العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ

الـ «سي آي أيه» والكونغرس يبحثون مصادر المعلومات السيئة عن أسلحة العراق

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

ذكر تقرير أن وكالات الاستخبارات الأميركية ربما اعتمدت في الحصول على معلومات استخبارية عن أسلحة العراق في مرحلة الإعداد للحرب، على التلفيقات التي قدمها عملاء يعملون مع جماعات المعارضة العراقية السابقة.

وقالت مجلة «نيوزويك» الأميركية استنادا إلى مصادرها ومسئولين حكوميين أميركيين وفي الكونغرس بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تقوم حاليا، في عملية توسيع لمراجعتها الداخلية للمعلومات الاستخبارية بشأن العراق قبل الحرب، بإعادة فحص صدقية أربعة فارين عراقيين ذكر ادعاءاتهم وزير الخارجية الأميركي كولن باول في العام الماضي كدليل حاسم بأن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين طور نظام مختبرات متنقلة ومصانع لإنتاج مواد بيولوجية-حربية.

والفارون الأربعة ذكرهم باول في خطابه في 5 فبراير 2003 أمام مجلس الأمن الدولي لإعداد قضية الحرب على العراق. كما أن الفارين ذكرتهم أيضا الـ سي آي إيه كمصادر للمعلومات في ورقة نشرتها في مايو/ أيار تدعي فيها بأن ثلاث عربات كبيرة مقطورة بجرارات عثر عليها في العراق بعد الحرب تشكل دليلا على وجود مرافق متنقلة للمواد البيولوجية الحربية.

ولكن لدى «سي آي إيه» الآن شكوك بشأن ما إذا كان أي من تلك المعلومات يمكن الاعتماد على صدقيته. وقد اعترفت بأن أحد الفارين كان قد وصف في السابق بأنه «ملفق» من وكالة استخبارات اميركية أخرى. وعلاوة على ذلك، تقول المصادر، إن بعض ضباط المخابرات يخشون الآن بأن مجموعتين رئيسيتين للمنفيين العراقيين قدمتا معلومات للوكالات الاميركية ربما تكون قد تسللت إليها مخابرات عراقية وأنها كانت تزود الوكالات الاميركية بمعلومات غير صحيحة.

وإن مراجعة صدقية مقدمي المعلومات الأربعة جزء من تحقيقات أكبر تقوم بها حكومة بوش والكونغرس في التقييمات لأسلحة العراق غير التقليدية قبل الحرب. وفي أعقاب الإعلان الأخير الذي أصدره رئيس مفتشي الأسلحة الاميركي ديفيد كاي بأنه لم يكن يوجد لدى العراق على ما يبدو أسلحة كيماوية أو بيولوجية، اعترف المسئولون في الـ سي آي إيه لأول مرة في الأسبوع الماضي بأن اثنين من المصادر على الأقل التي ذكرها باول في خطابه كشهود على مشروعات صدام المتنقلة للحرب الجرثومية ربما كانا يفتقران إلى الصدقية.

وتقول نيوزويك إنها علمت أن شكوكا قد أثيرت بشأن المصدرين الآخرين اللذين ذكرهما باول، أيضا، بما في ذلك مصدر معلومات وصفه وزير الخارجية بأنه «مهندس كيماوي عراقي». وفي خطابه في مجلس الأمن، وصف باول هذا الشخص بأنه «شاهد عيان» أشرف على أحد المرافق وأنه «كان بالفعل موجودا أثناء تواصل إنتاج المواد البيولوجية» ولكن الآن، فإن المصادر تقول إن لدى ضباط المخابرات شكوكا بشأن ما إذا كان ذلك الشخص موجودا بالفعل أثناء الأعمال التي ادعى أنه شهدها. وقال مصدر مطلع أن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأن «المهندس الكيماوي» ربما يكون قد درب من مجموعة عراقية في المنفى.

وعلى رغم أن «سي آي إيه» ووكالات أميركية أخرى كانت ولاتزال مترددة في إعطاء مزيد من المعلومات عما إذا كان المهندس الكيماوي مزيفا، إلا أن مصدرا مطلعا في المخابرات قال إن جهاز مخابرات أجنبي في أوروبا قدم المهندس إلى المخابرات الاميركية. وحتى الأسبوع الماضي، كانت الـ سي آي إيه لا تزال تدافع عن صدقية المهندس الكيماوي.

وإن الأسئلة عن صدقية مصادر معلومات أجهزة المخابرات الاميركية بشأن برامج الأسلحة العراقية تعتبر جزءا من تقرير سري يقع في 300 صفحة وضعته لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ - وهو وثيقة وصفها أحد الموظفين بأنها «لائحة اتهام مؤلمة» للسي آي إيه وغيرها من وكالات المخابرات الاميركية. ويقول المصدر إن هيئة موظفي اللجنة تقارن في التقرير الادعاءات بشان برامج الأسلحة العراقية التي تضمنها تقييم للمخابرات القومية في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 مع المصادر التي اعتمدت عليها الـ سي آي إيه للوصول إلى استنتاجاتها. وقال الموظف إنه في كثير من الحالات، لم يكن هناك على ما يبدو سوى تأييد محدود فقط للاستنتاجات.

وكان مدير الـ سي آي إيه جورج تينيت، في معرض دفاعه القوي عن أداء الوكالة ألمح في خطاب ألقاه بجامعة جورج تاون الأسبوع الماضي في جامعة جورج تاون الأسبوع الماضي، إلى أنه كان هناك مشكلات جدية تتعلق بالصدقية مع فار عراقي واحد قدم ادعاءات عن مختبرات الأسلحة المتنقلة المفترضة. وقال تينيت أن الـ سي آي إيه قد «اكتشفت أخيرا أن التحليلات المتعلقة بذلك في الوكالة نسيت ملاحظة عرفت أحد المصادر الذي ذكرناه بأنه مقدم معلومات، بأنه كان في بعض الحالات غير موثوق به وفي حالات أخرى «ملفق».

ويقول مسئولون أميركيون بأن تينيت كان يشير إلى المصدر الذي عرفه خطاب باول بأنه «رائد عراقي فار». وقال باول إن الفار «أكد أن لدى العراق مختبرات أبحاث بيولوجية متنقلة». وطبقا لما ذكره مسئولون عديدون فإن هذا «الرائد» قدم إلى المخابرات الاميركية من قبل المؤتمر الوطني العراقي، وهو مجموعة منفى لها روابط قوية مع مدنيين في البنتاغون ومع مكتب نائب الرئيس ديك تشيني. ويقول المسئولون إنه بعد استجواب أولي للحصول على معلومات قامت به وكالة استخبارات الدفاع في شتاء العام 2002 فقد أدخل تقريرات يتضمنان ادعاءات «الرائد» بشأن المختبرات العراقية المتنقلة كمعلومات منظمة في كمبيوتر الـ سي آي إيه ووكالة استخبارات الدفاع. وعلى أية حال فإنه في غضون بضعة أشهر، فإن وكالة استخبارات الدفاع أجرت مزيدا من الاستجواب مع «الرائد» وتوصلت إلى استنتاج بأن رواياته وأوراقه الثبوتية كانت مريبة لدرجة أن الوكالة شعرت بأنها مضطرة إلى إصدار إخطار على نطاق حكومي واسع تصف فيه الهارب بأنه «ملفق» ينبغي تجنب معلوماته. وإن الإخطار المتعلق بالملفق، الذي صدر في مايو 2002 ذكر أن الفار كان على ما يبدو «مدربا من المؤتمر الوطني العراقي» بشأن ما يتعين عليه إبلاغه إلى المستجوبين، وذلك طبقا لمصدر قرأ الوثيقة التي لا تزال سرية. وعلى رغم الإخطار المتعلق بالملفق فإن معلومات «الرائد» على أية حال، ذكرت فيما بعد في تقييم حاسم للمخابرات القومية في أكتوبر 2002 عن أسلحة الدمار الشامل لصدام أرسل إلى صناع السياسة. وفي خطاب باول في الأمم المتحدة، وفي ورقة الـ سي آي إيه في شهر مايو العام 2002 التي تعلن أنه تم العثور على المختبرات المتنقلة المشتبه بها.

ويقول المسئولون الأميركيون إن محللي الاستخبارات استمروا في ذكر معلومات الفار في البيانات والأوراق الرسمية على رغم أن التحذير بشأنه كان قد وزع على نطاق واسع لأنه لم يكن هناك تقاطع للمعلومات في أجهزة الكمبيوتر لدى وكالات المخابرات مع تقريرين للمخابرات تتحدث عن رواية الملفق. ويقول مسئولون في المخابرات إن الخطأ اكتشف فقط في الأسابيع القليلة الماضية، وتقول مصادر مقربة من الـ سي آي إيه إن المشكلة اكتشفت من الوكالة نفسها خلال عملية مراجعة داخلية على رغم أن مصادر الكونغرس تقول إن الوكالة لم تكن تعرف بالمشكلة قبل أن يشير إليها المحققون في الكونغرس.

ويقول مسئولون مطلعون على ملف المخابرات عن «الرائد» أن تتبع الأوراق يشير إلى أن الفار أرسل أولا إلى وكالة استخبارات الدفاع كـ «توصية تنفيذية». ويقول مسئول في الإدارة إن هذا يعني أن الفار قد أحيل إلى أجهزة المخابرات من عضو على مستوى عال في القيادة المدنية للبنتاغون. وامتنع المسئول عن أن يعرف بالضبط العضو في قيادة البنتاغون الذي قام بالتوصية. وقبل الحرب أقام المؤتمر الوطني العراقي وزعيمه، أحمد الجلبي روابط وثيقة مع عدد من المدنيين البارزين في البنتاغون، ومن المعروف أن من بين الداعمين لهذه المجموعة نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ودوغلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع للتخطيط.

ولم يكن لدى البنتاغون رد فوري على استفسارات عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني من نيوزويك بشأن ذلك الشخص في القيادة المدنية لوزارة الدفاع الذي أحال الفار المشكوك فيه إلى وكالة استخبارات الدفاع.

وفي الأسبوع الماضي، اعترف بعض المسئولين في المخابرات أن هناك مصدرا آخر على الأقل من المصادر الأربعة التي ذكرها باول عن الادعاء الخاص بمختبرات الجراثيم المتنقلة مشكوك فيه على سبيل الاحتمال. واليوم، اعترف مسئول كبير بأن صدقية كل المصادر التي ذكرها باول يجري إعادة مراجعتها من المسئولين في المخابرات. وقد اعترف مسئولون في المخابرات بأن الفارين لعبوا دورا رئيسيا في إقناع محللي المخابرات بأن صدام كان لديه برنامج مختبرات متنقلة للجراثيم وأن العربات المقطورة بجرارات التي عثر عليها بعد الحرب كانت دليلا على أن البرنامج كان موجودا. ويقول المسئولون إنه إلى جانب معلومات الفارين، فإن السبب الآخر الذي ذكره محللو الـ سي آي إيه لاعتقادهم القوي بأن العربات المقطورة التي عثر عليها بعد الحرب إنما كانت مختبرات متنقلة هو أنهم لم يستطيعوا أن يروا أن هناك استخداما عمليا آخر لتلك المختبرات.

ومهما يكن من شيء، فإن تينيت اعترف في خطابه في جورج تاون في الأسبوع الماضي بأنه لم يكن هناك «إجماع» داخل مجلس وكالات المخابرات الأميركية عما إذا كانت العربات المقطورة مرافق لجراثيم الحرب حقا. وكاي، مفتش الأسلحة، قد قال إنه يعتقد أن الهدف من العربات المقطورة كان إنتاج الهيدروجين من أجل بالونات الطقس العراقية، وهذا تفسير بديل يحظى بقبول عام داخل المخابرات الاميركية. ويقول كاي إن معلوماته الآن تشير إلى أن عملاء الرئيس صدام تسللوا قبل الحرب إلى كل من المؤتمر الوطني العراقي ومجموعة أخرى في المنفى منافس له، هي الوفاق الوطني العراقية المقربة من الـ سي آي إيه ومن إم آي 6 (ح.ة.6)، جهاز المخابرات البريطاني. ويقول إن من الممكن أن يتبين أن بعض المصادر التي ذكرت في تقييمات المخابرات الاميركية عن أسلحة صدام للدمار الشامل هم من العملاء المزدوجين الذين زرعهم صدام. غير أن مسئولا كبيرا في المؤتمر الوطني العراقي نفى ذلك قائلا أنه لا جدوى بالنسبة للرئيس العراقي من زرع عملاء لديهم روايات تزيد من برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل في الوقت نفسه الذي كان يحاول فيه بصورة يائسة إقناع العالم بأن يتركه وشأنه وأنه ليس لديه أسلحة غير تقليدية

العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً