العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ

عاشوراء ستبقى عاشوراء

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

المفاضلة لدى الحسين (ع) كانت بين الموت عزيزا أو الحياة ذليلا مرغما خانعا، فاختار أن يموت عزيزا وأعلن قائلا: «إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما»... فكثير من الناس في نظر الحسين (ع): «عبيد الدنيا، والدِينُ لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحصوا بالبلاء قلَّ الديانون».

هكذا أصبحت الدنيا في الفترة التي استشهد فيها الإمام الحسين (ع)، فترة حكمها من غلَّبَ الدنيا على الدين، والمصلحة الذاتية على المصلحة العامة، وخُيَّر الإمام الحسين (ع) «بين السِّلة والذِلّة»، فرَّد الحسين «هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حميَّة ونفوس أبيَّة».

عاشوراء الحسين ستبقى عاشوراء على مرِّ الدهور، لأن استشهاد الحسين (ع) في يوم العاشوراء وضع حدا للظلم باسم الدين وحوّله إلى ظلم باسم الدنيا؛ فلولا الإمام الحسين لتحوّل دين محمد (ص) إلى مؤسسة مثل الصوامع التي ظلمت باسم الدين واحتكرت باسم الدين واضطهدت باسم الدين.

شهادة الحسين هي السبب في أنه لم يستطع أي حاكم مسلم «امتلاك» منبر في مسجد، فالمساجد لله دائما وأبدا، ولا وجود لمسجد مركزي تنطلق منه تبريكات لحاكم ظالم... ولو حاول حاكم إنشاء مسجد خاص به فإن المساجد الأخرى ترتفع منابرها باتجاه مخالف... كل ذلك لأن الحسين قلب الموازنة في عاشوراء... قلبها من ظلم باسم الدين إلى ظلم باسم الدنيا... وتلك واحدة من نتائج العاشوراء ومن ثمار شهادة الإمام الحسين، وإلى ذلك يُفسَّر حديث الرسول (ص): «حسينٌ مني وأنا من حسين»، فحسين من محمد بيولوجيا، ومحمد من الحسين رساليا. فرسالة محمد (ص) كانت ستُصادر وستتحوّل إلى صومعة ملحقة بديوان الحاكم، فجاءت عاشوراء لتقول إن الدين أكبر من الدنيا، والرسالة أعظم من الحكم، والمعاني الإنسانية أكثر خلودا من الثمار الدنيوية.

فلولا الحسين بن علي لكان الإسلام كما بعض الأديان الأخرى... كهنوتية مغلقة مبتعدة عن الدنيا من جانب، ومرتبطة - من جانب آخر في العادة - بمن يظلم باسم الدين... ثار الحسين ليقول لكل الحكام بعد يزيد: من شاء منكم أن يظلم فليظلم، ولكن ظلمه لن يكون تحت عنوان الدين... فالعدل أساس الدين، والعدل شأن إلهي وشأن إنساني، والإنسان عليه أن يسعى من أجل الحياة العادلة الكريمة وأن يرفض الذلَّ والهوان حتى لو كان ذلك يتطلب حياته ودمه.

عاشوراء الحسين لها أنصارها في كل زمان ومكان، ولها من يرفع لواءها في البحرين منذ مئات السنين وينهل من صفاء نبعها مفاهيم الكرامة الإنسانية التي أصبحت ناموسا لكل البشر، تتحدث عنها مواثيق دولية ومعاهدات إنسانية، وهي أساسا من صلب ديننا وواحدة من ثمار دماء أبي الشهداء الحسين بن علي (ع).

ثورة الحسين ثورة دينية وإنسانية، وحتى من لا يرتبط بالدين فإنه يرتبط بالإنسانية وهو ما قاله الحسين لمن سعى إلى قتله «إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد... فكونوا أحرارا في دنياكم»... فهنيئا لكلِّ حرٍّ أحيا ذكر أبي عبدالله الحسين (ع)

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً