العدد 2727 - الإثنين 22 فبراير 2010م الموافق 08 ربيع الاول 1431هـ

القبول بالآخر والحوار قبل الإنصات... صراع الديوك في المنابر العربية

رغم أن الحوار في مجلس الأمة الكويتي وفي غيره من المجالس النيابية محكوم بلوائح داخلية تنظم العلاقة بين الأعضاء وبينهم وبين الوزراء إلا أن نتائج الدراسة التي قام بها الزميل محمد النغيمش الكاتب المتخصص في الإدارة ويوسف الفيلكاوي أستاذ الإعلام بجامعة الكويت حول المقاطعة لكلام المتحدث تحت قبة البرلمان كانت مفاجئة لجهة ارتفاع معدل المقاطعات التي تعرض لها المتكلم إذ بلغت النسبة 48 % فيما لم تتجاوز نسبة مقاطعة الوزراء للمتحدثين 2 %.

أسباب المقاطعة بحسب الدراسة تعود إلى اعتراض المنصت على المتحدث أو الاختلاف معه في الرأي...

ما يحدث في البرلمانات العربية ليس حالة شاذة وظني أن «منابر النخب» في هذه المجتمعات تتساوى في هذه الخاصية، فالبرامج الحوارية في معظم الفضائيات صورة طبق الأصل عن البرلمانات بل هي أكثر لمعانا بطريقة الحوار حيث تحولت الشاشات المفتوحة إلى ساحة مشاجرات والحوار إلى خناقات ومقاطعات وصراخ أشبه بسوق للمزادات العلنية.

فثقافة الاستعراض الخطابي جزء من الحراك العام للمناظرات التي تجري في التلفزيونات وعلى طاولات الحوار وداخل قاعات المجالس النيابية وغيرها، أن تنصت إلى محدثك يعني أنك تحترم هذا الرأي وتسمعه وهو من جملة آداب الحوار، لكن الواقع السياسي القائم يشي بغير ذلك، فالحوار أساسا مقطوع بين القوى والجماعات السياسية داخل البلد الواحد، فكيف بشأن المقاطعة!

«الخناقات» كلمة تعبر عن واقع الحال أكثر من «مقاطعة المتكلم» اليوم انتقلت الظاهرة من الشارع إلى التلفزيون ووصلت إلى علِّيَة القوم، المنتخبين والممثلين لهذا الشعب...

أخبار الوكالات تنقل للقارئ وبشكل مثير حالات المواجهات الساخنة - الهوشات - في معظم المجالس والتي تنتهي بالغالب برفع الجلسة لإغلاق الميكروفونات وأخذ قسط من الراحة لإصلاح ما بين «الإخوان» لتعود الأمور إلى مجاريها الطبيعية ..


بيئة واقعية

بيئة المتحاورين والمقاطعين والمنصتين لم تكن بيئة منعزلة بل هي نبتة واقعية من هذه الأرض والتي أنتجت هذا السلوك وليس في الأمر ما يستدعي الاستغراب، أعتقد أن الموضوع الأهم هو مبدأ الحوار بحد ذاته والغائب عن الواجهة السياسية، اليوم نتحدث عن مقاطعات بين الخصوم، فلا حوار بين حماس والسلطة في فلسطين وهم داخل البيت الفلسطيني الواحد، وإن تحاوروا فبالنيابة أو الوكالة، ثلاث سنوات وهم في مواجهات ساخنة ودموية وتصفية حسابات، من «ينتصر» على الآخر، دون أن يكون في مقدورهم الجلوس أمام طاولة حوار مباشرة يفتحون خلالها الملفات ويستمعون لوجهات نظر كل طرف إلى أن يتوصلوا إلى صيغة توافق وتعايش مشترك...

أيضا ينطبق الحال على الحوثيين والنظام اللذين يتقاتلان منذ أشهر بعد أن انقطعت لغة الحوار بينهما واستبدلوها بالصواريخ والدبابات والقتل لعل في استخدام القوة ما يتيح لفريق أن يفرض شروطه على الآخر...

القوى المتطاحنة في لبنان بقيت سنوات وهي تتمترس خلف الخنادق جرَّت البلاد إلى حروب أهلية أفضت إلى فتح أبواب الحوار المفروضة عليها من الخارج، أي أن هذه الجماعات لم يكن بمقدورها تجاوز خطوط رسمها كل فرق لنفسه واعتبرها من الخطوط الحمر التي لا يجرؤ على كسرها والاستعاضة عنها بالحوار... الحوار منقطع في الداخل وبين القوى الإسلامية والليبرالية، فكيف نطلب «أنسنة الوسيلة» طالما كان الأساس مفقود.

الخصومة السياسية فاجرة والكلام عن ديمقراطية في الحكم تبقى مشوهة وناقصة إذا لم تكن القوى والجماعات المنضوية تحتها يحكمها الحوار، وإلا كيف نكون ديمقراطيين ولا نستطيع أن نتحكم بخلافاتنا ونديرها وفق قواعد وأعراف وضوابط من شأنها إشاعة ثقافة الحوار والتفاهم.. مصر أعلنت القطيعة مع الجزائر بسبب خلاف كروي وإستعرت حرب الكراهية لأشهر حتى استكانت وهدأت الجبهة، فكيف يمكن أن نجتهد بتأديب الإنصات والحوار والقطيعة قائمة بين المتخاصمين...

قبل الحديث عن الارتقاء بلغة الحوار، هناك ما هو أكثر إلحاحا من ذلك، نعني فكرة التعايش بين القوى السياسية داخل البلد الواحد، والمجتمع الواحد، وفكرة قبول الآخر، أما أن يصار إلى إقصاء تهميش كل طرف للآخر بحجة أنه يحمل ثقافة ورأيا مختلفين لا يتوافق مع رأي هذه الجماعة، فهذا يعني أننا سنصل إلى طريق مسدود، انغلاق على الذات، تبطل فيه مسوغات الممارسة الديمقراطية واحترام الرأي الآخر على أساس من قواعد العيش المشترك...


المقارنة غير عادلة

لا أدري ما إذا كان الاستنتاج الذي وصلت إليه الدراسة المعنية أرادت فيه أن تظهر أعضاء مجلس الأمة بصورة «متخلفة» بأسلوب الحوار مقارنة بالوزراء وإن كنت أظن أن المقارنة هنا غير عادلة فطبيعة الدور والوظيفة التي يؤديها «عضو الأمة» هي بخلاف دور ووظيفة «الوزير» خاصة عندما يتواجهان داخل القاعات المفتوحة وعلى مسمع من الرأي العام ووسائل الإعلام، فالنائب يعتمد على قوة المناقسة والهجوم والمراقبة ومدى بلاغته بالتعبير والشرح في حين يبقى موقف الوزير في حالة «دفاعية» يرد اللكمات والادعاءات والحملات الموجهة ضده...

ستكون المقاطعة أثناء التكلم نوع من التسلية إذا لم يتوفر عند الأطراف المتحاورة، قيم الحوار ومبدأ عدم إلغاء الآخر والقبول به... ربما كانت الحالة الإيرانية أقرب مثال لحالة العصيان في الحوار بين السلطة والمعارضة، فالنظام يتصرف على أساس إنكار وجود معارضة وبالتالي العمل على إخضاعها لسلطته بالقوة وبالوسائل التي يمتلكها، أي أن الطرف الأقوى يمارس دور الإلغاء للآخر أيا كان حجته ونفوذه في الشارع وهو ما يؤدي في لحظة ما إلى المواجهات العنيفة والتصادم الدموي لسبب بسيط وهو سلوكه منذ الأساس القائم على نفي الطرف الآخر، قاطعا الطريق على التحاور وإمكانية التفاهم...

العدد 2727 - الإثنين 22 فبراير 2010م الموافق 08 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً