العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ

الصحافة... «صاحبة الجلالة»

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أشهر العبارات المضللة في قاموسنا الإعلامي وصف الصحافة بأنها «مهنة البحث عن المتاعب» أو «صاحبة الجلالة»، مثلما هي العبارات الشائعة في اختزالها للحقائق، فأحيانا كثيرة تبدو الصحافة بعيدة كثيرا عن السيّر في طريق المتاعب، بل تركن للسير بجوار حائط السلطة والاحتماء به، سواء كانت سلطة المال أو النفوذ، وبدلا من تسديد فاتورة الدفاع عن الحقيقة، تتمتع بمنح ظلال وارفة وترف التغني بأمجاد صاحب السلطة لا فرق بين كونه صاحب مال أو جاه أو سلطان، ومن دون اعتبار للضمير المهني وحق القارئ في المعرفة.

صاحبة الجلالة الصحافة، أطلقوا عليها اسم «السلطة الرابعة»، وهي لو أرادت لكانت السلطة الاولى، ولكنها بفضل همة نفر من رجال بلاطها، و«شطارة» عدد من أبنائها، و«هيافة» بعض أفراد حاشيتها، لم تستطع الاحتفاظ بموقعها كسلطة رابعة، فراحت تتراجع وتتراجع، وتتنازل وتتنازل، حتى قنعت اخيرا باستثناء القليل منها، بمقعدها المريح على أبواب باقي السلطات، في انتظار الاوامر والتعليمات، والعطايا والهبات، حرصا على البقاء... وخوفا من قرارات الاستغناء..!

صاحبة الجلالة «سابقا» أصبحت أحيانا «دلالة»، وأحيانا «غسَّالة»... وأحيانا «طبَّالة»... وأحيانا «رقاصة»..!

- صاحبة الجلالة «الدلالة» أصبح من مهماتها الجديدة تسويق «المنتجات» الحكومية... و«الترويج» للقرارات والقوانين سيئة السمعة، وتوصيل المفاهيم المشبوهة الى المنازل في عبوات تحريرية..!

- صاحبة الجلالة «الغسَّالة»، تولت مقاليد «الغسل» محاولة قدر الإمكان إزالة «البقع» من ملابس السلطة... أو مداراتها على الأقل، باستخدام المنظفات التحريرية والمقالات التي تجعل «الأمور» أكثر بياضا ثم «نشر» كل ذلك على صفحاتها، إلى جانب نشر» غسيل معارضيها أولا بأول...!

- صاحبة الجلالة «الطبَّالة» لبّت طلب هواة «الطبل والزمر» المتزايد، وحاجة البعض الشديدة إلى «طبالين» مدرَّبين يتولون مهمة التطبيل والتزمير لكل ما هو رسمي، فبرز في بلاط صاحبة الجلالة قسم خاص للطبل والزمر لحساب الكبار، فكل ما يقولونه مهم وعظيم ويصب في مصلحة الشعب، وكل ما يتخذونه من قرارات وما يصدرونه من قوانين «حتى ولو كان قانون الطوارئ» هي قرارات وقوانين صائبة تؤكد حرصهم على سعادة ورفاهية المواطنين...!

- صاحبة الجلالة أصبحت «رقاصة» أيضا، وفي سالف العصر والأوان، أيام حكاوى «ألف ليلة وليلة»، كان ملك الزمان والمكان كلما استخفه الطرب لأمر ما صفق طالبا الراقصات والمغنيات ليبتهج، باعتباره أيضا ممثلا للشعب، واليوم وفي عصر صاحبة الجلالة الصحافة، تصفق السلطات فيندفع عشرات الصحافيين بملابس الرقص الشرقي للرقص على صفحات صحفهم ومجلاتهم، يرقصون للأنظمة والحكومات والحكام، أي حاكم وأي نظام وأية حكومة!

في بلاط صاحبة الجلالة كثيرون جعلوا هوايتهم «مسح» هذا «البلاط» ومسح أي بلاط آخر يطلب منهم مسحه، بل إنهم في كثير من الأحيان متطوعون للمسح، إذا كان ذلك يمنحهم الأمان على مكتسباتهم التي حصلوا عليها، فالتنافس على «المسح» شديد ومحموم، في زمن كثر فيه «المسّاحون» والساعون إلى المسح إذا سنحت لهم الفرصة!

زمان... عندما كانت «صاحبة الجلالة» صاحبة جلالة فعلا، وعندما كانت «السلطة الرابعة» تنافس باقي السلطات وتخيفها، كانت هناك أقلام تكفي كتاباتها لإقالة حكومة أو للإطاحة بوزير، وكان الصحافي «بعبع» المسئولين، يهبون لاستقباله، ويتطوعون لمدِّه بالأخبار، أما اليوم فأخشى أن تكون تسمية الصحافة بـ «صاحبة الجلالة» نكتة قديمة جدا...!

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً