العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ

الأوسكار... التميز على الطريقة الأميركية

الحديث السائد في هذه الأيام بين المهتمين بعالم السينما يدور جله ان لم يكن كله حول الأوسكار، هذا التمثال الصغير الذي لا يتجاوز طوله 13,5 بوصة ولا يزيد وزنه عن ثمانية أرطال والذي يتكون معظمه من القصدير (90 في المئة) بينما يشكل الأنتيمون ما تبقى من تركيبه، لكن ما قصة هذا الأوسكار، كيف جاء وكيف أصبح الجائزة الأهم والأرفع شأنا في عالم السينما.

نبش تاريخ الأوسكار يستوجب سرد التسلسل الذي أدى لوجود ما يسمى بأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، هذه الأكاديمية التي ولدت على يد رئيس شركة مترو غولدوين ماير لويس ماير، التي أنشئت في العام 1924، والتي بلغت من القوة درجة جعلت التوقعات ترجح سيطرتها على عالم الأفلام بعد عامين فقط من أنشائها أي في صيف العام 1926. كان ماير حديث نعمة وكان يحاول ان يطمس ماضيه الأسود وأن يختلق لنفسه ماض آخر بالتشبث ببعض أجزاء حياته السابقة، مثل انه كان لاجئا فقيرا، وانه كان تاجر خردة في كندا، وانه كان مالك مسرح، وانه اصبح احد اعلى الناس اجرا في أميركا، وانه يدير نشاط تجاري ليس له نظير في توسعه السريع.

وفعلا كان نشاط ماير يحقق الكثير من الأرباح حتى قبل دخول السينما الناطقة خصوصا مع تدني أجور معظم العاملين في هذا المجال، لكن العام 1926 حمل مفاجأة كبيرة لماير إذ تم تشكيل نقابات لعمال الاستوديوهات، فخشي ماير ان يقوم المخرجون والممثلون الذين يحصلون على أجور عالية أملا بتشكيل نقابات أيضا، ما سيشكل عبئا غير متوقع على أرباحه، فقرر احتكار النقابات العمالية بتشكيل تحالف لجميع العاملين في مجال صناعة الأفلام يسيطر عليه ويقوده المنتجون من أمثاله، كما قرر أن يطلق على هذا التحالف اسم اكاديمية الفنون والعلوم السينمائية. جشع ماير ومخاوفه لم يشكلا الدافع الوحيد لانشاء الاكاديمية بل كان هناك نقاط أخرى تجعل من الأكاديمية مؤسسة جديرة بالاحترام، إذ شكلت الرغبة الاصلاحية من قبل الكثيرين ومنهم ماير (على رغم ما يتهمه به البعض من نفاق جراء رفعه شعار الاصلاح)، شكلت تلك الرغبة أحد أهم تلك الدوافع، وجاءت على أنقاض الثقافة السائدة في هوليوود في تلك الفترة والتي وجدها الكثيرون ثقافة غبية تقوم على الاثارة واللهو الفارغ، وتميل بشكل كبير للفانتازيات ذات النهايات السعيدة، وفي المقابل هزت الكثير من الفضائح صناعة السينما في ذلك الوقت وكان لابد من التصدي لكل ذلك التدهور والانحلال الثقافيين بالتركيز على الحديث عن الفن والعلوم لتوجيه انتباه الناس عن تلك الفضائح والتفاهات.

هكذا جاء الأوسكار بعد عامين من إنشاء الأكاديمية ليميز المبدعين وليشغل هوليوود بما هو أهم من فضائح ممثليها، وعملت هذه الجائزة على نقل اميركا من بلد الواقعية الى ارض الخيال، والى اسطورة حية وقصة زائفة. لكن لماذا وكيف اطلق عليها اسم الأوسكار؟ هناك الكثير من القصص لا يبدو ان لأي منها أفضلية على غيرها، إذ يقال ان مارغريت هيريك أول أمينة مكتبة في الاكاديمية كانت تعتقد ان التمثال الصغير يشابه خالها اوسكار، ويقال أيضا ان كاتب الأعمدة سيدني سكولسكي هو من جاء بالاسم، أما الرواية الثالثة فتفيد أن بيت دايفس التي حصلت على أول أوسكار لها عن دروها في فيلم Dangerous في العام 1935، قالت ان التمثال يشبه زوجها في ذلك الوقت والذي كان اسمه الأوسط «أوسكار».

ولفوز بيت دايفس قصة تستحق الذكر، فقد جاء بعد خسارتها في العام 1934 أمام كلاوديت كلبيرت التي فازت بالجائزة عن دورها في فيلم Night it Happeed One، وقد خسرت دايفس على رغم عضويتها في الأكاديمية بسبب عدم قدرة الأخيرة على فرض فوز دايفس عن فيلمها Of Human Bondage بسبب تضاءل قيمة عضوية الأكاديمية، وهو الأمر الذي حدث حين أجبرت الأكاديمية أعضاءها على الانسحاب منها بسبب الضغوط المادية التي كانت تواجهها والتي كان جزء كبير منها يعود إلى تراجع ايرادات شباك التذاكر، هذا الى جانب الحروب التي دخلتها الأكاديمية مع نقابات الممثلين والمخرجين والكتّاب.

هذه الضغوط جعلت الاكاديمية تلين وتوافق على ان يدخل اسم بيت دايفس في قرعة مع من ترشحه النقابة، وهكذا خسرت بيت أمام كلاوديت كولبيرت، ما جعل الأكاديمية تطرح فكرة تقديم جوائز للممثلين في الأدوار الثانوية (قدمت لأول مرة في العام 1936) وذلك لرفع شأن عضويتها.

طبعا نجح ذلك وأخذ الجمهور الأميركي يشعر بمدى أهمية الاوسكار، وذلك بعد التراجع الكبير الذي حدث في الفترة بين الأعوام 26 و1928، إذ كان الكثير من الأميركان يرون أن الأفلام لم تعد تنتج من أجلهم.

ليلة توزيع الجوائز كانت تمثل حفلة فخمة يتناول فيها الضيوف عشاءهم في فندق الروزفلت وذلك قبل اعلان الفائزين، أما الآن فانها تعتبر حدثا مسرحيا مملا، ومادة للاعلام والذي يعتبر الآن هو المصدر الاكبر بلا قياس لدخل الاكاديمية في عام واحد.

عبر العقود كانت هذه المناسبة تعرض افضل الأعمال، منها فيلم It Happened One Night الذي فاز بطله فرانك كابرا في العام 1934 بمعظم جوائز الحفل تقريبا، وفيلم Gone With the Wind الذي حصل بطله ديفيد اوسيلزنيك على الجائزة، وفيلم From Here to Eternity الذي حصد الكثير من الجوائز في العام 1953، وفيلمThe Godfather بجزئيه الأول والثاني الذي حقق نجاحا كبيرا في العامين 1972 و1974.

ومن أفضل الأفلام التي تم ترشيحها مسبقا لنيل الأوسكار The Life of Emile گola (1937)، Going My Way (1944)، Gentlemans Agreement (1974) وغير ذلك من الأفلام السريالية ولكن هناك الكثير من الأفلام العظيمة التي لم يتم ترشيحها أبدا لنيل هذه الجائزة منها على سبيل المثال The Shop Around the Corner, Rear Window وغير ذلك من الأفلام العظيمة التي لا تعيرها الأكاديمية اي اهتمام لأنها لا تحبها، ولا تتناسب مع توجهاتها، وليس أدل على هذا التوجه الهوليوودي من فوز فيلم Chicago في العام الماضي، الذي حصد الجوائز على رغم تأكيده فكرة القتلة الذين يتحولون الى ابطال شعبيين والذي يؤكد الروح السائدة في هوليوود.

تظل روح هوليوود تلك هي الحكم في كل الأعمال، وتأتي هذه الروح لتتناسب بشكل أو بآخر مع سياسات دولة هوليوود والحكومة الأميركية، لتكرم من يتناسب مع أهوائها وسياساتها، ولتتجاهل من يشير بقصد أو من غير قصد إلى انتهاكاتها واعتداءاتها هنا أو هناك.

حفل الأوسكار على رغم ما يسلطه من أضواء على انجازات فنية عظيمة فإنه يكرس هيمنة اميركا على الفكر والفنون في جميع أرجاء العالم خصوصا مع كونه الحدث السينمائي الفني الأهم ومع توجه الأبصار جميعها إلى من يطئون السجادة الحمراء

العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً