العدد 2738 - الجمعة 05 مارس 2010م الموافق 19 ربيع الاول 1431هـ

دروس من سنوات السادات

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يبقى الرئيس المصري السابق أنور السادات بعد حوالي ثلاثة عقود من موته شخصية خِلافية. يتذكره الجميع في «إسرائيل» وفي أجزاء كثيرة من الغرب لرحلته الجريئة إلى القدس، إذ أصبح الزعيم العربي الأول والوحيد الذي خاطب الكنيست الإسرائيلي، ولمعاهدة السلام التي كسرت الجمود مع «إسرائيل».

ويُحتفل بأنور السادات في مصر والعالم العربي بسبب الانتصارات التي حققها في الأيام الأولى لحرب 1973، وهي المرة الأولى التي أثبتت فيها قوة عربية أنه يمكن كسر جبروت الجيش الإسرائيلي، وخلال فترة قصيرة نسبيا بعد هزيمة العام 1967.

إلا أن صفقة السلام التي عقدها السادات بعد ذلك مع «إسرائيل» كانت أكثر خلافية بكثير. فرغم أن العديد من الزعماء العرب قبلوا بشكل شخصي فكرة أن السلام مع «إسرائيل» ضروري ولا مناص منه، بمن فيهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي قام باتصالات سلام سرية واعدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه شاريت، إلا أن أيا منهم لم يكن في ذلك الوقت يملك الشجاعة الكافية ليصرّح عن ذلك علنا. وبدلا من العمل مع السادات لإيجاد موقف عربي تفاوضي موحّد، قاموا بالانقلاب ضده.

كانت الآراء في مصر وتبقى متفرقة، إذ ينظر الكثيرون إلى معاهدات كامب ديفيد على أنها خيانة. إلا أن معظم المصريين الذين تعبوا مما يُنظَر إليه بشكل واسع على أنه رغبة عربية للدفاع عن القضية الفلسطينية «حتى آخر مصري» يقبلون على مضض فوائد السلام البارد.

واليوم، وبوجود إجماع عربي عام حول الحاجة لإيجاد تسوية مع «إسرائيل»، كما تجسده مبادرة السلام السعودية، أصبح انتقاد السادات أضعف صوتا وأدق رأيا: رؤيته مقبولة، ولكن تكتيكاته أحادية الجانب مازالت عرضة للتساؤل إلى حد كبير.

والآن، وحيث أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يبدو ملحا وصعب الحل كما كان دائما، ما هي الدروس التي يمكن تعلُّمها من تجربة السادات؟

أحد الدروس المهمة يتعلق بأهمية سياسة الرموز والإيماءات في مساعدة صانعي السلام المحتملين في التغلب على جنون الارتياب وانعدام الثقة اللذين يفصلان الإسرائيليين والعرب.

سوف يقول الكثيرون على الجانبين أن معوقات السلام، مثل حكومة وطنية متشددة يمينية في «إسرائيل»، وصعود حركة حماس المحافِظة بشكل متطرف في غزة، والحصار الإسرائيلي القاتل على قطاع غزة والاقتتال الداخلي المنتشر بين الفصائل الفلسطينية، هي أمور لا يمكن التغلب عليها. إلا أن الأمور لم تبدُ جيدة واعدة بشكل خاص في منتصف السبعينيات كذلك، عندما كانت الحرب هي الوحيدة التي تلوح في الأفق.

وقتها، تماما مثل الآن، كان يتزعم «إسرائيل» رئيس وزراء صارم أيديولوجيا ويميني الذي، رغم حديثه عن الحاجة للسلام، كان مترددا في أن يتفاوض مع العرب أو أن يتنازل عن بوصة واحدة من حلم إيجاد «إسرائيل» الكبرى. من خلال ذهابه إلى القدس ومخاطبة الشعب الإسرائيلي مباشرة، أجبر السادات مناحيم بيغن على اتخاذ القرار بضربة معلّم.

يُحسِن الزعماء العرب صُنعا اليوم إذا أدركوا أنه بمواجهة عدو قوي يخافهم رغم قوته، فإن عرض سلام متحفظ، بغض النظر عن مدى جاذبيته، لن يعني سوى القليل إذا جاء عن بُعد. فيجب إيصاله بشكل شخصي، ملفوفا بأغصان الزيتون.

واقع الأمر أن الحاجة لاتصالات ومفاوضات مباشرة بين السياسيين من «إسرائيل» ودول المواجهة العربية، إضافة إلى الشعبين العربي والإسرائيلي، هي أعظم من أي وقت مضى، إذا أخذنا بالاعتبار مستوى انعدام الثقة وممارسات نزع الإنسانية عن الآخر. ولا يعني هذا أن الروابط الاقتصادية والسياسية يجب أن تخضع للتطبيع فورا، فهذا الأمر سوف يكون من ثمار السلام النهائي. ولكن يجب أن يكون هناك حوار واسع وصادق وتبادل ثقافي بين من يرغبون ببناء سلام دائم على الجانبين.

تستطيع «إسرائيل» كذلك أن تستنبط دروسا مماثلة حول قيمة الاتصال المباشر. ليس للإسرائيليين العاديين المعزولين كما هو الحال وراء جدران فعلية وعقائدية سوى اتصال لا يكاد يذكر مع جيرانهم الفلسطينيين، وهم الشعب الذي يحتاجون أن يفهمونه بشكل أكبر حتى يتسنى لهم التعايش معه.

تحتاج «إسرائيل» لأن تتعلم لغة جيرانها وأن تبدأ بالتعامل مع الفلسطينيين والعرب بأسلوب يجتذبهم إلى جانبها. قد يشكّل إنهاء حصار غزة المدمّر والذي يعطي نتائج عكسية بداية جيدة.

إضافة إلى ذلك يحتاج كل من الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعلموا أن العنف فشل في حل النزاع، وسوف يستمر الأمر كذلك.

يتوجب على «إسرائيل» أن تعرف أن سياسة القوة الرادعة لا تردع سوى إمكانات السلام واحتمالاته. ويتوجب على الفصائل الفلسطينية التي تدعو إلى العنف وتستخدمه أن تدرك أنها لا تحقق الكثير باستثناء إثارة سخط جارتهم القوية. يُحسِن الطرفان صنعا إذا تعلما من التكتيكات التي استخدمتها حركات السلام اللاعنفية.

البراغماتية في نهاية المطاف هي الحل الوحيد. وكما قال السادات في خطابه العام 1978 في القاهرة: «السلام أثمن بكثير من قطعة أرض... لتختفِ الحروب إلى الأبد».

* مصري المولد، صحافي وكاتب مركزه بروكسل، يكتب في مجال واسع من المواضيع بما فيها الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والإسلام والعلمانية والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2738 - الجمعة 05 مارس 2010م الموافق 19 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:40 ص

      غلطة الشاطر0

      بس لو ما غلط على الشيخ الكشك وقال اهو مرمي زى الكلب فى السجن 0 وقام ألأخير بتحليل دمه وهذا ما فعله ألأسلمبولى لأته أحد تلأمذة الشيخ0

اقرأ ايضاً