العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ

ماذا يجري في باكستان؟

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

يعتبر الكاتب الأميركي الشهير غراهام اليسون، أن الأولويّة الأميركيّة المطلقة بعد 11 سبتمبر/ أيلول، تتمثّل في منع الإرهابيين من الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وخصوصا النووي. فيقترح في مقال لمجلة «فورين افيرز» (عدد - ك2 -فبراير/ شباط 2004) عقيدة جديدة غير عقيدة بوش عن الحرب الاستباقيّة، تقوم على لاءات ثلاث هي: لا لنووي غير مُسيطر عليه. لا لأسلحة نووية جديدة. ولا لدول نوويّة جديدة.

وفي كتابه الجديد «نهاية للشر»، يضع ريتشارد بيرل ثلاثة مستويات لضرب الإرهاب الذي يهدّد العالم الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة. تقوم هذه المستويات على:

- الدفاع عن الداخل الأميركي.

- ضرب الإرهاب في عقر داره، وضرب من يؤويه، يرعاه ويموّله.

- وأخيرا ضربه في عقول وأفكار رجال ونساء العالم الإسلامي.

وقد نشبّه المستوى الأخير بما قيل سابقا عن أن الحرب تبدأ في عقول الناس. فإذا ما أردنا التخلّص منها، يجب البدء هناك، في تلك العقول والعمل على تغييرها.

إذا، لا يبدو ان ما يجري في باكستان أخيرا، يدور خارج إطار ما ذكر أعلاه. فقد اعترفت باكستان بلسان بطلها النووي عبدالقادر خان، بأنها كانت البائع الرئيسي للتقنية النوويّة، لبلدان تعتبر ألدّ اعداء الولايات المتحدة، ومنها من هو على لائحة دول محور الشر.

ألقى خان خطاب اعترافه باللغة الانجليزية. وهذا يعني ان الخطاب موجّه إلى العالم الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية، هذا مع العلم ان 70 في المئة من الباكستانيين لا يعرفون اللغة الانجليزية.

ما الغريب فيما يجري في باكستان عن الموضوع النووي؟

- إن الأمر المستغرب هو أن باكستان كانت تبيع التكنولوجيا النووية لبلدان أخرى، على رغم أن القانون الدولي يمنع ذلك، وخصوصا أنها هي كانت عوقبت على تجربتها النووية. فهل كانت بحاجة إلى الأموال وخصوصا بعد أن تركتها الولايات المتحدة عقب سقوط الدب الروسي؟ هل كان هدفها إسلامي بحت عبر بيعها لكل من إيران وليبيا؟ وهنا كيف تدخل كوريا الشمالية في هذه المعادلة؟ ولماذا لم تبع دول المواجهة مع «إسرائيل»؟

- وان البائع الرئيسي هو العالِم عبدالقادر خان، وذلك من دون علم السلطة في باكستان. وان خان كان قد قبض الملايين من الدولارات الأميركية ووضعها في حسابه الخاص. ونسأل هنا، أين دور الجيش؟ أين دور المخابرات الباكستانيّةISI ؟

- وإذا كان الجيش الباكستاني لم يعرف بعملية البيع، وإذا كانت المخابرات الباكستانيّة أيضا على غير علم. فهل يمكن لنا ان نبرّىء وكالة الاستخبارات الأميركية السي. آي. إيه؟ وأين كان دور الموساد، وخصوصا أن القنبلة النووية الإسلامية الباكستانية تقلق «إسرائيل» حتى ولو كانت جغرافيا بعيدة عنها، أكثر من غيرها، فهي ، أي القنبلة، أصبحت واقعا ملموسا مع وسائل إطلاقها، وليست كما المشروع الإيراني الذي لايزال في منتصف الطريق؟

- لماذا سرعة أو تسرّع العالم خان بالاعتراف بما فعله، والطلب في الوقت نفسه العفو عنه؟ ولماذا أتى العفو بهذه السرعة؟ فهل يخشى مشرّف غضب الشعب عليه إذا ما عاقب بطل وأب القنبلة العالِم عبدالقادر خان؟ هل كان خان هو التسوية وكبش المحرقة لتغطية العسكر والمخابرات؟

- إذا كان خان هو الثمن، فهذا يعني ان الولايات المتحدة لا تريد حشر مشرّف في الزاوية على الصعيد الداخلي، وذلك بعد أن تعرّض لمحاولتي اغتيال كان نجا منهما. اللهم إلا إذا كانت قصّة محاولة الاغتيال أيضا مدبّرة لإخراج مشرّف من المأزق مع الأميركيين لتخفيف الضغط عليه. أو ان محاولتي الاغتيال كانتا من ضمن خطة ما، كانت وضعت تمهيدا لإفشاء سرّ بيع العالِم عبدالقادر خان للنووي.

- كيف سيكون تصرّف الولايات المتحدة؟ نحن نعتقد ان أميركا كانت على علم مسبّق بما سيقوله خان. وان هناك صفقة كانت وضعت بين مشرّف وبوش. وان أميركا تبدو مطمئنّة إلى النووي الباكستاني في المستقبل.

- لكن الأكيد ان هناك ثمنا ما سيدفعه كل من مشرّف، العسكر الباكستاني والمخابرات الباكستانية.

فما هو هذا الثمن؟

منذ فترة بسيطة أعلن رامسفيلد انه ينوي تعيين جنرال أميركي من رتبة أربع نجوم للاهتمام بالشان العراقي الأمني. وقد فسّر البعض ان الجنرال ابي زيد لم يعد قادرا على إدارة المنطقة الوسطى كلّها، وخصوصا أن كل الاستراتيجيّة الأميركية الحالية والعمليات العسكرية، تدور في تلك المنطقة. هذا مع عدم إغفال أن هذه المنطقة، تشكلّ حاليا قوس الفوضى الأمنيّة والأزمات. وفسّر البعض الآخر، أن هناك توزيعا جديدا للمهمات الامنية والعسكريّة في المنطقة الوسطى. لكن المؤشرات تدلّ على ما يأتي:

- ان العراق لايزال يشكل مركز الثقل للاستراتيجيّة الأميركية، ولا بد للنجاح فيه وبسرعة، وخصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. من هنا عليه تعيين قائد عسكري مستقل.

- ان النجاح الأميركي في القبض على صدّام، يستلزم متابعة العمل للقبض على بن لادن، وخصوصا ان الحرب عليه وعلى الإرهاب، كانت ولاتزال تشكل جوهر الحروب الأميركية. وانه أصبح لزاما على الإدارة الأميركية العودة إلى الحرب على الإرهاب بعد أن ارتفعت الأصوات التي تنتقدها لأنها حوّرت الاتجاه، وخصوصا بعد أن كبِر موضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق والتي لم يُعثر عليها حتى الآن.

- منذ فترة أعلنت أميركا انها ستقوم بعمليات عسكرية بحثا عن بن لادن. لكن المعلومات تقول إن بن لادن موجود في شمال غرب باكستان. وقد يعني هذا الأمر انه يجب على أميركا ان تدخل إلى الأرض الباكستانية وتقوم بعمليات عسكرية هناك للقبض على او قتل بن لادن. فهل سيوافق الرئيس مشرّف على هذا الامر، وهو المتهم بانه تخلى عن الطالبان الأمر الذي حوّل افغانستان التي تعتبر العمق الاستراتيجي الأهم لباكستان إلى شوكة في خاصرتها؟ وإذا قبل مشرّف، فماذا عن العسكر والمخابرات؟ وماذا عن حلفاء مشرّف الإسلاميين في البرلمان؟ وإذا لم يسمح للعسكر الأميركي بالدخول، فهل سينفذ العسكر الباكستاني العمليات العسكرية للقبض على بن لادن؟ أسئلة فعلا محيّرة، لكن المؤشرات وما يجري حاليا في باكستان عن موضوع بيع النووي، يدلان بوضوح على ان هناك شيئا محضرا من قبل، وأن ما نراه الآن هو الفصل الأول من مسرحيّة طويلة جدّا. وقد تكون خاتمة المسرحيّة سعيدة، إذا انتهت بسرعة وتمّ القبض على بن لادن أو قتله. فنشهد مثلا إعادة انتخاب الرئيس بوش لولاية ثانية.

لكن الأكيد، وفي حال الفشل أو النجاح، ان الثمن سيكون دائما من جيب باكستان وعلى حسابها. فالاعتراف ببيع النووي سيعني حتما المزيد من السيطرة الأميركية على القنبلة الإسلامية، إن كان مباشرة أو عبر منظمة الطاقة الدولية. لكن السيطرة المباشرة هي الأقرب إلى العقل الأميركي حاليا. وإن القبض على بن لادن، سيجعل باكستان أقل أهميّة لأميركا، فتلتفت أميركا إلى نسج التحالفات وبالعمق مع الجار اللدود لباكستان، الهند. وتعمد أميركا أيضا إلى المزيد من السيطرة على أفغانستان، عبر تكليف الهند بذلك، وخصوصا أن الهند كانت الحليف الرئيسي لتحالف الشمال أيام الطالبان. أليست الهند أهم لأميركا من باكستان، وهي أكبر ديمقراطيّة في العالم؟ اليست أهم وهي ليست بلدا مسلما؟ أليست أهم وهي تسيطر على المحيط الهندي، الممر الأساسي للنفط المتجه نحو الشرق الاقصى وتحديدا نحو الصين؟ وإلا فما معنى المناورات الأميركية - الهندية المشتركة؟ وما معنى بيع تكنولوجيا عسكرية أميركية متقدمة للهند، وحرمان باكستان من طائرات الإف 16 والتي كانت باكستان دفعت ثمنها في وقت سابق؟ وأخيرا وليس آخرا، ما معنى السماح لـ «إسرائيل» وفتح الباب لها على مصراعيه لبيع الهند التكنولوجيا المتطورة جدّا، والتي كانت، أي أميركا، قد منعت «إسرائيل» من بيعها للصين تحت حجة انها تشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي؟

العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً