العدد 2738 - الجمعة 05 مارس 2010م الموافق 19 ربيع الاول 1431هـ

مسامرات على ضفاف دجلة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

موعد الانتخابات العراقية أَزِف أو كاد. قبل الخوض في تعقيدات الأحزاب والأفراد المترشّحة وتحالفاتها ومَن سيفوز، يجدر بنا الخوض عن مُفردة مُؤسِّسَة للفهم السياسي داخل العراق. وهي الحديث عن نظام الهوية الذي يحتمي به الأفراد وتحتمي به الكيانات. فهو في النهاية الناظِم للعمل العام هناك منذ ما يزيد عن السبعة أعوام.

مراسلة «البي بي سي» ذهبت قبل أيام إلى مدينتي الأعظميّة (السُّنيّة) والكاظميّة (الشّيعيّة). جالت فيهما وسألت ناسها. أحد الأعظميين قال: بأنه لم يزُر مدينة الكاظميّة منذ سقوط حكم البعث في 09 أبريل/ نيسان من العام 2003. وبعض الكاظِميين لم يَزُر الأعظمية كذلك من (ورا السقوط) كما تُعبّر عن ذلك اللهجة العراقية الدارِجة. المخاوف هي من تعرّضهم للقتل أو الخطف.

كان يفصل المدينتين سور أسمنتي بطول خمسة كيلومترات وبارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر, وهو يمر عبر نهر دجلة. يُذكّرني ذلك بمشاهدة شخصية قبل عام من الآن. كنت قد شاهدت الجدار الذي يفصل منطقة الدورة (السُّنيّة) عن منطقة الكرّادة (الشّيعيّة). اليوم يبلغ طول المُكعّباب الأسمنيتة الفارزة للمناطق (مُجتمعة)، والمُعزِّزة للأمن في العراق أزيد من 5000 كم!

الجُدُر الأسمنتيّة لم تعد ضرورة اليوم. فهناك جُدُرٌ نفسية، مذهبية، تُبلِي بلاء أكثر نقاء وضراوة في الوقت نفسه من أيّ جدران أخرى. لقد كان ذلك علاجا لا يُحتمَل لشعب لم يتنبّه لمثل هذا الأمر مُطلقا، بل ووصلت فيه الزّيجات المُختلطة مذهبيا (سنّة/ شيعة) إلى ثلث عدد الزيجات في أرجاء العراق كافة!

كان العراقيون قد أدمنوا على قومية بلون اشتراكي إلى حدّ ما، وبدين غير مُنظَّم، وغير مسكوك على التوليفة المذهبية الدينية. وكان ذلك ترشّقا ورشادا اجتماعيا وجماعيا افتقرت إليه الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية طيلة السنين المنصرفة، التي تنبّهت (حتى في ظلّ العلمانيات الراديكاليّة) إلى الدّين المُقسّم.

أمَا وقد حصل ذلك في العراق، فإن الطوائف غدت مُلتصِقة أكثر بمحورها وذاتها. وأصبحت الانشطارات الفكرية والسياسية أسيرة للإطار الديني الطائفي. فأصبح العلماني يُرَدُّ إلى أصوله اللحميّة، وانتماءاته على أساس المذهب والدين. وكذلك الحال مع اليسار والبعث والقومية.

وهي حالة مرّت بها بريطانيا خارج حقبة الأنوار، عندما تصلبت الطوائف، فأصبحت «النزعة الطائفية ظاهرة سيا/ دينية بارزة، حين كانت الطوائف تعمل داخل البيئة الاجتماعية بشكل تقليدي وداخل مجتمعات محليّة، حسب تعبير أحد المؤرخين. وهو ما يعني نكوصا على سلّم التطوّر.

هنا يُصبح العَبَث بالأفراد، عبثا بالجُدُوديّة، وتاليا بالهويّة الجامعة، التي تبتني في إطارها الأول على الدينية والمذهبية. بمعنى أن المُكوّنات الطائفية تعتبر نفسها مُصابة في وجودها بمجرّد التّماس مع أحد ممن يليها نَسَبَا في العِرق والمذهب. وهو امتزاج خطير، لا يُمكن تجاوزه أو الإعراض عن نتائجه ومآلاته.

نقول هذا الحديث، ونحن نستذكر قرار هيئة العدالة والمساءلة باستبعاد المئات من المرشّحين للانتخابات بحجّة الانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي، أو تأييده عَلنا. هؤلاء المستبعدون لم يعودوا يُمثّلون قوى سياسية، بقدر ما يُمثّلون طوائفهم بالأساس. وهنا المُشكلة، حين تُستَعدَى الطوائف، في بلد تلظّى بحرب طائفية مفتوحة لمدة عامين، مازالت ارتداداتها إلى اليوم فاعِلة، فتصبح كوّة الحرب أكثر اتساعا للصراعات.

في جانب آخر من الموضوع، فإن هذا الاستبعاد إذا ما رُبِطَ بتصريحات سابقة لمسئولين سياسيين داخل السلطة السياسية الحاكِمة حول التخوّف من احتماليّة عودة البعث، يُصبح الأمر غاية في الغرابة. فالتخوّف من سيطرة البعث على أربعين في المئة من مجلس النواب عن طريق الانتخاب، هو تخوّف كارثي، ويعني أن هشاشة نظام ما بعد الاحتلال قد نضج على صفيح الفشل بما فيه الكفاية.

اليوم، ورغم أن الأحزاب هي التي تحتكر الأمن والعسكر والسياسة منذ العام 2003، مازالت تخشى من وصول البعثيين إلى السلطة عبر بوابة الانتخابات والانقلابات. وباتت تخشى من مليون فرد يحملون السلاح (هم من أتباعها في الأغلب)، وتخشى أيضا من أربع فرق عسكرية وفرقتين من الشرطة في بغداد (راجع ما قاله عادل عبدالمهدي في صحيفة «الحياة» اللندنية بتاريخ 18 فبراير/ شباط 2010).

وربما يُعيد هذا التفكير إلى الأذهان فكرة باتت أكثر قربا إلى الواقع من أيّ وقت مضى. وهي أن الفشل الذي وصل إليه العراق على أيدي سياسييه دفع بالمواطن العراقي، لأن يُفكّر في أيّ بديل، سواء انتقاما وتمردا منه ضد الوضع أم طمعا في الحصول على الأفضل، وخصوصا في مجال الخدمات.

وهو ما يذكّرني بأحد الصحافيين الذي تجوّل في شارع حيوي ببغداد. فسأل أحد المارّة: ماذا تتوقّع أن تُفضي إليه الانتخابات؟ ردّ المواطن العراقي بغضب وتهكّم من السّياسة العراقية الحالية ورجالاتها. ثم عمّد كلامه بالقول: لقد تهاوت بعض اليافطات الانتخابية لبعض المُرشّحين بسبب رداءة الطقس وزخّات الهواء القوية، وهذا يدلّ أنه (حتى الرياح) ليست راضية عن أدائهم السياسي! وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2738 - الجمعة 05 مارس 2010م الموافق 19 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:00 ص

      صح لسانك

      صح لسانك

    • زائر 1 | 6:05 ص

      فكرة أخرى

      الا تعتقد بان هذه المشكلات هي ضريبة اي تغيير قد يحدث ضد الانظمة القمعية؟ ارجو الاجابة

اقرأ ايضاً