى تجريب المجرب الفاشل من المدارس الغربية كالليبرالية والاشتراكية والقومية التي تريد اسقاط النموذج الغربي على بلادنا ومجتمعاتنا وتاليا الانقلاب على كل انجازات الثورة واصل النظام الاسلامي ورمينا في تيه التبعية ومحو الشخصية الوطنية والهوية الدينية.

وأما العودة إلى الوراء عبر حركة رجعية تندثر بالدين ومن خلال قراءة معادية لكل ما هو جديد لا تحسب للزمان اي حساب وترفض التعايش مع حركة الانسان ولا تحترم رأي الشعب وتعتبره قاصرا بحاجة إلى وصي وتقدم قراءة الاسلام متحجر يشبه اسلام الطالباني في افغانستان يمهد لاستبداد اخطر من الاستبداد الاول.

أو ان نختار الطريق الثالث الذي سبق ان اختاره مؤسس الثورة وهو ما دعوت اليه عبر برنامج الاصلاح الذي يحترم رأي الشعب وحقه في تقرير مصيره بنفسه مكرسا لنظام حر وانساني نموذجي يتكئ على الدين ويعمل لاجل التربة في هيكلية شعبية فيها السلطات منبثقة من الشعب ومسئولة امامه.

واظن ان الشعب قد اختار بشكل نهائي الطريق الثالث وهو بالمناسبة ما تكرس عبر حقه في تغيير السلطات متى ما شاء وبالطريقة السلمية».

في خطابه هذا امام حشد من جماهير العاصمة طهران المجتمعين في ميدان آزادي (ساحة الحرية) حاول خاتمي ان يضع النقاط على الحروف بخصوص جوهر الجدل الدائر بين من يسمون بالاصلاحيين والمحافظين لكنه ايضا قطع الشك باليقين بشأن موقفه الشخصي بشأن ما يدور عن مدى ارتباط بعض المتدثرين بعباءته ممن حاولوا خلال السنوات الست والنصف الماضية من ولايتيه الرئيسيتين، التشويش على مشروعه الاصلاحي أو استغلاله، عندما اثبت وللمرة الألف بانه التلميذ الامين والنجيب والصادق لمؤسس «المشروطة» المعاصرة التي لا تقبل مطلقا أية قراءة للدين تفضي الى الاستبداد ولا أية قراءة للحرية تفضي إلى التبعية للأجنبي.

وحدهم المصابون بعمى الوان «الشرق اوسطية» الاسرائيلية - الاميركية - لا يريدون ان يروا الواقع في ايران كما هو.

مرة يقولون إن الدولة أكلت الثورة وباعتها! ومرة يقولون ان الدين لا يصلح كنظام دولة في العصر الراهن! ودائما يقولون ان ايران بوضعها الراهن انما تشكل خطرا دائما على العالم الحر!.

وكل ذلك بسبب تجرؤ ايران على صناعة قرارها بنفسها مستقلة عن سياقات ما بات يصطلح عليه بالمجتمع الدولي! ولكن اليس غريبا من هذا المجتمع الدولي ان يسكت على اغرب ظاهرة بل وكيان معاد للانسانية بكل معاييرها بل يذهب به الامر ليمجد كل اشكال التمييز العنصري ومظاهر الغائبية والنازية المتبلورة في «اسرائيل» فيما يستنكف على ايران حقها في اتخاذ قرارها المستقل؟!

لا احد في ايران مطلقا يتطوع في الدفاع عن جميع القرارات التي تتخذها حكومته أو نظامه ويعتبرها مصيبة دوما. بل نادرا ما يتفق اثنان على ان ما يجري فيها انما هو النموذجي المطلوب.

لكن الايرانيين في محملهم بمن فيهم المعادين للنظام الاسلامي الحالي يكادون يجمعون على ضرورة تركهم يختارون طريقهم للاصلاح او التغيير بانفسهم. وان افضل خدمة يقدمها لهم المجتمع الدولي هو عدم فرض الحلول عليهم من الخارج. انهم يعتقدون بان لديهم الاكتفاء الذاتي بالشك

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً